شاهد الاثبات دائما في موقف صعب عندما يشهد في قضية أطرافها علي علاقة به.. لكن الشاهد في هذه القضية كان موقفه اصعب.. لان اطرافها كانوا أقرب الناس اليه.. فالقاتل أبوه.. والقتيل شقيقه الأصغر الذي لم يتجاوز الخمس سنوات ! ورغم ان عمر الشاهد سبع سنوات.. إلا أنه تماسك رغما عنه .. ووقف امام رجال مباحث الفيوم ونيابة سنورس ليقدم شهادته كما عاش أحداثها المريرة.. ثم حبس نفسه داخل منزل أسرته التي اغتالتها الاحزان.. لم يكن الصغير أحمد يصدق انه لن يري شقيقه الاصغر عبدالتواب مرة أخري.. ولن ينام بجواره.. ولن يلعب .. ولن يضحك معه! ماذا تفعل لوقادتك الأقدار لتعيش أصعب موقف في حياتك.. عندما تجد نفسك قد تحولت فجأة.. الي شاهد اثبات في قضية قتل؟! ومطلوب منك ان تقف امام سلطات التحقيق .. وتجيب علي الاسئلة والاستفسارات التي ستنهال عليك.. بينما تتداعي امام عينيك مشاهد الجريمة وانت تري انسانا يقتل انسانا آخر ويحيله الي عالم الأموات بطعنة سكين.. أو طلقة رصاص..! انها أصعب تجربة يمكن ان تواجه انسان.. رغما عنه سيدخل في دوامة لايعرف متي سيخرج من تحت عباءتها السوداء ويعود الي الحياة التي كان يحياها مرة أخري؟! شاهد الاثبات الذي ستحكي عنه سطور هذا التحقيق لم يكن رجلا ذاخبرة في الحياة.. وعرف كيف يواجه المواقف الصعبة ويتحمل مرارتها.. ويملك القدرة علي تمييز الأشياء.. شاهد الاثبات هذه المرة طفل بريء لم يتجاوز السابعة من عمره بعد.. القاتل لم يكن انسانا غريبا عليه.. بل كان ابوه.. والقتيل أيضا لم يكن سوي شقيقه الذي يصغره بعامين! وداخل قسم الشرطة فجر المتهم المفاجاة وقال انا القاتل ازاي قتلته ؟ غطست رأسه في المياه وخنقته حتي مات. ليه ؟ كده إيه السبب؟ معرفش ! يشك رئيس المباحث الجنائية بالفيوم في اعترافات الأب ودوافع الجريمة فيطلب من المقدم رشدي مفتاح مفتش المباحث والنقيبين عماد حمدي وأحمد علي تكثيف التحريات عن الأب وظروفه! الاب سبق اتهامه في عام 2000 بقتل عمه محمود عبدالغفار محمد خطأ بفأس هشم به رأسه عندما تدخل لمساندة عمه في مشاجرة بينه وبين مزارع يدعي عبدالسلام رزق.. وعندما حاول ضرب عبدالسلام بالفأس اخطأت الضربة وقتلت عمه في الحال.. وعاقبته المحكمة بالسجن سنة.. عقب خروجه من السجن داهمه احساس بالذنب لكن هذا الاحساس لم يقره لارتكاب أية افعال تدينه سواء داخل الاسرة أو خارجها حتي ارتكب جريمة قتل ابنه الصغير عبدالتواب!.. ثم احاله اللواء صلاح العزايزي مديرا من الفيوم الي نيابة سنورس.. فيأمر أحمد صلاح مدير البساتين بحبسه علي ذمة التحقيق بتهمة القتل العمد مع سبق الاصرار والترصد لابنه.. بينما يواصل رجال مباحث الفيوم جهودهم للتوصل لاسباب الجريمة. شاهد الاثبات.. يتكلم! فجأة يقطع صوت أقدام أحمد شاهد الاثبات الصغير.. يقف أمامي وهو يلوذ بالصمت عسي أن يداوي جراحه الغائرة.. يتسلح بالهدوء ربما يكون المخدر لتسكين أحزان .. قدمت له العزاء وسألته تفتكر ليه أبوك قتل اخوك الصغير؟ مفيش سبب.. يعني المسكين الصغير ده عمل ايه علشان ابوه يعمل فيه كدة.. ده حتي لو عمل حاجة مهما كانت يكون جزاءه الموت.. بيحصل فين الكلام ده ياناس ليه قلت ابوه.. مش أبونا؟ لا.. مش حاقول ابونا.. ابونا ازاي بعد اللي عمله ده.. لساني مش ممكن حابطا وعني واقول له أبويا أمال حاتقول عنه إيه؟ اقول عليه شيطان.. ربنا ينتقم منه. أنت متأكد انه كان متعمد قتل اخوك؟ يجيب صارخا: أيوه.. ايوه.. قتله المجرم.. انا لو نسيت أي حاجة.. لايمكن ان أنسي المشهد ده ابدا لحد ما أموت في اللحظة دي.. فكرت تجري تجاه أبوك وتمنعه او تستغيث بالناس لانقاذ أخوك؟ ! المفروض ده كان حصل.. لكن والله انا مش عارف أيه اللي جرالي وقتها .. حسيت اني في دنيا ثانية خالص.. كاني باشوف فيلم عنف في السينما .. رغم اني كنت متأكد ان القاتل اللي قدامي ده هو نفسه ابويا محمد.. والقتيل ده هو حبيبي وشقيقي عبدالتواب .. لساني كأنه مربوط بجنزير .. رجلي كأنها مشلولة ماذا قلت لأبيك بعد الجريمة؟ مش عايز اشوفه ولااسمع سيرته أبدا.. وبعدين هوا عترف بجريمته في الشرطة والنيابة طالما ان سبب الجريمة غير واضح.. هل معني كدة ان ابوك عقله غير سليم؟! طبعا لا.. لان تصرفاته معانا كلنا طبيعية خالص.. وعمره ما أذي احد فينا بشكل وحش اذن.. تفسيرك لجريمته ماسببها؟ انا برضه نفسي أعرف ليه عمل كده.. مع ان عبدالتواب ماكنش مجرد.. ابن من ولاده ال..8 ده المسكين كان أكثر واحد فينا بيحب ابوه وبيحب يمشي معاه في كل مكان هل تتمني ان يخرج ابوك من القضية دي براءة؟ تتدخل الأم نجاة في تلك اللحظة وهي تصرخ! يارب يموت زي ماحرق قلبي علي ضنايا.. الاعدام هو الحل الوحيد اللي حايطفي ناري علي عبدالتواب أخيرا أسأل أحمد: ما الشيء الذي يعذبك الآن؟ تدمع عينا الصغير وهو يقول بنبرات صوت ترتفع مع كل كلمة كما لو كانت بركانا يوشك علي الانفجار! ماكنتش فاكره حيموته.. أنا كنت فاكره بيغسله وشه بس زي أي اب.. لكن للأسف موته.. وحرق قلبي عليه آه ياخويا .. أه ياعبده ياحبيبي !