إذا استمتعت إلي أغنية أو قطعة موسيقية عذبة أو شاهدت عملاً فنيا راقيا وانفعلت بها فهناك سببان لذلك. أولهما شعورك بأن من صنع هذه الاغنية أو ألف هذه القطعة الموسيقية الساحرة أو قدم لنا هذا بحالة من الصفاء النفسي والذهني النابعان من وضوح الرؤيا مما دفعه إلي أن يقدم لنا هذا الفن الذي امتعنا وانفعلنا به فانتقل إلينا نفس الشعور «بالروقان» الذي كان لدي صاحب الاغنية أو القطعة الموسيقية أو العمل الفني في لحظة الإبداع. يصاحب هذا الصفاء النفسي والذهني والروقان ايضا شعور باليقين فلا يمكن لإنسان أن يقدم لنا فنا راقيا إلا اذا كان لديه شعور باليقين والايمان، اما اذا انعدم الصفاء واختفي اليقين واهتزت المشاعر الناتجة عن ضبابية الرؤية فإننا نري ما نراه الآن.. من تخبط وتشتت في الفكر والعواطف والانزلاق إلي هوة الفوضي والضياع والابتذال. ولا مخرج لنا من كل هذا الا بالفرار إلي النكتة والهزل والكوميديا والاستطراق في مشاهدة الافلام المصرية القديمة المصاحبة للزمن الجميل حيث كان هناك وضوح رؤية في كل شئ. ومما يؤكد شغف المشاهدين بالنكتة والسخرية والكوميديا أنه يوجد في الوقت الحاضر اكثر من برنامج كوميدي يتهافت الجمهور علي مشاهدتها من خلال شاشة التليفزيون. وهي «آدم شو» للفنان أحمد آدم وبرنامج «البرنامج» لباسم يوسف وبرنامج «عزب شو» الذي أسماه «قلة مندسة» والبرامج الكوميدية التي يقدمها لنا الفنان هاني رمزي. انصرف المشاهدون عن برامج «التوك شو» التي تناقش القضايا الجادة بسبب ما يصاحبها من جدل وتشتت وصراع للأفكار ولجأ إلي الهزل لكي يخفف عن نفسه بعض الآلام النفسية الناتجة عن تشتت الافكار وضبابية الرؤية وخيبة الأمل في كل شيء وعدم الثقة في شيء، فلم يعد أحد يعرف ما هو الصواب وما هو الخطأ أو يفرق بين الظالم والمظلوم وما هي الحقيقة وما هو الزيف فالجميع يتهمون بعضهم البعض بأبشع التهم، اختفي صفاء النفس «والروقان» وأخذ معه اليقين ولم يعد أمامنا سوي الفرار إلي الكوميديا والسخرية والهزل. نعود إلي الضبابية وعدم الروقان التي نعيشها الآن لنبحث عن اسبابها فماذا نجد: أنباء تطالعنا بها الصحف وغيرها من وسائل الإعلام كل ساعة وكل دقيقة عن حوادث قتل وسرقة بالاكراه وقطع طرق وإضراب عن العمل وتعطيل المصالح والخوض في سير الناس بالباطل، لم يعد لدينا احترام لأي شيء أو تقديس للثوابت، فمن اين يأتي الصفاء الذهني والنفسي واليقين!! أنه مجرد فرار. ولما كان من المستحيل علي شعب ان يعيش هكذا وهو في حالة هروب وفرار دائم فاقد الايمان بكل شيء مما يحول بينه وبين العمل والانتاج أو الابداع فلابد من البحث عن حل، وبالنسبة للابداع فكيف يقدم لنا الفنانون فناً حقيقاً وهم فاقدوي الايمان بكل شيء مهزوزي المشاعر مضطربي الوجدان!! لذلك نري الجميع يتحولون إلي الصياح والصراخ ويكيلون الاتهامات لبعضهم البعض ويقدمون لنا أعمالا مشوشة متدنية لا ترتقي إلي مستوي الفن. فئة كبيرة من الفنانين كفوا عن التعامل مع الفن وتحولوا إلي مجالات اخري للعمل أو آثروا الصمت تماما، وفئة أخري اصبحت تجلس في مقاعد المتفرجين يتابعون ما حولهم دون تعليق. الفن الوحيد الذي سلم من هذا التوهان هو فن «الاغنية الوطنية» فنحن رغم كل شيء، نحب هذا الوطن ونعتز به ونفتديه بأرواحنا. أرجو أن تنجلي الأمور وتتضح الرؤية وينقشع الضباب ويصبح لدينا يقين وإيمان بمثل عليا يمكن لنا أن نستوحي منها معاني وافكارا نضعها في اغاني واعمال فنية ننفعل بها فتدفعنا إلي العمل والتقدم والارتقاء وهذا هو دور الفن الحقيقي الذي يلعنه البعض ويكيل له الاتهامات ضاربين الحائط بكل ما هو مقدس ونبيل، وقانا الله من شرورهم وأزال عنا هذا الضباب. كاتبة المقال: أديبة مصرية