اهتمام البرلمان بقضايا الفلاحين واسعار الحاصلات الزراعية خطوة مهمة وفي الاتجاه الصحيح وتصريح الدكتور علي عبدالعال رئيس المجلس بالعمل علي الوصول إلي سعر عادل لتوريد القمح رسالة مهمة للحكومة والتجار والسماسرة ومحترفي المضاربة واللعب بقوت الغلابة وفي مقدتهم الفلاحون البسطاء. دعم الفلاح والحفاظ علي قوة القطاع الزراعي قضية امن قومي لا تقل اهمية عن غيرها خاصة في المرحلة الحالية التي تخوض فيها مواجهات شرسة مع الارهاب الاسود ومع التنمية والتعمير والاصلاح الاقتصادي والارتقاء بالانسان المصري في المجالات كافة. في بعض الاحيان تشعر بان هناك قصورا في الرؤية والتصور لقضايا الفلاحين والمحصولات الزراعية وتصريحات بعض المسئولين علي هذا الصعيد تثير الحنق و الغيظ وتعطي ايحاءات بانهم يتفضلون علي هذا القطاع الحيوي في مصر مما يطرح العديد من التساؤلات في مقدمتها هل نحن حريصون علي دعم الفلاح والانتاج الزراعي خاصة المحاصيل الاستراتيجية مثل القمح والارز والقطن علي سبيل المثال ام انهم يريدون هدم القطاع الاكثر فاعلية وامانا و استقرارًا؟! لابد ان نشير إلي ان القطاع الزراعي هو القطاع الوحيد الذي ظل يعمل بلا توقف ولم يتأثر بأي دعوات أو مطالب فئوية في اللحظات الحالكة التي شهدتها البلاد في اعقاب ثورة يناير وفي اقسي واصعب الظروف وتحمل الفلاح ما لايتحمله أي من صنوف البشر.القطاع الزراعي وملحقاته من انتاج حيواني وداجني صمام الامان في المجتمعات الحيوية وحائط صد قوي امام أي محاولات للعبث في السلع الاستراتيجية وعمليات الاحتكار الاسود في سوق الاغذية بصفة عامة. لذلك من اكبر الخطايا ان نترك الفلاح والزراعه عرضة أو نهبا للعواصف والزلازل التي تضرب الاسواق أو السياسات الاحتكارية للمافيا اياها وألاعيب الكبار علي المستوي الدولي أو المحلي. الدول الكبري حريصة دائما علي توفير الحماية للمزارعين في القطاعات المختلفة وايضا مربي الماشية وغيرها وتمنحهم الدعم الكافي ليس فقط حتي لا يتأثروا بالخسائر لأي سبب ولكن لتحقيق ربحية مناسبة وتوفير حياة كريمة والاهم الحفاظ علي التميز في السلع الاستراتيجية خاصة اذا كانت مصدرا مهما للدخل القومي أو من السلع التي تستخدم في الضغط السياسي علي كثير من الدول خاصة الدول النامية .. يكفي ان نعرف ان الاتحاد الاوروبي مثلا يخصص اكثر من ثلث الموازنة لدعم المزارعين والحاصلات الزراعية وان المناقشات في البرلمان الاوروبي واللجان المختلفة لا تكاد تتوقف للحفاظ علي حقوق المزارعين وعدم المساس بالدعم المخصص لهم سنويا نفس الشيء تفعله امريكا وكندا واليابان وغيرها من الدول المتقدمة. بريطانيا تشهد الآن نقاشات موسعة لتوفير الدعم الخاص للمزارعين والمربين بعد توقف الدعم من الاتحاد الاوروبي الذي كان يصل إلي ثلاثة مليارات يورو سنويا بسبب خروجها من تحت مظلة الاتحاد. الوضع عندنا شبه معكوس بعض المسئولين يتفنن في كيفية سرقة الفلاح والضحك علي الدقون واستخدام الفهلوة واجبار الفلاح علي عقود اذعان فيما يتعلق بتوريد حاصلات مهمة مثل القمح والارز والقصب .وهذه مسألة مهمة تحتاج إلي مراجعة ومحاسبة في ظل الظروف التي يعيشها الفلاح وما يتعرض له من مصاعب جمة وما يلقاه من عنت كبير في سبيل زراعة المحصول ورعايته حتي الحصاد. الفلاح يعاني الامرين في الحصول علي التقاوي وعلي مستلزمات الانتاج من الاسمدة والمبيدات والمكافحة والري وغيرها وندرة العمالة الزراعية التي تسربت من السوق واختفت بفعل فاعل .. حتي اصبح الفلاح يتعرض للهوان والضيق في كل مراحل الزراعة فضلا عن عملية التسويق والبيع سواء في الداخل أو التصدير..ثم يفاجأ في النهاية بمجموعة من الحواة والفهلوية يمارسون عليه صنوفا شتي من الحقارة ويحسبونها شطارة ! يضعون شروطا قاسية وتعجيزية مثلا في درجات نقاوة المحصول لا تتوفر الا نادرا وهم يعلمون ويضعون اسعارا لا تتناسب حتي والتكلفة الفعلية ولا يدركون ان اصغر فلاح يعرف السعر العالمي الي اين وصل في لحظة ويعرف شروط ومواصفات الدرجة الاولي والثانية واسعار المستورد والألاعيب لكبار التجار ورجال مافيا خلط البلدي بالمستورد وتوريده وغير ذلك من حيل.. ينسي هؤلاء المتحذلقة والمتفذلكة ان دعم اسعار القمح والارز والقطن مثلا ضرورة وان دعم الفلاح أهم بكثير من دعم الصادرات المزعوم الذي يخصص له بالمليارات حتي اننا انفقنا مؤخرا تلاثة مليارات جنيه لنرفع الصادرات إلي ثلاثة مليارات دولار.. تخيلوا! أما عندما يأتي الامر للفلاح فيصاب هؤلاء بغصة في حلوقهم ويمتنعون وتمنعون وكأنه رجس من عمل الشيطان ! خسرت مصر كثيرا بسبب العشوائية في التعامل مع القطاع الزراعي واهله علي مدي العقود الاخيرة..حين اعتلي عرش الزراعة اناس لم يكن لهم من هم الا تدمير التميز المصري في زراعات عديدة ومنتجات عرفت بها مصر واخذت شهرة عالمية. فقد ابتلانا الله بمن يعبث في البذور والخريطة والدورة الزراعية والاهتمام بزراعات ثانوية علي اعتبار انها تأتي بالربح السريع ولا يهم الامن الغذائي أو القومي واستغرقنا في الفراولة والكانتلوب واللب واشباهها علي حساب الزراعات الاستراتيجية وساعدوا الناس علي هجرها وبات الاستيراد سيد الموقف ووقعنا في الفخ حين تعرضت اسواق القمح العالمية لهزة عنيفة ولم نحصل علي ما تعاقدنا عليه "ازمة القمح الروسي خير شاهد" وجلست مصر تتسول شحنات القمح من البر والبحر ومن الاعداء والاصدقاء وباي ثمن. وهو ما دق كل اجهزة الانذار لخطورة الموقف وترك الحبل علي الغارب في القطاع الزراعي واهمال شئون الفلاحين واتباع سياسات خاطئة أو اللاسياسة في الزراعة اصلا . دعم الزراعة والمحاصيل الاستراتيجية قضية أمن قومي ويجب ان تكون في صدارة اهتمام الحكومات المصرية سواء الحالية أو القادمة اذا اردنا اصلاحا وتقدما وتنمية حقيقية لمصر المستقبل.