علينا أن نرفع القبَّعة لتلك الإفرنجية. وأن ننحني احتراماً وتبجيلاً لها لأنها لم تُجبر علي ما فعلته. وقدمت نموذجاً مشرفاً. علينا أن نقدره ونثمنه. وأن نعطيها حقها. بعدما لاحظت أن ما فعلته لم يعلق عليه أحد ولم تتناوله أقلام الكُتَّاب. وكأنه حدث عادي مرّ مرور الكرام رغم أن ما حدث كان أمام العالم أجمع وفي أكبر تجمع دولاً. إنها وزيرة الخارجية النمساوية التي أصرت علي إلقاء كلمة بلادها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوع في نيويورك باللغة العربية. وكانت تتحدث بحب وافتخار. رغم عدم إجادتها لها. ولكنها اجتهدت وعبَّرت عما يجيش في صدرها أمام أكبر محفل في العالم. دون غضاضة أو حتي إنقاص سواء للغة بلادها الأم أو اللغة الإنجليزية التي هي الأكثر تداولاً في العالم. والتي الكثير ممن تعلمها يحاول الزج بمفرداتها أثناء نطقه العربية. مع أن لغتنا الجميلة هي اللغة الوحيدة في العالم التي اختارها سبحانه وتعالي لتكون لغة القرآن تقديساً وتكريماً لها. الغريب أن ما أقدمت عليه تلك السيدة النبيلة لم يلفت نظر إعلامي عربي غيور علي لغة الضاد كي يقوم علي الفور باستضافتها في برنامج كي يتحدث معها عن الدوافع التي دفعتها لتلك الصنيعة التي لم يسبقها إليها أحد من قبل. في حين أن بعض أصحاب لغة الضاد من العرب لا يتحدثون بها أمام المحافل الدولية. وكأنها لغة دونية للأسف. زاد اعجابي بما فعلته وزيرة الخارجية لأنه يتوافق مع مشروع قانون جديد لحماية اللغة العربية وتمكينها بحيث تكون لغة التواصل والتفاهم. في كل جهة تخاطب الرأي العام سواء في وسائل الإعلام أو فيما يصدر من بيانات وقرارات رسمية أو حتي علي المستوي الشعبي. وأن تقوم الدولة بتعريب المصطلحات الأجنبية حتي في الطب والهندسة والفيزياء وغيرها بالتدريج. كي تخرج من معطف الفرنجة الذين فعلوا ذلك في الماضي عندما كانوا ينقلون من أمهات الكتب العربية وينهلون من فكر العلماء العرب. أتمني من الدكتور عبدالحميد مدكور الأمين العام لمجمع الخالدين الاهتمام بهذا المشروع والسعي إلي إظهاره للنور. باعتباره ومن معه حُماة اللغة العربية والتي باتت غريبة بين أبنائها بعدما اقتحمت اللغات الأجنبية ديارها بأيدي أبنائها الذين تنصلوا منها وفق تعبيره. في الوقت الذي يحتفل فيه الكيان الصهيوني في أكتوبر سنوياً بإحياء لغته العبرية من موات وصار يتحدث بها الآن حوالي 7 ملايين إسرائيلي بفضل الأديب واللغوي أليعيزر بن يهودا الذي سعي طوال حياته للترويج والتحدث بالعبرية حتي استطاع أن ينشرها من عدم قبل 130 عاماً. بصراحة بدون اللغة العربية فنحن كالعراة حضارياً وفق تعبير الدكتور سليمان عبدالمنعم حيث دافع عن مشروع القانون الذي يعده حالياً مجمع اللغة العربية للبرلمان بعد سيادة العامية للأسف حتي في وسائل الإعلام. وصراحة سكوتنا علي اهمال الفصحي قد يؤدي إلي فقدانها مثلما حدث في اللغة اللاتينية حين عانت من ازدواجية الفصحي والعامية بعدما كانت اللاتينية لسبعة قرون لغة العلم والدراسة في أوروبا وصارت اليوم اللغة الدينية للكرسي الرسولي في الفاتيكان فقط! اللغة هوية كل دولة وحاضرها ومستقبلها وبدونها لا تكون شيئاً. ورحم الله عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين عندما قال: "لغتنا العربية يسر لا عسر. ونحن نملكها كما كان القدماء يملكونها ولنا أن نضيف إليها ما نحتاج إليه من ألفاظ لم تكن موجودة في العصر الحديث..".. أنقذوا لغة القرآن يا عرب ينصلح حالكم وتعود لكم الريادة والأمجاد.. وشكراً للوزيرة النمساوية العاشقة والغيورة علي لغة الضاد.