تصريحات غريبة خرج بها علينا السيد مليس زيناوى رئيس وزراء اثيوبيا المنتخب هذه الأيام بعد أن هدأت الأمور تماما بين مصر والدول الأربع المخدوعة فى دول المنابع الاستوائية والتى قادها رئيس وزراء اثيوبيا وأثمرت عن اتفاق 14 مايو الماضى فى مدينة عنتيبى بأوغندا والموجهة ضد مصر والسودان بشكل أساسى وذلك نتيجة لاتباع مصر للجهود الدبلوماسية بعيدا عن دعاوى الصدامات وإعلانها أن العلاقات بينها وبين دول الحوض لن تخرج عن علاقات الصداقة والاحترام بعيدة عن الحروب. ولكن يبدواأن الصدمة التى تلقاها زيناوى نتيجة لرفض كل من الكونغو وبروندى الانضمام إلى الاتفاقية المتمردة بعد أن منّ نفسه بقرب توقيعهما خلال شهر يوليه الماضى جعلته يشعر بانتصار الدبلوماسية المصرية العريقة على دعاوى الصراع والتناحر والتى يقودها زيناوى بنفسه معتمدا على العديد من المغالطات فى أسلوب خطابه والتى منها أن مصر مازالت تعيش فى معاهدات القرن التاسع عشر على الرغم أن المعاهدتين محل النقاش قد تمتما فى عامى 1929 ثم 1959 وبالتالى فهما فى القرن العشرين وليس التاسع عشر. ومن المغالطات الأخرى التى يتبنها زيناوى بنفسه هو الادعاء بأن اتفاقيات المياه الموقعة بين مصر ودول المنابع الشرقية والاستوائية قد تمت فى عهد الاحتلال الأجنبى وبالتالى فهى غير ملزمة إلى دول لم تعد محتلة ولكنه يتناسى أيضا أن اتفاقيات الحدود بين اثيوبيا وجيرانها قد تمت أيضا فى زمن هذا الاحتلال وأن مثلث أوجادين الصومالى قد انضم إلى اثيوبيا على الرغم من أن جميع سكانه من الصوماليين الناطقين بالغة العربية أو السواحلية الصومالية وبالتالى فكان من الواجب عليه العودة إلى حدود ما قبل الاستعمار الأجنبى بأن يرد هذا الاقليم إلى الصومال والتى من حقها أيضا عدم الاعتراف باتفاقيات وقعها المستعمر بالنيابة عنها. قبل هذا كله فإن العالمين بأصول الموارد المائية فى دول حوض النيل يعلمون تماما أن زيناوى قد خدع دول منابع البحيرات الاستوائية الأربع التى انضمت إلى المعاهدة التى اقترحها لاعادة توزيع المياه بينها وبين مصر لانه أراد أن يبحث عن ستار يمكن أن يتوارى خلفه لفرض خططه المستفزة ضد مصر بالتخطيط لانشاء عشرة سدود على روافد النهر باثيوبيا على حساب كميات المياه الواردة إلى مصر وكان لابد لهذا المخطط من البحث عن دول أخرى يتوارى خلفها ويصدر إليها هذه الروح العدائية ضد الدولة الأكبر والأكثر حضارة وتقدما فى دول المنابع.. فالحقيقة ان كميات المياه الواردة من جميع دول المنابع الاستوائية الست إلى مصر والسودان لا تتجاوز 13 مليار متر مكعب سنويا من اجمالى 84 مليار متر مكعب هى متوسط الكميات التى تصل سنويا إلى مدينة أسوانجنوب مصر خلال المائة عام الماضية كحصة مشتركة لمصر والسودان، كما ان أغلب هذه الكمية تصل عبر نهر السمليكى الذى ينبع من جمهورية الكونغو الديمقراطية الصديقة لمصر والتى رفضت اتباع أساليب زيناوى العدائية فى معالجة حصص مياه النهر والتى تنساب عبر آلاف السنين دون مشكلة واحدة