* في محاولة للإجابة عن سؤال: ماذا دار في كواليس الحكم في مصر بعد اندلاع أحداث يناير 2011 تصدي زميلنا الكاتب الصحفي عبدالقادر شهيب لتلك المهمة الشاقة والتي أحسبها كاشفة لكثير من مفارقات هذه الفترة العصيبة من تاريخنا الحديث» عبر سلسلة كتب حملت عناوين مختلفة بدأها بكتاب "الساعات الأخيرة في حكم مبارك" الذي انفرد فيه بأسرار تنحيه عن الحكم ثم أتبعه بسبعة كتب آخرها كتاب "335 يوماً من حكم المستشار" الذي نحاول التعريف به في تلك السطور. * تولي المستشار الرئيس عدلي منصور- كما يحلو للمؤلف أن يسميه- رئاسة مصر بعد الإطاحة بالحكم الفاشي المستبد لجماعة الإخوان بإرادة شعبية تجسدت في خروج الملايين في 30 يونيو 2013 رافضة استمرار مرسي فوق سدة الحكم. ورغم قِصَر مدة حكم المستشار التي لم تكمل العام. فإنها كانت بالغة الصعوبة في حياة مصر والمصريين» ذلك أنها حفلت بتحديات خطيرة بلغت حداً غير مسبوق من العنف السياسي والإرهاب الوحشي الذي مارسه أتباع الإخوان وأنصارهم في الشارع » بهدف تمكين الإخوان من استعادة زمام الحكم الذي تفلت من بين أيديهم في غمرة النشوة والغرور» وسعياً لإحكام السيطرة علي قطعة غالية من أرضنا في سيناء ..ولما تأكدت استحالة تلك العودة سعي الأمريكان وبعض الأوروبيين لفرض عزلة دولية علي مصر. جعلت اقتصادها يعاني ظروفاً قاسية. جعلتنا نحتاج لدعم الأشقاء لتوفير احتياجاتنا الأساسية من الغذاء والوقود إزاء تهاوي الاحتياطي الأجنبي وتوقف الإنتاج و الفوضي التي اجتاحت بلادنا في تلك الفترة. ورغم قسوة تلك الأيام علي مصر التي خاضت معارك ضارية علي جبهات شتي..فقد صمد المصريون وصدقت وطنيتهم واجتمعت إرادتهم علي إصدار دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية جاءت بالمشير عبدالفتاح السيسي رئيساً منتخباً بإرادة شعبية لم يفت في عضدها ما لاقته من أهوال العنف والإرهاب الذي حصد زهرة شبابها في الجيش والشرطة والمدنيين أيضا.. ولم يضعف عزمها ما اجتمع ضدها من تحالفات ومؤامرات أريد بها تثبيط الهمم وشق الصف وتكريس الانقسام لإعادة الإخوان قسراً لمجري السياسة الذي لفظهم. سنوات ما بعد يناير 2011 رغم قصرها في عمر التاريخ لكنها كانت حافلة بوقائع ومفارقات وقرارات وأسرار وحقائق لم يسبق لمصر معايشتها من قبل. وهو ما حاول المؤلف الكشف عنه بلغة سهلة وأسلوب رشيق. يقول شهيب في كتابه الصادر أخيراً عن دار الهلال: المستشار عدلي منصور هو الرئيس الوحيد لمصر الذي تسني له أن يسلم السلطة للرئيس الجديد المنتخب الذي يخلفه وهو الرئيس السيسي فإن أول رئيس لمصر هو محمد نجيب الذي أطيح به بقرار من مجلس قيادة ثورة يوليو. وجري تحديد إقامته لاتهامه في مؤامرة ضد الثورة..أما الرئيس الثاني عبدالناصر فقد مات فجأة ومصر تعيش ظروفاً دقيقة وكانت تتأهب لإزالة آثار نكسة يونيو» وهو ما سبب صدمة واسعة لمعظم المصريين..والرئيس الثالث السادات اغتيل فجأة بتخطيط من تنظيم الجهاد الموحد الإرهابي الذي تشكل في أواخر السبعينيات بعد أن سمح السادات للجماعات الإسلامية بالعمل والنشاط في مواجهة الناصريين واليساريين ..أما الرئيس الرابع المؤقت "وهو صوفي أبوطالب فقد تولي المنصب أسابيع قليلة بحكم موقعه كرئيس لمجلس الشعب الذي خوَّله الدستور- وقتها- الحق في إدارة أمور الحكم حتي انتخاب رئيس جديد" ثم جاء الرئيس الخامس حسني مبارك الذي تنحَّي إثر انتفاضة شعبية بعد أن انحاز الجيش لإرادة الشعب. وهو بعيد عن القاهرة التي غادرها إلي شرم الشيخ وكل ما تمكن من القيام به هو تكليف المجلس الأعلي للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد بعد أن فوَّض قبلها بساعات قليلة نائبه عمر سليمان بسلطاته بينما الرئيس السادس محمد مرسي فقد تم عزله بقرار شعبي رغماً عنه في وقت كان يتشبث فيه- هو وجماعته ومعها جماعات دينية أخري- بمنصبه. معلناً أنها مستعدة لإراقة الدماء من أجله..