أخيراً عادت إليهم الأرض والبسمة.. وغمرتهم الفرحة بعد سنوات عديدة عاشوها في فقر مدقع داخل مجموعة من العشش ومنازل متهالكة تفتقر للآدمية والحد الأدني من الحياة الكريمة.. كانت بيئة خاصة للأمراض التي نهشت أجسادهم وعقولهم معاً وزرعت بداخلهم الحقد والكراهية التي أفقدتهم الثقة لذلك لم يكن بالسهل عليهم أن يصدقوا ان الأرض التي خرجوا منها منذ أكثر من عامين سيأتي اليوم الذي سيعودون إليها وقد تحولت إلي مجموعة من العمارات كان السكن فيها حلماً بعيد المنال لمن في مثل ظروفهم. علي بعد مسافة لا تتعدي كيلو مترا من ديوان محافظة المنيا تقع منطقة "عشش محفوظ" قبل أن تمتد إليها أيادي التطوير لتحمل اسم الأديب العالمي نجيب محفوظ تعبيرا عن الوجه الحضاري الذي أضيف إليها من خلال 35 عمارة ضمت 859 وحدة سكنية كاملة التشطيب و152 وحدة تجارية نفذها صندوق التطوير الحضاري والعشوائيات التابع لوزارة الإسكان. "الجمهورية" عاشت فرحة أهالي "عشش محفوظ" بالوحدات التي تم تسليمها لهم عقب الانتهاء من تطوير المرحلة الثانية والثالثة وتطوير المنطقة بالكامل ورفع كفاءة المرافق بها في مشهد أقل ما يوصف به من انه "عُرس اجتماعي". موعد مع السعادة .. داخل محافظة المنيا كانوا علي موعد مع الفرحة حيث تحقق الحلم الذي استغرق تنفيذه أكثر من عامين عندما خرجوا من منازلهم بعشش محفوظ بمنطقة أبو هلال حتي ينتهي جهاز التطوير الحضاري والعشوائيات من تنفيذ العمارات التي كانت بمثابة أحلام راودتهم بحثاً عن حياة آدمية بعيداً عن الخرابات التي كانوا يسكنون بها. المستحيل أصبح واقعا عبر مفتاح حمل لهم الأمل في غد أفضل وهو الحدث الذي استقبله الجميع بالزغاريد في الوقت الذي لم يستطع بعضهم حبس دموع الفرحة التي انهمرت غير مصدقين انهم باتوا من سكان العمارات مثل الأثرياء. .. امرأة مسنة علت تقاسيم وجهها علامات الرضا رغم خطوط الزمن.. كانت أول الفائزين بوحدة سكنية في المشروع لتنطلق زغاريد جيرانها تعبيرا عن فرحتهم بها.. سألتها عن عمرها فقالت "كتير" ثم أخرجت بطاقتها.. تاريخ ميلادها لأكتشف ان اليوم عيد ميلادها التاسع والسبعين وكأن الحظ ابتسم لها أخيراً وأرسل لها هدية يوم ميلادها. "الحمد لله فضل ونعمة من الله" هكذا عبرت نوال أحمد علي عن سعادتها باستلام مفتاح الوحدة السكنية الخاصة بها في المرحلة الثانية والثالثة من تطوير عشش محفوظ والتي أطلق عليها بعد التطوير اسم "نجيب محفوظ". قالت: أعيش في منطقة أبو هلال مع أولادي الثلاثة وجميعهم متزوج بالإضافة لحفيدتي رحمة محمد شحاتة وهي طفلة يتيمة وسنذهب جميعا للإقامة في الشقة التي حصلت عليها وربنا يكتب لنا جميعا الرزق الحلال. سألتها وهل هذه الوحدة ستتسع لكم جيمعا فرسمت علي وجهها ابتسامة رضا وهي تقول "يا بنتي ديه شقة غرفتين وصالة وكلنا كنا عايشين في غرفة واحدة يعني ربنا وسعها علينا من عنده" لتشعرك كلماتها بالكنز الذي تمتلكه بشعورها بالرضا. زغاريدها لم تتوقف مجاملة لجميع الفائزين حتي جاء الدور عليها فرفعت يديها للسماء تشكر الرحمن قبل أن تتسلم مفتاح الشقة الذي كان بمثابة مفتاح السعادة. .. زينب كامل عبدالرحيم "59 سنة" قالت: كنت عايشة في العشش مع بناتي الثلاث وولد.. وتخيل