متظاهرو وثوار ميدان التحرير يعرفونه جيدا.. فهو اشهر من نار على علم.. تجده دائما فى قلب المظاهرات والاحداث الملتهبة.. يرصد ويراقب من على خطوط النار المعارك التى تدور بين رجال الداخلية والثوار.. لقبوه بصائد القنابل وطلقات الرصاص.. لأنه يحتفظ بعشرات من قنابل الغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش وايضا الحية.. والتى تم إطلاقها بدءا من احداث ثورة 25 يناير 2011 حتى الأحداث الملتهبة التى تشهدها البلاد الآن.. كل من حوله يؤكدون أنه اكبر شاهد على أحداث الثورة والعنف التى جرت خلال العامين السابقين.. ليس هذا فحسب انما قرر أن يحول تلك القنابل وطلقات الرصاص إلى متحف يكشف من خلاله قوة المواجهات بين رجال الشرطة والثوار.. وأنواع الاسلحة المستخدمة بينهما.. "اخبار الحوادث" التقت به لنكشف ما رصده خلال هذه الفترة.. وكيف بدأت فكرة رصده لتلك الاحداث؟!.. ولماذا فضل الاحتفاظ بقنابل طلقات الرصاص ليقيم بها معرضا انضم مؤخرا إلى معرض فنانى الثورة؟!.. هذا ما سنعرفه من خلال السطور القادمة.. دائما تجده فى قلب الميدان.. يحمل لفتات ساخرة تكشف عن غضبه من الأوضاع السياسية.. معظم من فى الميدان يعرفونه جيداً.. إذا غاب قليلا اتصلوا به وسألوا عنه.. فالجميع يعلم أن عم على بولاق من المتظاهرين الذين شاركوا فى الثورة المصرية.. فهو لم يغب خلال ال 18 يوماً وهى الفترة التى ثار الشعب فيها من اجل الإطاحة بنظام مبارك لحظة واحدة.. لكن فى لحظات الغضب.. أو فى وقت الاشتباكات التى تندلع بين الحين و الآخر.. يتخلى عم على عن مكانه الواقع فى قلب ميدان التحرير.. ليظهر على خطوط النار.. يسجل بهاتفه المحمول ما يحدث من اشتباكات.. وينتظر وقت الهدوء ليلتقط قنابل الغاز المسيلة للدموع والطلقات الحية والخرطوش.. حتى أنه يحتفظ بعدد هائل من قنابل الغاز وطلقات الرصاص الحى والخرطوش التى تم إطلاقها خلال احداث الثورة.. وحتى تلك الايام التى تشهد بعض المعارك بين المتظاهرين وقوات الشرطة.. وربما كانت مهنته كفنان تشكيلى مختص فى اعمال الرخام سببا لأن تجعله يستغل تلك القنابل وطلقات النار فى أن يقوم بتشكيلها على هيئة تماثيل او حروف او كلمات معبرة.. تهريب خطابات! التقينا بعم على بولاق.. والذى فجر لنا مفاجأة من العيار الثقيل.. فور معرفته بان هذا الحوار سوف ينشر على صفحات اخبار الحوادث قائلا: هل تعلمون انى كنت فى السجن مع الكاتب العملاق مصطفى امين.. والذى كان يمتلك اخبار اليوم شريكا مع شقيقه العملاق على امين.. وتابع كلامه قائلا: نعم كنت فى القسم الجنائى داخل السجن بسبب هروبى فى فترة معينة من التجنيد.. بينما كان هو من ضمن المعتلقين السياسين فى سجن طرة.. وكانت هناك العديد من الحواجز تفصل بيننا.. إلا اننا كنا نلتقى احيانا فى فترة التريض.. وهى الفترة التى تفتح فيها ابواب الزنازين حتى نخرج إلى حوش السجن.. وفى احد الايام نادى على الكاتب الكبير مصطفى امين.. وهذا لمجرد انه علم باسم الشهرة الخاص بى على بولاق.. وقال لى: هل انت من بولاق بالفعل؟!.. ورديت عليه بأنى بالفعل من سكان بولاق.. وهنا طلب منى بشكل مستتر أن اساعده فى شىء.. وهو ما رحبت به.. وطلب منى أن اقوم بتهريب بعض الخطابات التى كان يكتبها إلى الفنانة الراحلة ام كلثوم والتى كانت تسكن فى حى الزمالك حينها.. ويكمل عم على بولاق كلامه: وبالفعل كنت احصل منه على الخطابات.. واخفيها بطريقة معينة داخل جسدى.. ثم اعطيها لامى فى وقت الزيارة.. وطلبت