مصر في رباط إلي يوم الدين.. هذا قدرها. وهذا قدر شعبها.. وهي الآن في حالة حرب حقيقية لا تقل خطورة عن كل الحروب التي خاضتها علي مر تاريخها.. بل أخطر لأنها تجابه عدو خفي جبان غادر يتحصَّن بالدروب والأنفاق والجبال الوعرة وسط الصحراء.. يتحين الفرصة ليضرب في كل زمان ومكان.. ظناً أنه يمكن أن يكسر إرادة الشعب وقيادته التي أخذت تفويضاً بأن تتصدي لهذا الإرهاب وتلك المؤامرة التي طافت علي مر السنوات الأخيرة الماضية بالعديد من دول المنطقة.. وها هي تتجمع الآن علي الحدود المصرية الغربية بعد أن أدت مهمتها أو فشلت في تفتيت الأمة العربية في العراق وسوريا واليمن وليبيا ومازالت تتربص بالكعكة الكبري مصر عسي أن تحقق هذا النصر المزعوم الذي يلتبس فيه الفكر المتطرف المغلوط ويتحالف من القوي الصهيونية العالمية لكي تنفرد إسرائيل الكبري بالمنطقة. وقد شاءت إرادة الله وقوة وعزم قواتنا المسلحة وشرطتنا الباسلة أن تمسح عن أنفسنا إنكسارة جولة في حربنا ضد الإرهاب.. وذلك عندما نجحت قواتنا في تحرير النقيب البطل محمد الحايس من قبضة العناصر الإرهابية بصحراء الواحات بعد عمليات تمشيط واسعة تضافرت خلالها عوامل التصميم والإرادة بالعلم والخبرة والشجاعة.. لكي تكتمل ملحمة العطاء والفداء للوطن. لقد شاءت إرادة الله لكي يعود البطل الحايس الذي أمضي 13 يوماً يكتم ألم الجراح بين جبناء حمقي تربصوا بزملائه في جنح الليل ليريقوا دماءهم لكي تروي الصحراء.. وهم لا يدرون أن هذه الدماء تحصد أبطالاً علي مر السنين وهبوا أنفسهم للدفاع عن أرض بلادهم من الطامعين والمتآمرين.. وكان يمكن أن يكون النقيب الشجاع واحداً منهم. ولكنه عاد لكي يحمل رسائل كثيرة لنا قبل الإرهابيين والأعداء بأن إرادة هذا الشعب لا ولن تنكسر وأن هناك الآلاف من الشباب بل حتي أطفال المدارس رجال الغد يمكن أن يكونوا يوماً ما في نفس ظروف النقيب الشاب الذي لم يفكر لحظة استعداده لمعركة الواحات ليلاً في أبيه أو أمه أو أسرته الصغيرة.. فالكل الآن في مثل طبيعة عمله يخرج من بيته صباحاً أو مساء وهو مدرك قانع برسالته أنه قد يعود أو لا يعود.. ولكنها قناعة الأبطال الذين لا ينتظرون جزاء سوي من الله سبحانه الذي ينظر الأعمال. بالتأكيد.. إن ملحمة عطاء الشاب الحايس وزملائه الذين صمموا علي تحريره من قبضة الإرهابيين أتصورها ومضة بل لمحة من أيام انتصارات أكتوبر الذي احتفلنا به هذا العام كما لم نحتفل من قبل.. وقد حاول المتربصون والمتآمرون أن يحولوا شهر النصر إلي ذكري انكساره لإرادتهم ولكن إرادة الله وعزم الرجال كان أقوي وأمضي. ولكن تبقي الرسالة من هذه الملحمة لشعبنا.. لكل المصريين في كل موقع ومجال.. فلا يجب أن نتوقف عن مجرد الكلمات أو المشاعر الطيبة للنقيب الحايس وأسرته وأسر الأبطال والشهداء.. وبعد ذلك نذهب جميعاً نبحث عن مصالحنا وأرازقنا نتكسبها بالحلال أو الحرام لا فرق في مصالح أنانية رخيصة. ولكن المسألة أكبر من ذلك كثيراً لأننا فعلاً في حالة حرب تتطلب التضحية والإيثار والعطاء.. تماماً كما فعلنا في فترة حرب الاستنزاف والاستعداد لمعركة التحرير في أكتوبر 73 عندما كان شعارنا لا صوت يعلو علي صوت المعركة.. قدم المصريون جميعاً أرواحهم فداء للوطن سواء بأنفسهم أو أبنائهم وذويهم علي جبهة القتال أو بعطائهم علي الجبهة الداخلية حيث كان الجميع علي قلب رجل واحد من أجل تحرير التراب المصري من براثن الأعداء. هذا العطاء مطلوب الآن بشدة من كل المصريين.. فلا يصح ولا يجوز أن يقدم الأبطال من أمثال النقيب الحايس أرواحهم من أجل الدفاع عن الوطن وهناك بيننا فاسدون في المصالح الحكومية أو مرتشون أو موظفون كسالي يتلذذون في تعطيل مصالح المواطنين أو بيننا في الأسواق تجار جشعين يصعِّبون الحياة علي أقرانهم من المصريين في رفع غير مبرر للأسعار أو أطباء ومعلمين يعملون في المستشفيات أو المدارس الحكومية لا هم لهم إلا جمع المال في عيادتهم الخاصة أو السناتر علي حساب هذا الوطن المأزوم. لا يليق بشبابنا أن يمارسوا حياتهم بين المقاهي والشيشة بل والمخدرات أو حتي بمظاهر الملابس الممزقة وصور السيلفي التافهة في حين أقرانهم في مثل سنهم يقدمون أرواحهم رخيصة دفاعاً عنهم قبل بلادهم. حتي الفن يجب أن يكون هادفاً ولا أفهم فناناً كبيراً يروِّج له المرتزقة من الإعلاميين وهو يقدم فيديو غنائياً يحشد له فتيات ذوات مؤخرات لافتة للأنظار تذيعه الفضائيات علي مدار النهار والليل ومثله فنانون لا يعرفون شيئاً عن رسالة الفن ودوره في مثل معارك الوطن وحروبها التي نخوض الآن أخطرها. باختصار.. إن عطاء "الحايس" وزملائه يجب أن يكون قدوة لنا جميعاً.. وذلك إذا أردنا أن نعيش أحراراً كراماً في بلدنا تنعم بحياة كريمة عزيزة تكسر شوكة الإرهابيين والأعداء والمتآمرين ضد وطننا.