يظل الوقوع في الحب الحقيقي حلما يراودنا صغارا.. وأملا نحققه في مرحلة الشباب.. ثم يأتي مجنونا.. عاصفا.. في آخر العمر.. علي أنه الفرصة الأخيرة لأن نشعر أننا مازلنا أحياء.. قلوبنا تنتفض لمشاعر تخيلنا أنها ودعتنا مع وصولنا لربيع العمر.. ثم تأتي المفاجأة المذهلة لتعيد المياه الحارة إلي قلوب كانت تستعد للرحيل!! »ياه .. نفسي أحب«!! عبارة بسيطة صادفتني طوال مشوار عمري.. تقولها ألسنة مختلفة في مراحل أكثر اختلافا ولكن عندما تخرج من أعمق مكان في القلب والروح.. يتساوي في لوعتها الجميع.. كأن الحب هو الحل السحري لجميع مشاكل الحياة.. كأنه عندما يصادفنا في أكثر الأوقات التي لانتوقعه فيها.. يختفي الألم من قلوبنا.. وتأتي الابتسامة الجميلة الكبيرة.. لتحل ضيفا دائما علي وجوهنا الصبوحة .. الندية.. فيتغير شكل العالم والحياة.. كأن موسيقي سحرية تصاحبنا فلا يصل إلينا أي رذاذ من القبح الذي يتربع مستريحا في كل أرجاء المعمورة.. ويصبح لقاء.. من يطرق بخجل علي جدار عواطفنا ويوقظ مشاعرنا التي جفت.. في هذا الزمن الصعب.. في كل شيء هو طوق النجاة الوحيد المتاح أمامنا.. لنسعد ولو لأيام قصار. فلم تسعدنا التكنولوجيا الحديثة ولا التقدم العلمي وأنا أتصور وأعتقد أن مثلي الكثيرون.. إننا كنا نفضل أن لو تأخر جهد الإنسان في هذا المضمار الجاف وركزوا أكثر علي العلاقات الإنسانية ونشر الحب والتسامح وقبول الآخرين المختلفين عنا. دينا وعقيدة وفكرا وعادات وتقاليد. ربما لربحت الإنسانية علي الأقل (راحة البال) ولأنقذتنا من حروب واعتداءات وتمييز عنصري وقهر القوي للضعيف من أول الإمبراطوريات الكبيرة حتي (قهر المرأة) في سلسلة من التداعيات تجعل العالم (مكانا لايشجع الحياة فيه) مكانا غريبا.. يخاصمنا .. يعادينا ويختفي الأمان منه فنقع صرعي الإحساس.. إن ما تبقي لنا .. هو أن نقع في علاقة عاطفية حقيقية يعني الإحساس بالأمان المفتقد.. والسعادة والشعور بالتحقق بأن في تلك الحياة هناك من يستحق أن تضحي بكل شيء من أجله.. أو تستعيض به علي كل ما فاتنا من أحلام مسروقة في هذا الزمن الصعب! ❊ ❊ ❊ يقولون إن حياة المرأة تدور حول شيء واحد ولايمكن لأي شيء آخر أن يعوضها عنه.. هو الحصول علي رجل (يحبها) وبيت وأولاد يكملون دائرتها الأنثوية الخاصة التي بدونها تشعر بأنها نصف دائرة غير مكتملة.. وإن حاجتها إلي الحب تفوق حاجة الرجل بكثير ولكنني أعارض هذا الرأي فالرجل أضعف في الحب وبخطوات كبيرة عنها.. تغير عليه الأنوثة الواثقة في كل مراحل حياته ويكون رد الفعل واحدا .. سواء كانت مشاعر صادقة واجتياحا بالأسلحة المدمرة العاطفية.. أو انجذابا حسيا حادا يفوق حتي الحب الجارف.. في جنونه الذي ينسيه أهله وعشيرته.. فعندما تستيقظ الرغبة لديه.. وتتحكم فيه ذكورته التي غذتها أجواء اجتماعية تبرر له كل شيء فما الذي يكبح اندفاع هرموناته إلي أي اتجاه.. مقبولا كان أو مرفوضا مسموحا هو أو محرما!! حتي في أكثر المجتمعات تفتحا