من امى أن توصل هذه الخطابات إلى الراحلة ام كلثوم بشكل شخصى فى فيلتها بالزمالك.. ووافقتنى امى بالفعل.. وهنا سألناه: كم مرة قمت فيها بتهريب خطابات الراحل مصطفى امين إلى الفنانة ام كلثوم؟!.. ورد قائلا: كتير جدا.. ففى كل زيارة كنت اعطى لامى اكثر من خطابات لكى توصلها إلى الفنانة ام كلثوم.. وكان الكاتب الكبير يشكرنى على مساعدته.. وهل كنت تقرأ هذه الخطابات قبل أن تعطيها لوالدتك؟!.. يضحك عم على ويرد: يا بيه انا "مابعرفش" اقرأ اصلا "علشان" اعرف الجوابات ديه فيها ايه.. وامى "كمان" تجهل القراءة والكتابة.. وبعدين "ديه" امانة.. ولو كنت بعرف اقرأ لكنت اصريت على عدم قراءتها.. لكن علمت بعد خروجى من السجن أن هذه الخطابات كانت ترج الرأى العام كله.. خاصة وانها كانت تنشر كمقال فى اخبار اليوم باسم الكاتب الكبير مصطفى امين.. فكانت السيدة ام كلثوم توصلها إلى دار اخبار اليوم لنشرها.. وعلمت ايضا أن الداخلية حينها كانت تمنعه من الكتابة أو تسريب أى أوراق منه إلى خارج السجن.. وكانوا يحاولون معرفة الشخص الذى يساعده على التهريب.. عندما خرجت من السجن هل أخبرت احدا بحكاية تهريبك لخطابات الراحل مصطفى امين؟!.. ويرد قائلا: لا طبعا.. هذا شىء يخصه لوحده.. ولو حكيت لأحد يكون هذا إفشاء سر.. وانا عادتى لا احب إفشاء اسرار الناس.. لكن مصطفى امين نفسه ذكرنى فى كتابه "سنه اولى سجن" والذى كتب فيه أن شابا شهما من بولاق.. ومشهور باسم على بولاق كان يساعدنى على تهريب خطاباتى إلى خارج أسوار السجن.. ومن ثم نشرها فى عامود بأخبار اليوم.. وبصراحة سعدت جدا لان كاتب كبير بحجم الاستاذ مصطفى امين كتب عنى فى اول كتاب له بعد خروجه من السجن.. صدفة المظاهرات! وكيف شاركت فى مظاهرات الخامس والعشرين من يناير؟!.. وهنا يبتسم عم على قائلا: بصراحة انا شاركت فى الثورة عن طريق الصدفة.. فأنا كنت من ضمن الملايين الذين كانوا يشعرون بالكبت والخوف على مصير البلاد.. خاصة بعد الحالة الاقتصادية المتردية التى وصلت اليها مصر فى آخر عهد الرئيس السابق.. ويوم 25 يناير كنت اتجه من منزلى ببولاق الى باب الخلق لإنهاء بعض اعمالى هناك.. لكن فور خروجى من بولاق فوجئت بمظاهرة حاشدة قادمة من ناحية شبرا الخيمة عن طريق كورنيش النيل.. وبصراحة كان فيها شباب زى الورد.. يحملون شعارات "عيش, حرية, عدالة اجتماعية".. ويتجهون ناحية ميدان التحرير.. كان معى وقتها ابنى حسنين .. الذى طلبت منه الذهاب إلى باب الخلق بدلا منى لانهاء العمل.. بينما قررت الانضمام لتلك المسيرة التى اقتنعت بشعاراتها.. ويضيف قائلا: بصراحة لم اتوقع أن تمتد تلك المظاهرات لتصبح ثورة تطيح بالنظام.. لكن ما اود قوله هو أن المتظاهرين فى البداية لم يريدوا إسقاط النظام.. انما طلبوا هذا بعد أن تساقط منهم العشرات قتلى.. ليكون بيننا وبين النظام السابق دماء.. وهنا طالبنا بإسقاط ومحاكمة النظام على جرائمه.. قنابل وطلقات! وكيف بدأت فى مهمة البحث عن القنابل وطلقات الرصاص؟!.. ويرد قائلا: فى البداية كانت المظاهرات تسير بشكل سلمى جدا.. وكان الشعار الاكبر وقتها هو "سلمية سلمية".. وكان الشباب لا يريدوا الاصطدام برجال الداخلية.. إلا ان بعض الضباط منعهوهم من الدخول إلى ميدان التحرير.. وقام بعضهم بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع عليهم.. لتندلع الاشتباكات.. ويتحول الميدان إلى شبه ساحة حرب.. بين رجال الشرطة والمتظاهرين.. وخلال ساعات قليلة