لأن أغلب المياه التى تنبع من بحيرة فيكتوريا تختفى تماما داخل الأراضى الأوغندية والتنزانية ولا يصل منها إلى بحيرة ألبرت منبع النيل الأبيض إلا نهير صغير يسمى نيل فيكتوريا لا يغنى ولا يسمن من جوع لذلك كانت الاتفاقيات القديمة بين مصر وبلجيكا إبان احتلالها للكونغو بعدم إقامة أى سدود على نهر السمليكى تقديرا من مصر بأن هذا النهر هو المنبع الحقيقى للنيل الأبيض وان باقى البحيرات العذبة والأنهار الداخلية لأوغندا وتنزانيا وكينيا لا يكاد يصل منها شىء يستحق الصراع مع هذه الدول.. لذلك كان من الواضح تماما أن زيناوى لم يكن صادقا تماما مع أوغندا وتنزانيا وكينيا وأوقعهم فى خداع حين استخدمهم لاعادة توزيع مياه المنابع الاستوائية بتخصيص ثلاثة مليارات متر مكعب من مياه النهر زيادة فى حصة كل منها حتى يرى رد فعل مصر تجاه ذلك بينما لم يطلب فى اتفاقية عنتيبى زيادة حصة اثيوبيا من مياه النهر اسوة بدول المنابع الاستوائية لأنه كان يظن انه الأذكى وانه السياسى الأقدم الذى لا يبدأ حرب المياه ضد مصر ولكنه يمكن أن يستخدم الآخرين أولا ليرى قوة رد الفعل الذى يتحرك على أساسه بعد ذلك..السيد زيناوى لايريد أن يرى مشاكله الداخلية العديدة سواء فى الولاياتالجنوبية أو الشمالية المتمردة على حكمه الذى زادهم فقرا والذى اتسم بعدوانية حتى ضد جيرانه مثل كينيا والذى نتعجب كثيرا من انضمامها إلى هذه الاتفاقية المعيبة على الرغم من تقديمها لشكاوى ونداءات دولية ضد زيناوى بسبب اقامته لثلاثة سدود على نهر أومو منعت المياه تماما عن بحيرة توركانا داخل الأراضى الكينية والتى يعيش حولها وفى حوض هذا النهر نحو نصف مليون شخص كما أنها تصنف عالميا كواحدة من أجمل عشر بحيرات سياحية فى العالم والتى حكم عليها السيد زيناوى بالموت وهلاك حيوان وحيد القرن والتماسيح التى تأويها هذه البحيرة. ليس هذا فحسب بل إن السيد زيناوى قد خصص لإسرائيل نحو 400 ألف فدان داخل الأراضى الاثيوبية للاستثمار الزراعى وهى الدولة المكروهة من الشعب الاثيوبى بسبب مساندتها العسكرية لاريتريا للانفصال عن اثيوبيا وتسليح الجيش الاريترى بأسلحة إسرائيلية وحرمان اثيوبيا من أى منفذ على البحر الأحمر وتحويلها إلى دولة مغلقة بدون سواحل لأنه مازال يظن ان فرق ومعونات مكافحة الفقر فى اثيوبيا من منظمات الأممالمتحدة تتم بتوجيهات امريكية مشترطة عليه حتمية تحسين علاقاته مع إسرائيل لضمان استمرار هذه المعونات. سيد زيناوى: ينبغى أن تبحث عمن له المصلحة فى إضعاف اثيوبيا وتمويل المتمردين فى بلدكم حتى لا تفكروا يوما ما فى استعادة ما فقدتموه من أرض ..فمصر ليس لديها مشاكل حدودية معكم ولا يوجد بيننا حدود مشتركة كما ان دبلوماسييها وخبراءها يقرأون تماما ما تفكر فيه حاليا ومستقبلا وأن نهر النيل سيظل يتدفق من الجنوب إلى الشمال وان الدول الاستوائية الأربع التى خدعت بالتوقيع معكم على المعاهدة ستعود إلى أحضان مصر لنقودها إلى التقدم الحضارى والتكنولوجى بدون أن تتوارى خلفها أو تستغلها.