احساس أم بالخوف علي أولادها وهم تقريباً عايشين في الشارع فالمكان عبارة عن عشة معرشة بالجريد وممكن أي حد يدخل علينا في أي لحظة والآن أصبح لدينا شقة في عمارة بابها سيغلق علينا وفرحانة جدا بها. سألتها عن مورد رزقها فأوضحت انها تعيش علي معاش صغير تتقاضاه من الدولة لكن ربنا بيسترها معها. مشيرة إلي أن كل أمنياتها في الحياة أداء العمرة ورؤية قبر الرسول والدعاء لأبنائها ولمصر بالخير. .. أنصاف عبدالمسيح "70 سنة" فازت هي أيضاً بشقة تسلمت مفتاحها لتعيش فيها بصحبة ابنها مجدي نبيل الذي صاحبها إلي مبني المحافظة ليسجل معها لحظات السعادة بتحقق حلمها بتخصيص وحدة سكنية. "حلوة كويسة" هكذا وصفت ببساطة الشقة التي حصلت عليها في الوقت الذي وجه ابنها الشكر للمسئولين عن صندوق التطوير الحضاري والعشوائيات الذين راعوا كبار السن وخصصوا الأدوار الأرضية لهم بعيداً عن معاناة صعود الطوابق العليا حيث تتكون كل عمارة من ستة طوابق. الحظ يبتسم لنا أخيراً الحظ ابتسم لنا.. بهذه العبارة عبر طه راضي سعيد "45 سنة" عن سعادته بالحصول علي وحدة سكنية في عمارات نجيب محفوظ بعد تطوير المنطقة. قال: "أنا حاصل علي دبلوم تجارة عام 90 وللأسف لم أتمكن من الحصول علي وظيفة بمؤهلي فاضطررت اشتغل مبيض محارة وظروف البلد وحشة علشان كده الشغل يوم آه ويوم لأ". أضاف: "ربنا رزقني بالشقة وده رزق أولادي الخمسة وربنا يرزقني بشغل ثابت علشان أعرف أربيهم". ورغم مشاعر الفرحة التي ارتسمت علي الجميع إلا ان فتحي عبدالفتاح ثابت "32 سنة" سائق لم يكن سعيدا كما قال حيث جاء حظه في القرعة التي تم إجراؤها في شقة داخلية. أضاف: لدي ثلاثة أولاد والمنفذ الوحيد للشقة المنور ولو فتحنا شباك كل الجيران هيشفونا لكن الحمد لله علي كل شيء. تسليم الوحدات ** وبعد أن رصدت "الجمهورية" فرحة الأهالي بالحصول علي وحداتهم السكنية حرصت علي الانتقال بصحبة اللواء عصام البديوي محافظ المنيا والدكتور أحمد عادل درويش نائب وزير الاسكان لقطاع التطوير الحضاري والعشوائيات إلي موقع الوحدات لتعيش مع سكان المنطقة أحلامهم التي تحققت سواء من خلال العمارات التي تم تشييدها أو المنطقة التي تم تطويرها بالكامل. داخل العمارة رقم "21" كان اللقاء بالحاج محمد عباس "78 سنة" والذي استقبلنا بالترحاب معبراً عن فرحته باستلام الوحدة الخاصة به حيث كان بصحبته حفيده اليتيم الذي يرعاه. قال ان الوحدة التي خصصت له سيعيش فيها بصحبة زوجته وأولاده وأحفاده. مشيراً إلي أنه يعيش علي معاش شهري 547 جنيها حيث كان يعمل فلاحا وهو المبلغ الذي لا يكفي متطلبات الحياة. لذا فإن حصوله علي هذه الشقة كان حلماً لمن في مثل ظروفه. محل للرزق طلب محمد من "الجمهورية" أن تنقل صوته للمسئولين ليوفروا لنجله محلاً في المشروع يسترزق منه يعينه علي تحمل أعباء الحياة. وعلي كنبة عربي بسيطة استقبلت أم هاشم حافظ "62 سنة" الجميع لتوجه الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسي صاحب الفضل في هذه النقلة الحضارية فلولاه ما كان هناك اتمام بسكان العشوائيات وتوفير حياة كريمة لهم. قالت انها تعيش مع ابنتيها وخمسة من الأحفاد بمعاش 600 جنيه تنفق منها 400 جنيه علي العلاج