محمد شعير ، د. محمد بدوي ، عبلة الروينى ، د. نبيل عبد الفتاح ، طارق إمام ، ود. سيزا قاسم استضاف نادي ساويرس بجاردن سيتي مساء الاثنين الماضي؛ ندوة لمناقشة كتاب »أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة» الصادر عن دار العين للزميل محمد شعير، بحضور عدد من الأدباء والمثقفين ورجال السياسة. في البداية قالت الكاتبة الصحفية عبلة الرويني، التي أدارت الندوة: إن هذا الكتاب هو هدية ثمينة قدمها الكاتب محمد شعير للوسط الثقافي العربي لا المصري فقط، كما أضافت أن القليل جدًا كان يعتبر هذه الرواية ذات رمزية دينية، وأن الغالبية العظمي كان يعتبرها ذات رمزية سياسية، كما أشادت بدور هيكل لسماحه بنشر هذه الرواية علي صفحات الأهرام، وأيضًا يوسف السباعي الذي دافع عنها كثيرًا، وكذلك عبد الناصر الذي كان متحيزًا هو الآخر لنجيب محفوظ رغم أن محفوظ كان يحمل رؤية سياسية، ويكاد يعتبر شخصية »الجبلاوي» متمثلة في عبد الناصر.بدوره قال الكاتب محمد شعير إنه في عام 2011 كان يعمل علي موضوعًا صحفيًا عن ميلاد نجيب محفوظ، وشكل القاهرة عند مولدهِ ثم شكلها عند وفاتهِ، وعندما عقد مقارنة بين القاهرة في الحالتين أتته هذه الفكرة التي تتركز علي سيرة رواية »أولاد حارتنا» حيثُ أثاره المشهد الذي قام به شاب بمسجد الحسين عند وفاة نجيب محفوظ عندما قال: لا يجوز صلاة الجنازة علي نجيب محفوظ. ويري الكاتب محمد شعير أن حياة نجيب محفوظ التي جاوزت ال 95 عامًا حدثت خلالها تحولات عميقة داخل المجتمع المصري، لذلك اهتم في هذا الكتاب بمعرفة هذه التحولات، وأضاف أنه عند البحث والتقصي في الصحف والمجلات القديمة لاحظ أن هناك الكثير من الحقائق والتساؤلات عن نجيب محفوظ لازالت حتي الآن مجهولة رغم أن نجيب محفوظ أحد أشهر المثقفين العرب. وتابع حديثهُ قائلًا: إن نجيب محفوظ ما قبل رواية أولاد حارتنا يختلف عن نجيب محفوظ ما بعد الرواية، ليس علي المستوي الفني فقط بل علي مستوي حياتهِ الخاصة، حيث أنه فقد منصبه الوظيفي، كما تعرض لاستجوابات كثيرة من البرلمان، انتهاءً بحصوله علي جائزة نوبل، وإتهامهِ بأنهُ قد حصل عليها بسبب كتابته لهذه الرواية، واعتبر شعير أن هذا هو السبب الذي جعله يضع كتاب أولاد حارتنا في كتاب منفصل. وأشار في النهاية إلي أن مخطوط الرواية الأصلي (الذي مازال مكانهُ مجهولًا) كان من الممكن أن يحسم أسئلة عديدة، لكنه للأسف لم يجدهُ. من جانبها قالت الناقدة الأدبية د.سيزا قاسم إنها كانت حريصة كل الحرص علي مناقشة هذا الكتاب، خاصةً لأنهُ يتقاطع مع دراستها حول »بنية الرواية.. دراسة مقارنة» كما تري أن رواية أولاد حارتنا والثلاثية بمثابة رواية واحدة، وعبّرت عن إعجابها الشديد بهذا الكتاب الذي يُستخدَم فيه عنصر التشويق، وأكدت علي أن الميزة التي تميز هذا الكتاب هو أن الكاتب محمد شعير قد استخدم جميع مدارس النقد الأدبي ونسخها في هذا الكتاب، موضحة أن الذي ساعدهُ في ذلك هو اختياره لعمل واحد فقط من أعمال نجيب محفوظ. وقالت إن هذا النوع من الكتابة كانت بداية نشأته في إيطاليا في عام 1970. وأضافت د.