في الوقت الذي وصل فيه حجم الورادات إلي نحو 90 مليار دولار دون أن يقابلها سوي أقل من الربع للصادرات. لتكون بالتالي المسئول الأول عن العجز التجاري وأزمة الدولار وتدمير المنتجات المحلية وإغلاق مصانعها. مع غياب أي إجراءات حقيقية لترشيد الاستيراد ومنع الاستفزازي منه وكل ماله بديل محلي وتقليل اعتماد الصناعة علي المستلزمات المستوردة وزيادة الإنتاج الزراعي الرأسي بدعم مراكز البحوث بدلاً من تخفيض موازنتها للربع.. في هذا الوقت تجد غرفة تجارة القاهرة الجرأة في زمن الأعاجيب. لتشكو إلي رئيس الجمهورية من قيود الاستيراد!! هذا والله. ما صدر عن الاجتماع الأخير للغرفة بحضور أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف والذي قرر رفع توصيات الاجتماع إلي رئاسة الجمهورية والحكومة والتي تطالب ب "إعادة النظر في القرارات الخاصة بالاستيراد لتحاشي تأثر هذا القطاع والعاملين به باعتباره جزءاً من الاقتصاد العام للدولة. وأنه حال تأثره سلباً سوف ينعكس علي فرص العمل والمواطن البسيط من خلال ارتفاع أسعار السلع". ويومها.. طالب الوكيل "بضرورة تطبيق مواد الدستور والتي تنص علي الاقتصاد الحر. وكذلك عدم اللجوء إلي سياسة تحجيم الطلب مع إعادة النظر في السياسات والقرارات الاستيرادية التي تسببت في وجود حالة من الركود والكساد في الإنتاج وارتفاع الأسعار"!! أمام هذه الكلمات. هل يتخيل أحد حالة الجنون التي يعيشها المصريون في هذه الأيام. وألا ينطبق المثل الشعبي "يقتل القتيل ويمشي في جنازته" مع ما يقوله التجار المتهمون بالجشع ورفع الأسعار لتحقيق الأرباح الفاحشة علي حساب الغلابة. واستقرار المجتمع. ومع ذلك يتحدثون عن ضحيتهم المواطن البسيط. ويجأرون بالشكري من إجراءات هزيلة لمواجهة غول الاستيراد والتي تعبر عن عجز وربما خوف حكومي من مواجهة أباطرة الواردات من خلال نظام متكامل للترشيد يرتبط باقتصاد حرب وحكومة انقاذ للبلد من الانهيار. وليست حكومة مهادنة للتجار وتدليل للأغنياء! إذا كان البنك المركزي يؤكد في تقريره الأخير "الجمهورية أول سبتمبر". أن الدولار ليس المسئول وحده عن ارتفاع الأسعار. بل أيضاً جشع التجار واحتكارهم لبعض السلع لخلق ضغط غير مبرر علي أسعارها مع ضعف المراقبة علي الأسواق.. كما يكشف التقرير أن الواردات السنوية تقترب من كسر حاجز ال 100 مليا دولار. ولا حل إلا بتخفيض الاستيراد العشوائي. وإذا كان العميد محمد سمير المتحدث باسم القوات المسلحة. يقول: إن الجيش تدخل في أزمة ألبان الأطفال بعد أن لاحظ أن الشركات المستوردة له تمارس احتكاراً فيه للمغالاة في أسعارها ومضاعفة معاناة الناس. وإذا كان كل الخبراء يطالبون بمواجهة دولة المستوردين الذين وصل عددهم من 42 ألف مستورد عام 1985 إلي 840 ألفاً من المسجلين بجانب آلاف غيرهم بعيداً عن السجلات الرسمية الذين يشعلون السوق السوداء للدولار لإغراق البلد بالواردات الاستفزازية لبيعها للمدللين بأي سعر يفرضونه.. كما يطالب الخبراء بالحزم في مواجهة المحتكرين وتجار الجملة الذين يتحكمون في الأسعار بإشارة منهم. لا شيء سوي ترديد نفس التصريحات والوعود يومياً. عن ضرورة توفير السلع الأساسية بأسعار مناسبة وضبط الأسواق. وهو ما يستفز الملايين من محدودي ومتوسطي الدخل الذين تكويهم الأسعار ولا يجدون أي تغيير في واقعهم اليومي مع عدم اتخاذ أي إجراءات حقيقية تساندها تشريعات لهامش ربح أو تسعيرة لبعض السلع وعقوبات صارمة للمخالفين. والتي لا يمكن في غيابها تحديد من هو المخالف أو ضبطه. وبالتالي ستبقي كل هذه التصريحات والتوجيهات خداعاً للناس وسبباً لزيادة غضبهم واحتقانهم. وترك الساحة مفتوحة للتجار والمستوردين الذين يذرفون دموع التماسيح اليوم لمجرد مطالبتهم بشهادة تضمن ألا تكون الواردات من "زبالة" ما تصدره بعض الدول لنا! والغريب أنه بعد بيان القوات المسلحة وبعد أزمة السكر. وقبله العام الماضي جنون أسعار الأرز وغيرها من حالات الاحتكار ومضاعفة الأسعار التي شملت تقريباً. كل المجالات. لم نسمع صوتاً لجهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية. ولم يبحث عن أباطرة الاستيراد لمثل هذه السلع و كبار التجار الذين يتحكمون في أسعار السلع الأساسية للمواطنين لمحاسبتهم.. ومع ذلك مازال محمد الوكيل يطالب بتطبيق النص الدستوري بالاقتصاد الحر ورغم أننا نعيش أزهي عصور الحرية أو الفوضي الاقتصادية التي تذبح ملايين الغلابة!! معركة.. رجل المهام الصعبة لا أعلم إذا كان من حسن أو سوء حظ اللواء محمد علي الشيخ وزير التموين الجديد. أنه جاء بعد وزير ترك له تركة ثقيلة. وكان مثاراً للجدل واختلاف الآراء حيث كنا نتعشم في بداياته أن يكون خير خليفة للدكتور أحمد جويلي رحمه الله الذي كان بحق وزيراً للغلابة. وانتهي به الحال - أي د.خالد حنفي إلي إدانة سياسية من لجنة برلمانية ومطالبة بمحاكمته. بينما كان مجلس الوزراء يشكره علي جهوده! ما أكثر الملفات المفتوحة وحقول الألغام التي يفوح منها الفساد أو علي الأقل الفشل والتهاون والخيبة الإدارية التي تركها د.حنفي والذي لا يمكن الحكم علي ذمته إلا من خلال التحقيقات العادلة الشفافة.. وأتصور أنه من بين أهم هذه الملفات والمهام الصعبة التي نتمني أن يعطيها الوزير اهتمامه وكل الأولوية هي أن تكون كل المنافذ الحكومية الذراع القوية للدولة لمواجهة المحتكرين وجشع التجار وإجبارهم علي تخفيض الأسعار. بأن تتحول هذه المنافذ بالفعل إلي يد رحيمة بملايين الغلابة بالفعل وليس بالكلام الحلو الذي كان يجيده تماماً د.حنفي دون أي ينصت إلي كل من ينصحه ويعتبرهم من أعداء النجاح! مع توحش أباطرة تجار الجملة وقدرتهم علي مواجهة وتحجيم تأثير أي إجراءات حكومية بتطبيق تسعيرة أو هامش ربح سواء بترهيب رجال الضبط أو شراء ذمم بعضهم في ظل الفساد الذي تمكن من مفاصل أغلب الأجهزة الحكومية. فإنه لا بديل أمام اللواء الشيخ إلا بتفعيل سلاح المجمعات وبقية المنافذ الحكومية.. أول خطوة هي تمزيق كل الأقنعة والأوهام التي ترتبط حالياً بالدور الهزيل لهذه المنافذ والتي لا تختلف أسعارها من القطاع الخاص باستثناءات قليلة مثل اللحوم. بجانب تخفيضات بسيطة لبعض السلع التي لا تتوافر باستمرار ولا تشكل بالتالي تخفيفاً لمعاناة الغلابة. بل إن بعض السلاسل التجارية تقدم بعض السلع بسعر أرخص من مجمعات الحكومة! علي وزارة التموين بما لديها من قوة شرائية هائلة عبر آلاف المنافذ. التعاقد المباشر لشراء كل احتياجات المواطنين من المنبع سواء المصانع أو المزارعين أو حتي الدول المصدرة لإلغاء دور الوسطاء تماماً بدلاً من الخيبة الحالية للتعامل مع نفس الموردين لأغلب السلع الذين يتعاملون مع القطاع الخاص بنفس الأسعار. وحتي لو تنازلوا عن هامش بسيط. فإنه يضيع مع الأعباء الإدارية الكبيرة لمنظومة المجمعات الحكومية. ما نقوله عن هذا السلاح. وأهمية دراسة تجربة شركة "سنسبري" البريطانية التي لم تستمر طويلاً وهزمتها مافيا التجار بالقاضية. وأيضا تجربة بعض السلاسل الحالية في طرح سلع أرخص. وكذلك التوسع في استغلال ما لدي وزارتي التموين والتجارة من منافذ تجارية مثل عمر أفندي وصيدناوي وبيع المصنوعات في طرح كل احتياجات المواطنين حتي من السلع المعمرة بأسعار رحيمة خاصة بعد أن أكد الجهاز المركزي للإحصاء أن السلع التموينية لا تمثل إلا 6% فقط من مشتروات المصريين.. كل ذلك بجانب إصلاح منظومة القمح والخبز وتنقية البطاقات التموينية لترشيد الدعم. ليس بجديد.. ولكن للأسف المسئول كان لا يقرأ أو يكابر ويبيع لنا الهواء! إذا كانت الأيام القادمة ستحمل لا محالة. زيادة في الأسعار مع تطبيق ضريبة القيمة المضافة وتنفيذ شرط صندوق النقد الدولي بتحرير سعر الصرف مع استغلال التجار أي فرصة لصالحهم. فإن علي اللواء الشيخ يعتبر أن مواجهة أباطرة التجار الذين لا يشبعون أبداً. مهمة قتالية لا بديل فيها. للنصر وكسر شوكتهم بهدوء وذكاء وحسم وبردع المخالفين وبالمناقشة العادلة.. وذلك انحياز للملايين من محدودي الدخل. لأن الهدف الأهم ليس "أكل وشرب" فقط. بل ضمان الاستقرار الاجتماعي. ونزع فتيل الانفجار ممن تحملوا وصبروا طويلاً!