الشهري ولا تمتلك من الحياة سوي هذه الكنبة وباقي الأثاث خاص بابنتها حيث مرض زوجها وأصيب بالعجز وذهب للإقامة مع أسرتها وجاءت هي بمتعلقاتها للإقامة معها. "أنا فرحانة جداً بالسكن الجديد.. مبسوطة وتروح المدرسة وهنجح وهبقي مهندسة" هكذا قالت الطفلة رباب حافظ بالصف الأول الابتدائي والتي تقيم مع جدتها في العمارة رقم "20" ليداعبها عقب ذلك اللواء عصام البديوي محافظ المنيا طالباً منها الاجتهاد في دراستها لتصنع لنفسها مستقبل أفضل فالعلم هو أساس كل شيء في الحياة. وأعربت فتحية سيد "57 سنة" عن أمنيتها في الحصول علي كشك يمكنها من مساعدة زوجها في الإنفاق علي أولادهما حيث يعمل الرجل أرزقي ولا يكفي ما يتحصل عليه نفقاتهم الشخصية. شرفتونا "اتفضلوا.. شرفتونا" كلمات بسيطة خرجت من لطفي عبدالحكيم "70 سنة" ونحن ننزل سلالم العمارة لنتوقف معه ونعرف ان الوحدة التي حصل عليها ستؤويه هو وزوجته وأبناءه التسعة ورغم ذلك إلا انه في قمة السعادة بها. وعلي بعد خطوات كانت جارته هناء عباس حيث حصلت علي وحدة سكنية تقيم فيها مع زوجها سائق "التوك توك" وأولادها الأربعة والتي طالبت معاملتهم بالمثل كما حدث مع سكان الأسمرات حيث تم فرش الوحدات السكنية مؤكدة ان جميع سكان المنطقة لا يمتلكون حق الأثاث فجميعهم علي باب الله. وطالب بدر سعد أهالي المنطقة بتوفير مكان كمقر لجمعية أهلية كانت موجودة بالفعل قبل التطوير لمساعدة أهالي المنطقة البسطاء. وعن المشروع يقول المهندس نيازي مصطفي مدير وحدة التطوير الحضاري والعشوائيات بالمنيا ان المنطقة كانت عبارة عن عشش ومنازل متهالكة علي مساحة 4 أفدنة يسكنها 3004 نسمة فتمت إزالتها وإعادة تخطيطها علي ثلاث مراحل حيث كانت المهمة إحلال وتجديد المنطقة بالكامل بالإضافة إلي إعادة تأهيل المنطقة عمرانيا واجتماعيا واقتصاديا. 4 مراحل أضاف ان المشروع تم تنفيذه علي أربع مراحل حيث كانت المرحلة الأولي مرحلة الحصر والتفاوض مع السكان ثم المرحلة الثانية الإخلاء والهدم والتسكين المؤقت بمعني توفير سكن بديل لحين الانتهاء من التطوير والمرحلة الثالثة تسليم الموقع للشركة المنفذة وأخيراً المرحلة الرابعة إعادة تسكين وتسليم الوحدات السكنية. ويلتقط الحديث الدكتور أشرف أبو العيون المشرف العام علي وحدة التطوير الحضاري والعشوائيات بالمنيا ليشير إلي أن تطوير المنطقة بدأ من قبل ثورة يناير حيث تم الانتهاء من المرحلة الأولي وتسليمها لكن عقب الثورة توقف كل شيء ليتجدد الأمل مرة أخري في بداية عام 2015 حيث بدأ العمل في المرحلة الثانية والثالثة وكانت أهم المعوقات بخلاف الأحداث السياسية التي مرت بها البلاد توفير التمويل اللازم لإتمام المشروع خاصة في ظل ضعف مشاركة المجتمع المدني إلي جانب صعوبة إقناع الأهالي والسكان بآلية التطوير نظراً لانعدام الثقة بينهم وبين الدولة في العهود السابقة. أوضح ان كل مرحلة استغرق تنفيذها سبعة أشهر ولكن قبل بدء التنفيذ حدثت معوقات حيث تم الاعتماد علي حصر سابق معد من قبل الجهاز المركزي ولكن قبل هدم المرحلتين قام البعض ببناء وحدات جديدة للحصول علي وحدات في المشروع ولكن كل هذه الألاعيب تم التصدي لها بحزم. أضاف ان المنطقة تم تطويرها من خلال