هو كاتب موسوعي نصب نفسه حارسا للثقافة العربية في زمن المحنة. فإذا به يسرد الحقائق السياسية في قالب ثقافي ويكشف المستور علي خلفية القرارات والتعليمات المتعلقة برموز الفكر والأدب المختلفين مع الحكام بجرأة لم أعهدها في مقالات معاصريه. خاصة مجموعة مقالاته التي تضمنها كتاب دبي الثقافي الصادر في أعقاب رحيله تحت عنوان "مقالات رجاء النقاش". فكم استمتعت بتلك المقالات وكدت من فرط صدقها وصراحتها ان اقرأ ما بين سطورها وألمس عن قرب معاناة كتابها في البحث والتنقيب ومراجعة التواريخ والأرقام والوقوف علي الحقيقة. لا يحكمها فيما يكتب سوي ضميره! ودعونا نتعرف علي هويته الفكرية. فقد كان النقاش عروبيا لا يشق له غبار. وبدا ذلك واضحا من مجموعة مقالاته التي تناول فيها أدب المعركة أثناء العدوان الثلاثي علي مصر عام 1956 ورغم نعومة أسلوبه وميله إلي التوسع في المقالات السياسية فقد كان حريصا علي تناول ما لا يراه منسجما مع قناعاته وفكره. خاصة عبر مؤلفاته المعدودة ومنها كتابه تحت عنوان "بين المعداوي وفدوي طوقان" الذي أراد من خلاله رد اعتبار أستاذه الناقد الأدبي أنور المعداوي وكتابه الآخر بعنوان "عباس العقاد بين اليمين واليسار" ورغم خلافه الأيديولوجي مع العقاد فقد أعطي الرجل حقه. وثالث تلك النوعية من مؤلفاته كتاب بعنوان "الانعزاليون في مصر" ويرد فيه علي توفيق الحكيم ولويس عوض واخرين من الذين تنكروا للعروبة. ورأيي الشخصي ان أهم انجازات رجاء النقاش عبر مسيرته العلمية ذائعة الصيت في الصحافة والثقافة تتمثل في دوره الرائد في إلقاء الضوء علي شعراء المقاومة الفلسطينية فقد كان مؤمنا وحتي الرمق الأخير بخيار المقاومة لإنقاذ شرف الأمة العربية. فإذا به أول من قدم ديوان محمود درويش "آخر الليل" علي صفحات مجلة المصور عام 1969 قبل أن يقدم ديوان توفيق زياد الشهير "ادفنوا موتاكم وانهضوا" ثم دفاعه المستميت عن الشاعر سميح القاسم في أعقاب الحملة الشعواء التي استهدفته في أعقاب خلافه مع رفيق النضال محمود درويش حيث كتب النقاش مقاله القنبلة بمجلة الطليعة المصرية عام 1974 تحت عنوان "ارفعوا ايديكم عن سميح القاسم" وذلك في اطار الدفاع عن القضية الفلسطينية. قضية العرب الأولي أمس واليوم وغدا. ** آخر الكلام: الناقد الأدبي رفيع المقام محمد رجاء عبدالمؤمن النقاش "1934- 2008" من اعلام محافظة الدقهلية تخرج في آداب القاهرة قسم اللغة العربية عام 1956 وعمل بمؤسسات روزاليوسف وأخبار اليوم ودار الهلال قبل أن ينضم إلي كتيبة كتاب الأهرام في سنواته الأخيرة. جدير بالذكر ان النقاش تولي رئاسة تحرير اصدارين في دار الهلال "الكواكب - الهلال" كما تولي رئاسة تحرير ومجلس ادارة مجلة الإذاعة والتليفزيون وارتبط اسمه بوضع حجر الأساس لنهضة الصحافة الثقافية في العديد من الاصدارات الثقافية. لعل أبرزها مجلة الآداب البيروتية في الخمسينيات قبل أن يتولي رئاسة تحرير مجلة الدوحة القطرية لسنوات طوال قبل إغلاقها عام 1986. كان رجاء النقاش شاهد عيان علي عدة أجيال خلال نصف قرن وكان أول من ألقي الضوء علي رائعة الأديب السوداني الطيب صالح "موسم الهجرة إلي الشمال" علي صفحات المصور.. رحمك الله يا أستاذ رجاء.