لحظة استقبال الإبداع.. لحظة التوحد معه لحظة آسرة.. كثيراً ما أضبط نفسي متلبسة بالابتسام وأنا منفعلة مع الإبداع أو الفن..لكنه جد ابتسام مختلف لأنه ابتسام روح.. شيء ما في الروح ينبسط..يفتح أبوابه لاستقبال الحياة.. نحن ميتون فعلاً بدون فن..بدون إحساس..بدون فرح... فكم تمنيت أن أمتلك ذاكرة قلب لاتنسي لحظة الانفعال بل تخزنها في شرايينها حتي حياة أخري...هكذا بدأت الحديث د.حنان فاروق الشاعرة والكاتبة وعضو جمعية الكتاب والأدباء المعاصرين بالأسكندرية قائلة ..لهذا ولهذا بالتحديد أريد أن أستقطب كل لحظات فرحي وأجمعها داخلي علها تجعلني أخري.. أجمل وأسمي وأحلي ..والغريب بحق أني اكتشفت أن معظم تلك الذكريات و الإيماءات والوخزات الصغيرة جداً ترسخ أكثر في الأعماق كلما كنا حديثي السن ندق أبواب الحياة لنفهم ونعرف ونقترب من كل شيء وأي شيء..وأتذكر قول أمي "لو أستطيع أن أسكنك وأخاك بيتاً من زجاج لا يمسكما فيه ألم أو حزن أو جرح..لكن هيهات.. أعرف أني لن أستطيع وأنكما لتعيشا وتكملا رحلتكما ..لا بد من الألم"..فألم الذكريات الصغيرة وأفراحها لايشبههما ألم ذلك أن الأشياء الكبيرة دائماً يكون لها مردود متشابه عند كثيرين لكن الأشياء التي لاتري بالعين المجردة للآخرين هي وحدها التي تثبت أن لكل إنسان بصمة تختلف عن غيره..لكنها ليست بصمة إصبع..بل بصمة روح. تضيف.. إننا ربما نكون اقتباسات مختلفة من كل من قابلناهم وردود فعل لخلفيات ثقافية وبيئية وتربوية لكننا أبداً سنظل ذلك التكوين الذي أتي للحياة بأزراره الخاصة المختلفة التي فقط تضغطها مواقف بعينها لتثير مكامن ضعفها وقوتها وجنونها تؤكد أن هناك مخزوناً غير مرئي يسكننا..يتراكم داخلنا ويطل علي عوالمنا الأخري من نوافذ الروح والقلم والحوار والحياة علي حين غرة دون أن نرتب لإطلالته..لكن لحظة التماس والامتزاج بإبداع أحببته لا تضاهيها لحظة..وهناك إصرار علي استدعائها كلما اشتاقت الروح للحياة فحياتنا بالتأكيد مختلفة..نحن ومن هم علي شاكلتنا من محبي الجمال.. من الذين يعيشون عليه ويستمدون منه خفقة قلب تعيدهم للحياة. تضيف أعشق الحكي فأنا امرأة والمرأة حكاءة بطبيعتها, وكما قال الذين سبقونا" القلم يحكينا وحروفنا تكتبنا وتعيد صياغتنا"..وفي رحلة الحياة نري ما لا حصر له لكن للكاتب عينا ثالثة تختبيء هناك في أعماق الروح يري بها ما لا يراه الآخرون ويصور من خلالها ما خفي عن عيونهم ويعيد بثه لهم فيشركهم فيها ويجعلهم جزءا منه.. فعالم السرد دنيا بأسرها.. تقتنص الكاتب والقاريء وتجعلهما يذوبان معاً في بوتقة حياة مختلفة وعالم خاص بل شديد الخصوصية . تخرجت حنان في كلية الطب جامعة الأسكندرية عام 1991 وعملت بمستشفي جمال عبد الناصر للتأمين الصحي وحصلت علي ماجستير الأمراض الباطنة عام 1999 ثم سافرت مع زوجها للمملكة العربية السعودية وتعمل هناك حتي الآن. تقول.. العلاقة بين الطب والإبداع دائما كانت مثار تساؤلات كثيرة لكني أراها علاقة تشبه تلك التي بين الهندسة والإبداع والمحاماة والإبداع..