بروتوكول تعاون بين صندوق التطوير الحضاري والعشوائيات ومحافظة المنيا حيث تحمل الصندوق 73 مليون جنيه في حين قامت المحافظة بتوفير 20 مليون جنيه دعم للمشروع. أوضح انه لأول مرة يتم التسكين باختيار الأهالي حيث تم تكوين مجموعات باختيارهم كل مجموعة تتكون من 22 أسرة هي عدد الوحدات في كل عمارة وتم تسكين كبار السن والحالات الحرجة في الأدوار الأولي ثم إجراء قرعة لتوزيع الوحدات الأخري علي باقي المجموعة. مشيراً إلي أن مساحة الوحدة 50م2 مكونة من غرفتين وصالة وان كل عمارة تتكون من 6 طوابق بكل طابق 4 وحدات. أمل الخير أشارت أمل كامل مساعد نائب وزير الاسكان لقطاع التطوير الحضاري والعشوائيات إلي إعداد برامج تأهيل مع مؤسسة مصر الخير لسكان المنطقة حيث تم عمل مشروع تنمية مجتمعية يتضمن خطة تنمية اقتصادية ضمن ميزانية المشروع موضحا انه تم الاتفاق مع شركتي الكهرباء والغاز علي تركيب عدادات للوحدات علي أن يتم سداد ثمنها بالقسط علي الفواتير الشهرية. تطوير كامل من جانبه قال الدكتور أحمد عادل درويش نائب وزير الاسكان لقطاع التطوير الحضاري والعشوائيات إن منطقة عشش محفوظ من ضمن المناطق المصنفة غير آمنة علي الخريطة القومية للمناطق العشوائية في مصر بخلاف 9 مناطق أخري داخل محافظة المنيا. مشيراً إلي أنها تقع داخل منطقة أبو هلال وهي من المناطق غير المخططة حيث تم تطويرها بالكامل من خلال رفع كفاءة الصرف الصحي بالمنطقة ورصف الشوارع الرئيسية وتبليط الحارات بتكلفة إجمالية 15 مليون جنيه بخلاف 93 مليون جنيه تكلفة تطوير عشش محفوظ. أضاف ان الصندوق أدرج في خطة العام المالي القادم منطقتي الكيلو شرق بمغاغة ومنطقة جنيدي بسمالوط وهي من المناطق المصنفة غير آمنة لتطويرهما إلي جانب منطقتي مدينة العمال وكامل عوض بجوار جامعة المنيا وهي من المناطق العشوائية التي تم إضافتها مؤخراً وتضم كل منها أكثر من 3 آلاف نسمة إلي جانب "5" أسواق عشوائية من جملة الأسواق العشوائية المصنفة بالطريقة القومية. مشيراً إلي انه يتم إخراج الأهالي من المناطق التي يتم تطويرها بعد دفع قيمة إيجارية لهم للحصول علي مسكن بديل حتي الانتهاء من التطوير. تعزيز الثقة أكد اللواء عصام البديوي محافظ المنيا ل "الجمهورية" أهمية تلك المشروعات التي تساهم في تغيير سلوكيات المواطن والصورة الذهنية عن الدولة وهو ما يساهم في تعزيز الثقة بينه وبين دولته. مشيراً إلي أن انطباع الأهالي من ثلاث سنوات ان الدولة تطردهم من أراضيهم ولم يكن لديهم أي يقين انهم سيعودون مرة أخري في مكان حضاري. أشار إلي وجود تنسيق مع الجهات المعنية وكان في اجتماع مع عدد من البنوك لتمويل مشاريع صغيرة للشباب خاصة في هذه المناطق والتجربة أثبتت نجاحها حيث حصل بعض الشباب علي قروض 10 آلاف جنيه والآن رأس مال مشاريعهم 3 ملايين جنيه ويقومون بتصدير انتاجهم للخارج. أضاف ان العمل المستقل للدولة في تطوير المناطق العشوائية لن يجدي ويجب تضافر جميع الجمعيات والمؤسسات الأهلية ورجال الأعمال وهناك جهود ملموسة في هذا المجال حيث تم رفع كفاءة ألف منزل بقري المنيا وهناك مشروع قائم حالياً ل 500 منزل أخري جميعها ذات أسقف متهالكة ستتم إزالة بعضها وتعلية البعض الآخر.