سقط عشرات من النتظاهرين قتلى وجرحى فى قلب الميدان.. بينما انسحبت الشرطة من مواقعها.. بعد ان رد المتظاهرون على الهجوم بإحراق سيارات ومدرعات الشرطة.. ولتصاب مصر وقتها بحالة من الهرج والمرج.. والانفلات الامنى.. الذى ادى إلى خروج الجيش من ثكناته فى محاولة للسيطرة على الحالة الامنية فى البلاد.. خاصة بعد ان تم الهجوم على عدد كبير من اقسام الشرطة والسجون.. وتهريب المساجين.. والاستيلاء على كميات كبيرة من السلاح الميرى.. كما قام البلطجية والمندسون حينها بتخريب عدد من الممتلكات العامة والخاصة وسرقة المحال التجارية والبنوك.. وهو ما كان يرفضه المتظاهرون السلميون.. ويكمل كلامه قائلا: كنت خلال هذه الاحداث اجمع قنابل الغاز التى اطلقتها الداخلية.. وكنت اجمع ايضا معها طلقات الخرطوش وطلقات الرصاص الحى.. سألناه: هل كانت هناك طلقات حية بالفعل وقت الثورة؟!.. واجاب قائلا: نعم كان هناك العديد من الطقات الحية التى استخدمت وقت الثورة.. والتى كان يطلقها بعض الضباط فى الهواء.. بينما وجهها آخرون الى صدور الثوار.. وجمعت منها عددا كبيرا.. كما التقطت صور بواسطة هاتفى المحمول لطلقات نارية اصابت عددا من المحال الموجودة فى ميدان التحرير أو الشوارع القريبة منها.. اشكال فنية! وما هى الأحداث التى شاهدتها؟!.. وماذا كنت تفعل بالقنابل وطلقات النار؟!.. ويجيب عم على قائلا: كل احداث العنف كنت شاهد عليها بداية بأحداث يوم 25 يناير من 2011.. مرورا بجمعة الغضب.. وال18 يوماً التى سبقت تنحى الرئيس السابق.. وايضاً كافة المعارك التى دارت بين قوات الشرطة والمتظاهرين مثل احداث محمد محمود ومجلس الوزراء وماسبيرو ومحمد محمود وسيمون بوليفار وايضا الاتحادية.. ويكمل كلامه قائلا: لاحظت خلال العامين السابقين ان هناك انواعا عديدة لقنابل الغاز المسيل للدموع بعضها قادم من اسرائيل وامريكا وفرنسا والصين.. وايضا طلقات الخرطوش التى كانت فى البداية مطاطية ولونها احمر.. الآن اصبحت الطقات اكثر قوة والوانها فاتحه.. كما رصدت ايضا العديد من الطلقات النارية التى تطلقها الداخلية.. لكن بأمانة هذه الطلقات كانت تطلق فى الهواء من اجل تفريق المتظاهرين.. وهنا يفجر عم على مفاجأة من العيار الثقيل قائلا: رأيت بعينى ضباط وجنود يطلقون طلقات الخرطوش على المتظاهرين والثوار.. واشار لنا بالعديد من طلقات الخرطوش.. وعادة تنفى الداخلية إطلاقها لهذه الطلقات.. وربما يعود السبب إلى تكليف مجندي الامن المركزى بتمشيط اماكن الاحداث.. او التى تشهد اشتباكات بينهم وبين المتظاهرين والثوار.. وهذا من اجل جمع القنابل المسيلة وطلقات الخرطوش والطلقات الحية.. وما افعله أنا انى أنافسهم فى جمع هذه القنابل والطلقات بعد أن ينصرفوا.. فعادة اجد بعض من القنابل او الطلقات بجانب الارصفة او تحت السيارات.. ويقول: وهناك حقيقة اخرى لا يعرفها الكثيرون.. وهو ان هناك بعضا من المندسين يستغلون المظاهرات لإطلاق الاعيرة النارية وطلقات الخرطوش تجاه قوات الشرطة والمتظاهرين.. حتى يزداد الموقف سخونه واشتعالا.. ورصدت بالفعل العديد من هؤلاء المندسين الذين اصابوا بعضا من رجال الشرطة والمتظاهرين.. فالشرطة لديها الحق فى أن تقول ان هناك مصابين منهم اطلقت عليهم طلقات الخرطوش او الرصاص الحى.. وايضا المتظاهرون يتعرضون لنفس الطلقات.. مخربون وإنقاذ! ويكمل عم على كلامه قائلا: فى بعض الاماكن المشتعلة مثل الاعتداء على المتحف المصرى او سيمون بوليفار قمت