لا ينكر أحد دور الشباب في بناء الأوطان والأمم ونهضتها ورقيها. ولقد حثنا النبي- صلي الله عليه وسلم- علي اغتنام هذه المرحلة المهمة من العمر. بالعمل والعطاء والتزود من عمل الخير لأنفسنا وديننا ومجتمعنا وأوطاننا لتحقيق سعادتنا وما فيه خيرنا وخير بلادنا وخير الانسانية في الدنيا والآخرة. حيث يقول- صلي الله عليه وسلم- "اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك. وصحتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك. وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك". وقد أولي نبينا- صلي الله عليه وسلم- الشباب اهتماما كبيرا ومنحهم الثقة. وحملهم المسئولية للتأكيد علي ضرورة استثمار مرحلة الشباب الاستثمار الأمثل. وبذل الوسع في توظيف طاقاتهم وقدراتهم. وتهيئة الظروف أمامهم لتنمية مواهبهم وتعظيم الاستفادة مما أفاء الله تعالي عليهم به من قوة في البدن. ورجاحة في العقل. ولين في القلب. ولطف في المشاعر فيما يعود بالنفع العميم علي المجتمع كله. فهذا سيدنا معاذ بن جبل- رضي الله عنه- يمنحه النبي- صلي الله عليه وسلم- ثقته. ويوليه علي اليمن وهو في ريعان شبابه وهذا سيدنا زيد بن ثابت- رضي الله عنه- أصبح كاتب الوحي وهو شاب وتعلم السريانية واليهودية وكان مترجما للرسول- صلي الله عليه وسلم- وهذا سيدنا أسامة بن زيد- رضي الله عنهما- يوليه النبي- صلي الله عليه وسلم- قيادة الجيش وكان عمره ثمانية عشر عاما مع وجود كبار الصحابة- رضي الله عنهم- كأبي بكر وعمر وهذا سيدنا علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- الشاب الشجاع الذي استخلفه النبي- صلي الله عليه وسلم- عند الهجرة ليرد أمانات المشركين إلي أصحابها. ولينام بشجاعة تامة في فراش رسول الله- صلي الله عليه وسلم- وقد قال- صلي الله عليه وسلم- في حقه يوم خيبر: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله. يفتح الله علي يديه" وهذا سيدنا سعد بن أبي وقاص- رضي الله عنه- الشاب الذي جعله النبي- صلي الله عليه وسلم- من الستة أصحاب الشوري وكان النبي- صلي الله عليه وسلم- يشير إليه قائلا: "هذا خالي فليرني امرؤ خاله" وكان عمره سبعة عشر عاما. وكان الحسن البصري- رحمه الله- يقول: "قدموا إلينا شبابكم. فإنهم أفرغ قلوبا. وأحفظ لما سمعوا. فمن أراد الله أن يتمه له أتمه". إن الاهتمام بالشباب والحرص علي تأهيلهم للقيادة وتحمل المسئولية منهج نبوي أصيل سار عليه الخلفاء الراشدون- رضي الله عنهم- بعد وفاة رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فهذا سيدنا أبوبكر الصديق- رضي الله عنه- يكلف سيدنا زيد بن ثابت- رضي الله عنه- بجمع القرآن الكريم. قائلا له: "إنك رجل شاب عاقل. ولا نتهمك. كنت تكتب الوحي لرسول الله- صلي الله عليه وسلم- فتتبع القرآن فاجمعه" وهذا تكليف عظيم. ومهمة كبيرة قال عنها سيدنا زيد- رضي الله عنه- "فو الله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن" وكان سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يجلسه في مجلس شوري كبار الصحابة. ويقول: "ذاك فتي الكهول. إن له لسانا سئولا وقلبا عقولا". ولم يقف دور الشباب عند عصر النبوة والخلفاء الراشدين ففي العصر الأموي نبغ شباب كثيرون منهم محمد بن القاسم بن محمد الذي نشأ وترعرع وتدرب علي الجندية حتي أصبح من كبار القادة العسكريين في عصره. وعمره لم يتجاوز سبعة عشر عاما وفتح بلاد السند وفي الأندلس نبغ عبدالرحمن الداخل الذي أسس الدولة الأموية في الأندلس. وفي العصر الحديث نبغ الشاب مصطفي كامل باشا الذي عرف بدوره الكبير في مجالات النهضة مثل نشر التعليم وإنشاء الجامعة الوطنية ومن أقواله الشهيرة: لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا. ولسنا نبالغ إذا قلنا إن كثيرا من مظاهر التقدم والتطور العلمي الذي يعيشه العالم في العصر الحديث في شتي المجالات قائم علي أكتاف الشباب الذين أسهموا بجهود متميزة في خدمة الانسانية. ففي مجال الفضاء نجد أن أصغر رائد فضاء هو السوفيتي "غيرمان نوفيتش" لم يكن عمره يتجاوز الخامسة والعشرين عندما صعد إلي الفضاء في عام 1961 وكذلك السوفيتية "فالينتي تريشكوفا" التي كانت أول امرأة في التاريخ تطير إلي الفضاء منفردة دون طاقم يصحبها وكانت في السادسة والعشرين من عمرها وذلك في عام 1963. وعند الحديث عن أشهر وأوسع مواقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" نجد أن من أسسه هو الشاب الأمريكي "مارك زوكربيرغ" من مواليد 1984 وفي عام 2004 وهو في العشرين من عمره وكذا الحال مع "بيل جيتس" الأمريكي الذي وضع نواة أكبر مصنع للإلكترونيات في العالم- ميكروسوفت- وكان وقتها في العشرين من عمره. وفي أبريل من عام 1976 قام "ستيف جوبز" الأمريكي وهو في الثانية والعشرين من عمره بتأسيس وتسويق واحد من أوائل خطوط إنتاج الحاسب الشخصي في العالم "أبل" ثم أبهر العالم بعد ذلك مع زملائه بما أدخلوه عليه من تطور تكنولوجي كبير. وفي هذا كله ما يدعونا إلي الاهتمام بتأهيل وتدريب الشباب والافادة من طاقاتهم الإيجابية. وهو ما ننتهجه مسلكا واقعيا في وزارة الأوقاف المصرية. سواء بإنشاء أكاديمية عصرية لتأهيل وتدريب الأئمة وبخاصة الشباب منهم. أم من خلال الدفع بالشباب المتميز من الأئمة والإداريين في المواقع الإدارية والعلمية المتميزة بالوزارة.