فقط الأطباء دائماً ما يكونون تحت بؤرة ضوء كونهم يتعاملون أكثر مع الجسد والدماء ظاهرياً لكنهم في الحقيقة يتعاملون مع الروح أكثر.. مع الإنسان بكل مافيه من ضعف وقوة.. وألم وأمل.. الطب يجعل فرصتك في الاحتكاك بالنفس الإنسانية حال ضعفها كبيرا.. وهذا إلي حد ما يكسب صاحبه خبرات ونظرة تأملية تصقل القلم والعقل والقلب..الموت والحياة أيضاً هما مداد الكاتب وعمل الطبيب.. وهذا هو الرباط المقدس بين الطب والقلم خصوصاً والإبداع عموماً .فلا أعتقد أبداً أنني كنت سأسلك طريقاً غير الطب..ذلك أنه أصبح جزءاً من شخصيتي..من تكويني ربما....لكني بالفعل كنت أتمني أن أدرس اللغة العربية إلي جانب الطب لكن الطب لم يعطني فرصة..ربما لي جهود خاصة في هذا لكن تبقي الدراسة علي أسس علمية من الأهمية بمكان..والحقيقة أنني بدأت رحلة الكتابة منذ أن كنت في الجامعة وقبلها وحصلت علي جائزة المجلس الأعلي للثقافة عام 1991عن الشعر..وجوائز الشعر في الجامعة لكن الإنترنت ساعدني علي التواصل مع الإبداع والمبدعين.. أثناء ذلك دخلت مرحلة الفيسبوك وأظن أني أحسنت اختيار قائمتي فكان العالم الأجمل الذي عشته وتمسكت به .. وهناك قرأ لي مبدعون أحترمهم وأقدر إبداعاتهم ورأيهم وتبادلنا الخبرات والإبداعات.. وكنت من ضمن من حظوا بقراءة متأنية وعميقة لنصوصهم من قبل الأستاذ إبراهيم عبد المجيد الروائي الكبير الذي شجعني وساعدني علي نشر مجموعتي الثانية "ثقوب تتسع قليلاً".. وهي آخر الأعمال المنشورة لي.. وأقربها إلي نفسي ففيها بعضي إن لم يكن كلي ظاهراً ومختبئاً مابين سطورها. ومؤخرا لدي مجموعة قصصية ورواية لم أقم بنشرهما بعد. تضيف.. أن هذه الرحلة الأدبية كللتها بعض الجوائز منها جائزة مسابقة الشاعر علي الصافي عام 2001 وجائزة "ممر المضيق" من مؤسسة كستخادة بإسبانيا عن القصة العربية عام 2008وجائزة الإبداع بمسابقة دار ناجي نعمان الأدبية السنوية ببيروت عام 2008والجائزة التشجيعية عن شعر الأطفال بمسابقة النادي الأدبي للمدينة المنورة بالاشتراك مع مركز دراسات وبحوث المدينة عام .2008 وأخيرا تقول.. أنا زوجة لرجل يعرف أن الكتابة بعضي إن لم تكن كلي لذا لم يقف أمامي أبداً...بل ساعدني كثيراً وأم لولدين توءم عمرهما 10 سنوات والحقيقة أن الأمومة غيرتني كثيرا ليس ككاتبة فحسب بل في شخصيتي عموماً فأن تكوني مسئولة عن روحين أنت كل شيء بالنسبة لهما تجربة غنية وثرية تقلبك بين كل المشاعر والانفعالات معاً وتغير حتي طبيعة الحياة الزوجية ..كل هذا الذي يؤثر في الإنسان العادي يرتفع تأثيره عند المبدع ويدخله في ضغوط الكتابة الجميلة والمتعبة أيضاً.