حين سأل محرر مجلة الجيل نجيب محفوظ عن موضوع روايته المقبلة "أولاد حارتنا". رفض محفوظ الإجابة قائلا: بلاش اعفني من هذا السؤال. وعندما سأل المحرر عن نوعها. أجاب: ولا هذا.. إنها قصة من نوع جديد. لم أكتب مثله من قبل. لذلك أنا متهيب جدًّا. تري هل كان يشعر بما سيحدث فور نشر الرواية؟ الإجابة كاملة تم تحريرها في كتاب موسوعي أعده الباحث والكاتب محمد شعير بعنوان "أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة" وناقشه نادي جاردن سيتي مؤخرا. الكاتبة عبلة الرويني. أدارت الندوة. وأكدت أولا إن الكتاب يعتبر هدية ثمينة قدمها محمد شعير للوسط الثقافي العربي لا المصري فقط. حيث بذل فيه جهدًا كبيرًا بدأب وإخلاص وتفاني نادرين جدًا. المؤلف محمد شعير. قال إنه أراد من خلال كتابه رصد التحولات السياسية والاجتماعية التي طرأت علي مصر خلال فترة حياة نجيب محفوظ. لافتًا إلي أنه لم يتبع منهجًا نقديًا معينًا أثناء تأليف الكتاب. الباحث نبيل عبد الفتاح أشار إلي أن شعير تعامل مع سيرة أولاد حارتنا وفق المنهج التاريخي. وقال: هناك جهد استقصائي لافت جدًا. وسرد ممتع وسلس نادرًا ما نراه. والكتاب يبحث في ما وراء أزمة السحاب الممتد وراء الرواية المحرمة. والتمايز بين السردية المقدسة كما وردت في النص المقدس. وتأويلاتها الفنية والأدبية. والسجال حول الرواية الذي لا ينتهي أبدًا". وطرح الناقد والروائي طارق إمام. في مستهل حديثه عن الكتاب. سؤالًا حول مصير المخطوط الأصلي لرواية "أولاد حارتنا". وتساءل "هل المخطوط مع نجيب محفوظ؟ أم مع الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل أم هو ضمن أرشيف جريدة الأهرام؟ أم في حيازة دار الآداب البيروتية؟. لكن خلص في النهاية أن المخطوط مُفتقد. ولم يعد له وجود من الأساس. وقال "إذا كانت أولاد حارتنا كرواية وعمل تخييلي. صار من المستحيل العصور علي مخطوطها الأصلي. فنص الواقع أيضًا الذي أنتجت هذه الرواية باعتبارها نصا تخييليا في سياقه. والذي انتجها هذا الواقع. هو نص مفقود. لم يصلنا منه سوي شذرات وحديث متضارب. وصار العصور عليه كنص متماسك أقرب للمستحيل. لكن محمد شعير حاول العصور علي النص غير المتخيل للرواية". وتابع حديثه قائلا: مثلما فقدنا المخطوط فقدنا أيضًا النص الواقعي لتلك الفترة التاريخية التي تبدو دائمًا ضبابية وغير واضحة المعالم. وأنا لا أفصل بين النص والواقع. فهو ابن واقعة ونتاجه. ولا أري أن ثمة نص يمكن فصله عن سياقه الواقعي. ونحن نقرأ الواقع من خلال عمل أدبي أو نص ما. ومن هنا تكمن أهمية نص شعير في محاولة منه لإحياء نص تاريخي وإخراجه من مقبرة الأرشيف حيث قام بجهد مؤسسي لافت للغاية. الدكتور محمد بدوي. قال إن محاولة شعير في الكتاب ربما تعود للرغبة في العودة لبداية الأشياء. ومن ثم تأتي الصعوبة في تصنيفه. متابعًا: "انتقي من مصادر متعددة ما يكفي ليصنع سرديته المهمة. وسار في كتابه كمؤرخ أعطي لنفسه جميع أدوات الفنان. يحكي ما حدث كروائي لا شاعر مستخدمًا لغة رائقة بديعة وسلسة". وأكد الدكتور حسين حمودة أن كتاب محمد شعير هو الأصدق والأكمل بين الكتب التي تناولت أدب محفوظ. وسلطت الضوء علي روايته الأهم أولاد حارتنا. وبذل خلالها شعير جهدًا ضخمًا. لينجز هذا الكتاب الخطير وكأنه يغازل التاريخ من بعيد. ويقدم إضافة مهمة جدًا ومختلفة للغاية. وقال: عندما شعر محفوظ ان الواقعة التي أفرزته ثورة يوليو بعيدا عن شعاراتها بدأ فعلا رصده من أول روايته "اللص والكلاب" سنة 1960 والتي صدرت في عز مجد عبدالناصر ولهذا لا يليق وصمم محفوظ بالجين.. لأنه بالفعل تعرض لأكثر من صدام مع نظام عبدالناصر لولا حماية هيكله. واختتم تفنيده قائلا: محفوظ من أشجع الكتاب في استقلاليتهم والتزامهه بقيمه.. ولم يتورط في شلل وعطايا وتقلبات اليسار والإسلاميين والحكوميين لكل العطور وهو عندي أنزه واشجع من كتاب كثيرين ثاروا بصخب وتمردوا وسجنوا وفي الآخر ناموا في الفراش معا عداء الأمس.