المشهد السياسي الراهن في مصر.. يحتاج من كل متأمل له قدرا من الموضوعية والأمانة.. هذا بالنسبة لكل إنسان وطني يقدر قيمة بلده ويدرك حجم المؤامرة والغرض والمغالطات التي يحاول البعض من خلالها التأثير علي الرؤية الصحيحة للمصريين لهذا المشهد. في البداية لا ننكر أن هناك حالة من عدم الرضا بين كثير من النخبة التي تتطلع إلي حياة سياسية رفيعة تضاهي مثيلاتها في الدول المتقدمة العريقة في الديمقراطية.. وهذا للأسف نستشعره في كثير من مقالات الصفوة من السياسيين والصحفيين وفقهاء القانون والمهتمين بالعمل العام.. والحقيقة أن هؤلاء لا يمكن أن نلتمس لهم العذر في رؤيتهم النظرية القاصرة هذه.. لأنهم يجب أن يكونوا أولي الناس بالمعرفة والإدراك الصحيح للمشهد من خلال متابعتهم الحثيثة علي مدي السنوات الأخيرة منذ ثورة يناير وتدفقات الأحداث وتطورات الأمور بصورة متسارعة بعد سنوات طويلة من الركود السياسي رغم حالة الاستقرار العام التي كانت تميز حكم النظام السابق الذي دام ثلاثين عاما. ولا أتصور أن حياة ديمقراطية راقية كان يمكن أن تهبط علينا فجأة بالبراشوت بعد 4 سنوات من دستور 2014 الذي لا يمكن تبرئته من أنه كتب بحسن نية.. حتي أنه اختصر مدة الرئاسة لأربع سنوات مروا كلمح البصر.. ليأتي المغرضون والمغالطون لكي يحملوا النظام الحالي مسئولية هذا الخوار السياسي الذي برز بشدة مع الانتخابات الرئاسية الحالية وعجز المتنافسين عن جمع أدني مقومات الترشح أمام منافس قوي يواصل الليل بالنهار ما بين مواجهة تحديات خارجية وداخلية هائلة نجح بامتياز في التصدي لها بدءا من محاولات إسقاط الدولة التي بدأت مع ثورة يناير ثم سطو الجماعة السياسية المتأسلمة علي السلطة بغير حق وموجات الإرهاب الشارسة التي لم تشهد لها مصر مثيلا علي مر تاريخها الطويل.. وفي ظل هذه الظروف الصعبة استدعاه الشعب - علي غير رغبة منه - إلا وطنيته وحرصه علي ألا تسقط البلاد في أيدي الأشرار والمتآمرين.. وأتصور أنه لو كان وجد من السياسيين الذين ملأوا الساحة صخبا وشعارات من يصلح لكي يقود المسيرة بعد أن خلصها من تلك الجماعة الانتهازية ما كان ليتحمل مسئولية هذا العبء الثقيل الذي تعامل معه بجهد خارق وأمانة نالت حتي من رصيده الشعبي عندما تعامل مع الملف الاقتصادي بمشرط الجراح الباتر الذي ينقذ المريض من الموت مما كان يمكن أن يصيبه لو اكتفي بالعلاجات المسكنة الخادعة التي اتبعها من سبقه من الحكام. *** ورغم ذلك فلو كان هذا الرئيس الذي فوضه الشعب في ظرف تاريخي عصيب قد رضي بنصائح من هنا أو هناك لمد فترة الرئاسة وقام بتأجيل الانتخابات وما كان قد لامه أحد في ظل هذه الظروف الاستثنائية.. وأظن أن مثل تلك الفترات الانتقالية الاستثنائية في حياة كثير من الشعوب والدول ليست بغريبة. وغالبا ما تتقبلها الشعوب من أجل المصلحة العليا وتحقيق الأمن والاستقرار للبلاد والعباد. وأيضا ولو كان علي المدي القريب ومع تطورات العملية الانتخابية وعجز المرشحين عن التقدم للمنافسة وقد كادت تقتصر الانتخابات علي الرئيس وحده بما يشبه الاستفتاء.. ما كان هذا ليؤخذ علي نظامه وقد تكررت مثل هذه السوابق الانتخابية حتي في الدول الكبري والعريقة في الديمقراطية. ولكنه لم يفعل شيئا من هذا وقرر تطبيق الدستور واحترام القانون. *** ولكن حتي مع تسليمنا بضعف المنافسة في هذه العملية الانتخابية الرئاسية.. فلا يجب أن ننظر للمشهد بهذا الشكل السلبي الذي يفقدنا الأمل في المستقبل ويفتح الباب علي مصراعيه للمتآمرين والمغرضين والفاشلين حتي أنهم ينصحون الناس بمقاطعة الانتخابات. ألهذا الحد بلغ المرض والحقد في قلوبهم ناسين أن هناك بالفعل من منافساً منتسباً لحزب سياسي حتي ولو بدا هذا الحزب مثل غيره من الأحزاب ضئيلا.. ولكنه في النهاية منافس سياسي "خالص" ليس من خلفية دينية أو عسكرية كما تنشد تلك النخبة الزاعقة.. وأن هذا المنافس قد فتح الباب من جديد لمنافسة سياسية يمكن أن تكون بين عدد أكبر من المتنافسين في المرات القادمة التي قد لا يكون من فيها متنافسين من خلفية عسكرية يمكن أن ينأوا بأنفسهم عن المشهد السياسي لو اطمأنوا أن المرشحين الحزبيين يمكن أن يخرج من بينهم حاكم علي قدر مصر يحافظ عليها وعلي شعبها يلقي بها في مغامرات وانتكاسات لا يتحتملها بلد في حجم بلدنا وتعداد شعبه الذي تجاوز المائة مليون نسمة. باختصار.. هذه التجربة السياسية الراهنة بحاجة لكي نحتضنها ونبني عليها وننميها حتي ينضج بلدنا سياسيا وديمقراطيا بعيدا عن الشعارات وأصحاب الحناجر والقاعدين الفاشلين الذين يأمرون الناس بالقعود بجانبهم علي وسائد الفشل وموائد الثرثرة والعنترية التي انتهي زمانها!! وأتصور أن الشعب المصري الواعي الذي ينعم الآن بالأمن والاستقرار وينتظر جني ثمار البناء والإنجاز سوف يخرج بالملايين في يوم جديد مشهود يبرهن علي عظمة المصريين ووفائهم لكل قائد وطني مخلص لوطنه وشعبه رغم أنف القاعدين الحاقدين.