وليبرالية تظل المرأة تبحث عن الحب.. ويظل الرجل يبحث أولا عن المغامرة بالإثارة.. ويظل يهزأ بالحب.. والوفاء لامرأة واحدة يراه ظلما لرجولته فقد خلق للتعدد .. واقتناص اللذة هذا هو حقه الذي منحه له.. انتماؤه الجيني الذكري المهيمن.. يظل يتنقل كالفهد الأفريقي متربصا .. مترصدا الإناث ويعلن انتصاراته علي الملأ.. فخورا مختالا يثير الغل والغيرة من الأقل حظا وحظوة لدي النساء.. ولكن يظل الإحساس مختبئا في أعماق أعماق نفسه الإنسانية بأن شيئا ما يفتقده.. شيء حالم .. رومانسي وهو العثور علي توأم الروح والقلب والوجدان. نعم .. صدق من سماه توأم الروح.. الوليف.. الذي يوقظ مشاعر وأحاسيس لا يحركها غيره.. هو من دون الناس يثير فينا كل تلك الأشياء رائعة الجمال.. ونتساءل لماذا هو أو هي من دون خلق الله جميعا.. هي الحاملة لمفتاح القلب وأسراره.. هي التي تدفعنا إلي الابتسامة دائما كلما هلت علينا ذكراها وحضورها الطاغي سواء كانت ملء العين والقرب.. أو غائبة بالحضور الجسدي فقط وإن ظلت رائحتها وملمسها تملأ الكيان بالبهجة المطلقة. هو الحب إذن الذي لايستغني عنه أي إنسان وإن أقسم بأن الأمر ليس بالأهمية التي يصورها المحبون بأنها بداية الحياة ونهايتها في نفس الوقت.. وقد يدعي البعض بذلك عن جهل أو عن ألم بعدم التعرض لهجماته العاطفية وفيروساته الوجدانية التي تشتاق لها نفسه ولكنه القدر والقسمة والنصيب. ❊ ❊ ❊ فالحب.. هبة من هبات الله سبحانه تخصم من هبات الله لك .. فقد يمنحك أشياء كثيرة لاتعوض في نظر الكثيرين الحب وقد يثير سخرية من يملكون كل شيء ويحرمهم الله من تلك العلاقة الإنسانية الفريدة!! فيدعون عدم الاحتياج لها وإن الناس تحسدهم علي ثرواتهم ومناصبهم ولكن.. عندما تقفل أبواب قصورهم تطل الحسرة من عيونهم علي ذلك الحرمان!! فهم يعرفون قبل غيرهم .. أن ما يملكونه يستطيعون به شراء أي شيء وكل شيء حتي النساء وسواء كانت زوجات أو عشيقات يحققن له .. الارتواء الاجتماعي والجسدي ولكن لا يمنحن له أجمل شعور في العالم هو الحب الحقيقي الذي يزلزل الكيان ويهد أسوار الملل من حياتنا إلي غير رجعة. ويصطحبنا في عالم غير العالم .. حتي وإن دام أياما أو شهورا .. أو حتي بضع سنين.. فإن ما يحققه لنا من متعة والشعور بأنك مختار من الله.. لتلك الهبة الخاصة جدا يجعلك تشعر بأنك محبوب من العالم كله. ولك في جولة بسيطة في قاعات السينما المظلمة خير مثال وانت تسمع شهقات الانفعال مع قصص الحب السينمائية والدموع تنزل خجلة متحرجة من آثار التوحد مع الأبطال المحبين.. نوع من الإسقاط يحدث لنا جميعا .. داعين إلي الله أن نصبح نحن أيضا أبطالا في قصص حب مماثلة.. تأتينا في أي وقت، فقط ألا تنتهي بنا الحياة قبل أن نمر بتلك المشاعر التي لايعرف سطوتها وسخونتها المروعة في متعتها الشعورية إلا من سقط في بحار عسلها وارتوي حتي الثمالة. ربما أجمل ما قيل عن تلك العلاقة العاطفية أنها مثل الأمومة والأبوة لايمكن الإحساس بها عن طريق الحكي أو المشاهدة أو حتي القراءة الأدبية التي تبدع في وصف قصص الحب التي (تشيب) إنما لابد أن تحلم بها.. وأن تكبر في رحم أرواحنا ثم نحملها جنينا يكبر مع الأيام ليولد طفلنا الذي يحمل أوصافنا وشخصيتنا وجينات مشاعرنا وإخلاصنا. يمكن أن نمر بكل هذا دون أن نتذوقه ويمر علي خلايانا العصبية فيستقر فيأمر بالفرح فنسعد! لا أعتقد؟ فموتوا بغيظكم من استعضتم عن الحب .. بالمغامرة العابرة.. فأنتم لاتعرفون.. ما الذي حرمتم أنفسكم منه أو عاقبتكم به الحياة فكان هذا العقاب القاسي فعش حياتك ناقصة.. ضحكة ولهفة واحتواء.. وتمزق وحيرة وخوف إنها الحياة بكل ألوانها.. أطيافها.. بدونها.. نزف إلي القبر.. عذاري الروح والاكتمال والتحقق!! ❊ ❊ ❊ أما حب المرأة.. فهو شكل تاني هي المولودة والمخلوقة.. لتلك العلاقة هي الباحثة عن العشق من أجل اكتمال دورة الحياة هي الأصل والخصوبة تبحث عنه لأنها خلقت من أجله.. لا تفرط في نفسها في علاقات عابرة.. المغامرة عندها استثناء.. في لحظة ضعف أنثوي وحرمان جسدي. وتقع ضحية صياد متمرس.. يأتي لها متخفيا وراء قناع الحب.. فتهوي! ولكنها تستيقظ سريعا.. فلها »رادار«.. يرشدها إلي مقصدها الأساسي.. فيلغي من حياتها سريعا من استخدم الحب مطية للوصول إلي جسدها الذي لم يخلق إلا لتلك اللحظة الشريفة لحظة الالتقاء.. بمن اختاره قلبها حبيبا وعشيقا وزوجا إذا سمح الزمان! ربما كان هذا هو الاختلاف الأساسي بين المرأة والرجل ومنظومة الحب التي تجمعهم. هي تسعي عن طريق الحب إلي البيت والأولاد والاستقرار وتكملة دورة الحياة. هو يري في الحب غاية في حد ذاتها.. ولا يربطه دائما حتي بينه وبين نفسه. بدورة الحياة إياها. لا ليس عن جرم أو سوء نية وإنما عنده الحب هدف ولحظة ومتعة حالية وجنون مؤقت.. يبتلعه تماما في نشوته.. بحيث لا يفكر إلا فيه. حتي تأتي الأنثي لتنبهه.. فغريزة الأمومة تتحكم فيها والبيت يناديها.. والحب تاج علي رأسها يوجهها بأنه حان الوقت.. لتهدي الحياة.. مستقبلا مغزولا من عاطفة خالصة أنبتها هذا الرجل بالذات في مراعي قلبها!! وهي لا تفقد عقلها بسهولة.. كيف يحدث هذا وهو عوضها الوحيد عن قوة وعضلات وتميز اجتماعي للرجل وكان الله كريما وحكيما.. عندما أعطاها نعمة العقل وحكمته وقوة القلب وأوامره.. أما الأمومة فهي البوصلة التي توجه حياتها.. فهذا دورها كأنثي.. يأتيها عن حب تتقبله.. وإن عز عليها.. يأتيها الزواج وتستعيض بأمومتها عن أي مشاعر أخري حرمت منها. أما الرجل.. فلا شيء يعوضه عن وجود المرأة في حياته.. حبا حقيقيا أو شهوة لا شيء يعوض اختفاءها من قلبه أو جسده.. وإن ادعي غير ذلك. فإنها المخلوق الضعيف رغم قوتك الظاهرة.. ستظل تحن إليها.. وتعبث بك هي في كل الأوقات.. أما من رحمه ربه فسوف يقابله الحب ويمتلكه وبهذا فقد امتلك العالم ولو كان من فقراء المسلمين »معلومة« يعرفها الجميع وينكرها كل متكبر فلقاء الحب في زمننا الصعب هذا.. معجزة ننتظرها.. جميعا!!