سيزا إن الكاتب محمد شعير قد بحث عن جميع الملابسات التي سبقت رواية أولاد حارتنا سواء كانت من الناحية السياسية والاجتماعية والأدبية والجمالية، بحيث أنه استطاع بذكائه أن يقوم بعملية ربط لجميع هذه الأجزاء ببعضها البعض. وتساءلت عن السبب الذي لم يوضحه محمد شعير في كتابه والذي يخص الفترة التي توقف خلالها نجيب محفوظ عن الكتابة، تلك الفترة التي اقتربت من الست سنوات، بعد كتابته للثلاثية. ورجحت د.سيزا قاسم أن السبب في ذلك يرجع إلي أن نجيب محفوظ كان »جبانًا» ولم يكن لهُ موقفا شجاعا في حياتهِ من السياسة وأنه لم يجرأ في يوم أن يقول بأن رواية أولاد حارتنا لها رمزية دينية. من جانبهِ أوضح نبيل عبد الفتاح الباحث المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية أن السبب الذي يثبت استحقاق نجيب محفوظ لجائزة نوبل ليست رواية »أولاد حارتنا»، وإنما السبب الذي نال بسببه محفوظ الجائزة؛ وهو أنه الشخص الذي أضفي شرعية علي فن الرواية في نسيج الأدب العربي الحديث والمعاصر، وبالتالي فاستحقاقه لهذه الجائزة كان عن جدارة واستحقاق. وأوضح عبد الفتاح أن الأسلوب الذي يميّز هذا الكتاب هو السلاسة الأسلوبية التي اعتبرها نادرة في الأعمال الاستقصائية، بسبب أن القليل من الكتب هي التي تحمل معها الثراء الفكري والاتساق المنهجي. أما الروائي طارق إمام فقد تطرق إلي الجزء الخاص بمخطوط أولاد حارتنا الذي مازال مكانهُ مجهولًا، وتناوله الكاتب محمد شعير في فصلٍ كامل، وأوضح أن هذا سؤالًا لم يُعثر لهُ علي إجابة حتي الآن، حيث أن نجيب محفوظ صرح بأنهُ سلّم المخطوط لجريدة الأهرام ولم يستردهُ، بينما الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل أنكر أيضًا معرفتهُ بمكان المخطوط الأصلي، كما أن دار الآداب اللبنانية نفت هي الأخري أن يكون المخطوط الأصلي بين يديها، وقالت أنها نقلت الرواية عن الأهرام ونشرت صفحاتها. كل هذا جعل إمام يؤكد أن العثور علي النص الأصلي من الرواية أصبح محالا. ثم تطرق إلي استخدام الكاتب محمد شعير أسلوب البانوراما من خلال التدرج بالأحداث، بحيث يبدأ المشهد بحصول نجيب محفوظ علي جائزة نوبل، مرورًا بترويج الفكرة عند الأصوليين بأنهُ قد حصل علي نوبل كمكافأة علي أولاد حارتنا، مرورًا بوصول المشهد البانورامي بطعنهِ. أما الناقد والروائي محمد بدوي فأشار إلي أن الشغف الموجود عند الكاتب محمد شعير هو نتيحة الحنين لواقع آخر غير الواقع المغلق الذي أصبحنا نعيش فيه الآن، مؤكدا أن شعير في هذا الكتاب كان مؤرخًا ولكنهُ أعطي لنفسه حقوق الفنان، بسبب استخدامه للسردية والأساليب البلاغية التي يستخدمها الروائيين. واستطرد بدوي قائلًا إنه يري أن نجيب محفوظ بعد كتابة الثلاثية وكتابة أولاد حارتنا كان قد وصل لمرحلة التشبع بالرواية، فكان أمامهُ إحدي الخيارين؛ إما أن يكرر نفسهُ، وإما أن يبحث عن شئٍ جديد. واختتم الندوة الدكتور حسين حمودة - فيما يشبه الرد علي ما ذكرته د. سيزا قاسم - متسائلا: من هو الكاتب الذي يستطيع أن يندفع ويدفع مثل هذا الثمن الباهظ الذي دفعهُ نجيب محفوظ ! مشيرا إلي أن كتاب محمد شعير كان بمثابة إلقاء حجرً في مياهٍ ساكنة.