وبعد عزله تم التحفظ عليه ثم محاكمته. وانخرطت جماعته وحلفاؤها في ممارسة عنف واسع. لذلك كان المستشار عدلي منصور هو الرئيس الوحيد لمصر الذي تسني له أن يودّع المصريين. وأن يصارحهم بمشاعره وهو يتلقي التكليف برئاسة الجمهورية. ثم وهو يمارس مسئولياته في ظل ظروف بالغة الصعوبة وتحديات هائلة. ومخاوف أمنية ضخمة. وإرهاب وحشي وضغوط كبيرة يتعرض لها الوطن في أصعب الأوقات التي مرت به علي مدي أحد عشر شهراً في القصر الرئاسي حاز خلالها المستشار عدلي منصور كما يقول المؤلف- تقديراً واحتراما واسعاً من قبل المصريين. ومضي شهيب يجيب في كتابه المهم عن أسئلة عديدة لم نجد لها إجابات صحيحة وقاطعة قبل ذلك..منها مثلاً: ما الذي دار في اجتماع الثالث من يوليو الذي اختير فيه عدلي منصور لإدارة شئون البلاد..ولماذا امتد زمن الاجتماع لست ساعات ..وكيف دارت المناقشات بين الحضور..وما وجهات النظر التي تداولوها فيما بينهم..ولمَ رفضوا مقترح الفريق السيسي بعمل استفتاء شعبي حول إجراء انتخابات رئاسية مبكرة..وكيف تلقي عدلي منصور نبأ تكليفه برئاسة الجمهورية بعد عزل مرسي..ومنْ أبلغه بتأمين الحرس الجمهوري منزله ليلة حلف اليمين الدستورية..وهل تردد في قبول تلك المهمة الصعبة أم قبلها علي الفور..ومنْ اختار مساعديه ومستشاريه..وعلي أي معايير اختارهم..ومن كانوا في طليعة زواره بعد قبول المهمة..وكيف كان يتخذ قراراته..وهل أملي أحد عليه شيئاً منها..وكيف استطاع التوفيق بين ضمير القاضي وعقل السياسي..ولمَ استجاب لطلب أبو الفتوح و مخيون الاطلاع علي إعلانه الدستوري الأول قبل إصداره حتي يوافقا عليه..ولماذا تراجع عن تكليف د.محمد البرادعي بتشكيل حكومته الأولي..وهل عرض منصور عليه منصب نائب الرئيس..ومن أشار عليه بقصر صلاحيات البرادعي علي الشئون الخارجية فقط..وما مطالب البرادعي بعد تعيينه نائباً للرئيس ولماذا دُهِشَ منها المستشار عدلي منصور..ولماذا وجّه الأخير الدعوة للإخوان فور أدائه لليمين الدستورية للاندماج في العملية السياسية ..ومن الذين شاركوا فيها..ومن هم الوسطاء في ذلك ومن أجهض تلك المفاوضات رغم قبول مفاوضي الإخوان مبدأ التفاوض نفسه وقبولهم في الوقت ذاته تعيين د.حازم الببلاوي رئيس الوزراء ولماذا حرَّض الأمريكان الإخوان علي التشبث بالسلطة وعدم فض اعتصام رابعة وعدم المشاركة في الحكومة أو العملية السياسية بالأساس ومَنْ رشح الببلاوي لتشكيل الحكومة بديلاً للدكتور زياد بهاء الدين الذي اعتذر عنها وماذا حدث بعد اعتراض نادي القضاة علي وزير العدل وكيف جري تشكيل حكومة الببلاوي ومن بعدها حكومة محلب هل تدخل الرئيس منصور في ذلك الأمر ولماذا أعفي الببلاوي بعد عدة أشهر من منصبه واختار محلب لتشكيل حكومة جديدة..وماذا فعل الرئيس إزاء اعتصام رابعة المسلح الذي طلب البرادعي فيما بعد توسط الأمريكان والأوروبيين والقطريين لدي الإخوان لفضه..ولماذا رفض الرئيس طلب البرادعي منحه مهلة جديدة لفض الاعتصام سلمياً..وكيف أصدرت الرئاسة بياناً تعلن فيه فشل الوساطات الدولية في حل أزمة الاعتصام بعد رفض المقترحات الأوروبية الأمريكية المشتركة وكيف اتخذ الرئيس عدلي منصور قرار فض اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة رغم اعتراض نائبه البرادعي ولماذا أعلن الرئيس فرض حالة الطواريء في ذات يوم فض الاعتصام ثم إصدار قانون التظاهر ولماذا شكّل لجنة تقصي حقائق في كل حوادث العنف برئاسة القاضي الدولي د.