بالامساك بعدد من المخربين الذين كانوا يندسون بين الثوار.. للاعتداء على الممتلكات العامة او الخاصة وسرقتها.. وبصراحة كان يساعدنى المتظاهرون والثوار على الامساك بهم.. وتقديمهم الى رجال الشرطة.. وهو ما يؤكد ان المتظاهرين حريصون على السلمية.. ويتعاونون مع الشرطة فى القبض على المجرمين واللصوص والمخربين.. ولهذا لابد من التفريق بين اعمال الشغب والمتظاهرين السلمين.. ويكمل كلامه قائلا: وخلال تلك الاشتباكات كان يتساقط عدد من المتظاهرين والثوار.. بسبب اصابتهم بطلقات الخرطوش او الطلقات النارية او بسبب اختناقهم من الغاز المسيل للدموع الذى يتم اطلاقه بكثافة.. وكنت اقوم بصحبة ابنى حسنين بإنقاذ هؤلاء المصابين بدراجتى البخارية الخاصة.. واذهب بهم إلى المستشفى الميدانى الموجودة فى الميدان.. واذا كانت الاصابة خطيرة انطلق به الى اقرب مستشفى لمحاولة إنقاذه.. ومن بين تلك الحالات التى نقلتها شخص اصيب بطلقة نارية فى فخده.. وقتها حملته على يدى.. وساعدنى على مساندته احد المتظاهرين وانطلقنا به إلى المستشفى.. وتم اجراء عملية له بالفعل نجحت فى استخراج الرصاصة من جسده.. ايضا لا انسى عندما كنا مسترخين فى الميدان.. وكان بالقرب منى البطل احمد حرارة.. وفوجئنا بقوات الشرطة تقتحم الميدان.. وتطلق القنابل المسيلة للدموع وطلقات الخرطوش بغزارة.. فى محاولة منهم لفض التظاهر واخلاء الميدان.. وكانت احدى طلقات الخرطوش من نصيب البطل احمد حرارة لتستقر احدها فى عينه اليسرى.. بعد أن فقدت عينه اليمنى فى معركة سابقة.. و يتدخل ابنه حسنين فى الكلام قائلا: شاركت ابى فى العديد من الوقائع التى حدثت ومازالت تحدث على ارض الواقع.. وشهدت تلك الاعمال الفنية التى شكل خلالها القنابل وطلقات الرصاص فى لوح فنية رائعة.. اعجب الجميع من خلالها.. وهو ما جعله ينضم إلى قائمة فنانى الثورة.. واصبح يشارك بأعماله فى المعارض التى يقيمها الفنانون.. ويضيف: لمست روحا جميلة فى ميدان التحرير وميادين الثورة.. وكثيرا ما كنت اخشى على ابى بسبب كبر عمره.. وقوة المعارك التى كانت تدور احيانا.. إلا انه كان يتعامل فيها بروح الشباب ويتحرك بسرعة فائقة من اجل القيام بهوايته بجمع القنابل وطلقات الخرطوش والرصاص.. وسألنا عم على: وكيف كنت تتعامل مع قنابل الغاز التى تصل إلى ميدان التحرير او تقع بالقرب منك وهى مازالت مشتعلة؟!.. ويجيب قائلا: من الصعب جدا أن يمسك أى انسان بقنبلة الغاز.. خاصة وان درجة حرارتها تكون عالية جدا.. وتصيب اليد بالاذى.. وما نراه عبر بعض اللقطات بأن يقوم الشباب بالإمساك بقنابل الغاز وهى مازالت تعمل.. صعب للغاية.. وانهم يفعلون هذا وهم يرتادون "قفاز" سميك.. اما انا فكنت احملها احيانا بقفاز او بقطعة قماش بعد بلها.. أو أن اقوم بقذف قنبلة الغاز فى مكان مليىء بالمياة.. وبعدها امسكها واحتفظ بها.. وقبل ان يتركنا عم على سألناه: ولماذا كنت تهرول وراء القنابل وطلقات الرصاص؟!.. وهنا يضحك وهو يجيب على هذا السؤال قائلاً: انا نفسى لا اعلم لماذا قررت الاحتفاظ بقنابل الغاز وطلقات الخرطوش منذ احداث الثورة.. لكن اليوم علمت جيدا انى انضممت لمخربى الثورة بتلك القنابل التى اجمعها واضعها فى اكياس مكتوب عليها انها من موقعة محمد محمود او مجلس الوزراء او غيرها.. وحتى افضح ايضاً الذين ينفون عدم اطلاق قوات الشرطة النار على المتظاهرين.. وايضا اكشف المندسين الذين يطلقون النار على قوات الشرطة.. ولكى اؤكد ان ثورتنا سلمية..