فؤاد رياض وماذا قال الرئيس للبرادعي بعد أن أخبره الأخير شفاهة باستقالته من منصبه ولماذا طلب منه تقديم استقالة مكتوبة..ومتي قدمها البرادعي وماذا قال الرئيس لوزير خارجية أمريكا جون كيري بعد عزل مرسي وماذا قال نبيل فهمي لأمريكا بعد إبلاغه بقرار تجميدها المساعدات العسكرية لمصر وكيف تعاملت مصر مع الأشقاء الأفارقة بعد قرار تجميد عضويتها في الاتحاد الإفريقي..وماذا فعلت الرئاسة والخارجية المصرية لاستعادة تلك العضوية وكيف كانت علاقة الرئيس منصور بالقوات المسلحة وبالأخص بالفريق السيسي ولماذا قام بترقيته لرتبة المشير ولماذا اتخذ قراراً بتحديد راتب رئيس الجمهورية وبدلاته قبل ترك منصبه وإجراء انتخابات الرئاسة بأيام قليلة..ولماذا آثر في آخر خطاباته أن يقدم توصيات علنية للرئيس المنتخب ..ولماذا رفض مبكراً اقتراح قيادة القوات المسلحة بترشحه في الانتخابات الرئاسية. ثم رفض من بعدها القبول برئاسة البرلمان مصراً علي العودة لمنصبه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا رافضاً أن يسكن في بيت تابع للرئاسة وما أكثر شيء صدمه خلال فترة حكمه ..وما الشيء الذي غالب فيه دموعه بصعوبة؟! كثيرة هي الأسئلة التي أجاب عنها المؤلف الذي استهل كتابه بفصل عنوانه "الطريق إلي يوليو" ضمنه نقاطاً مهمة كشفت مثلاً كيف وافق مرسي مساء علي دعوة السيسي للقاء المعارضة في فندق الماسة توحيداً للصف. ثم سرعان ما سحب موافقته صباحاً بإيعاز من محمود عزت نائب المرشد. * حركة "تمرد" كانت فكرة انبثقت في أذهان 3 شبان هم محمود بدر ومحمد عبدالعزيز وحسن شاهين. واقتبس الأخير اسم الحركة من مجلة سورية بالاسم ذاته. وتبلورت فكرتهم بعد إحساسهم بأن جبهة الإنقاذ خذلتهم ثم استلهموا فكرة جمع التوكيلات من ثورة 1919 أما صاحب فكرة مظاهرات 30 يونيو فهو الشاب مصطفي السويسي. * هيكل تواصل مع قادة "تمرد" في 20 يونيو. منبهاً إياهم لأهمية دعم الجيش لدعوتهم حتي يكتب لها النجاح. * في 22 يونيو اقترح السيسي علي مرسي إجراء استفتاء علي انتخابات رئاسية مبكرة لكن الأخير رفض. مهوناً من الأزمة. * مهلة الأيام السبعة التي أعلنها السيسي فاجأت الإخوان. فانقسموا حيالها. ثم ادعوا أنها غير موجهة إليهم وإنما للمعارضة. * البنتاجون طلب من السيسي وصبحي أن يكون الجيش قوة لتحقيق التهدئة والاستقرار وليس ضده. * بيان القوات المسلحة ساعد علي زيادة عدد الموقعين علي استمارة تمرد حتي تجاوز 22 مليوناً قبل نهاية يونيو 2013. * ظهر يوم 26 يونيو التقي السيسي بمرسي لمدة ساعتين طالباً منه أن يكون روح خطابه تصالحياً لكنه رفض مجدداً الاستفتاء علي إجراء انتخابات رئاسية. * فجر يوم 30 يونيو قال مرسي لوزير الداخلية محمد إبراهيم إن نجاح 30 يونيو من رابع المستحيلات وسوف أحاسبكم وفي اليوم ذاته عرض السيسي علي مرسي الصور التي التقطتها الطائرات الحربية للمظاهرات الحاشدة لكنه ادعي أن المظاهرات المؤيدة له أكبر..والكلام نفسه قاله لأمريكا. * قيادة القوات المسلحة لم تمنع إذاعة خطاب مرسي في 2 يوليو والخطاب لم يرض أمريكا لفشله في تهدئة غضب الناس. الكتاب لم يغفل الدور المهم الذي لعبته السعودية تحت قيادة الراحل الملك عبدالله في دعم مصر. كما أشار لحقيقة يتجاهلها كثيرون وهي أنه لا القوات المسلحة ولا الفريق أول السيسي تدخل في أي قرار اتخذه الرئيس عدلي منصور الذي ظل يمارس دوره كرئيس بقوة وجسارة كما أن الأدلة كثيرة علي أن السيسي لم يكن من بين أهدافه إقصاء الإخوان ولا مرسي ولا خوض انتخابات الرئاسة وإنما كان شاغله الشاغل إنقاذ البلاد من احتراب أهلي كان قاب قوسين أو أدني. كتاب شهيب يستحق القراءة ويستحق أن نفرد له مساحة أخري حتي يعرف المصريون حقيقة ما جري في 30 يونيو.