شيعت مصر يوم الأحد الماضي. في جنازة عسكرية مهيبة شارك فيها الرئيس السيسي بنفسه. جثمان العالم المصري الحاصل علي جائزة نوبل في العلوم. ابن البحيرة الدكتور أحمد زويل. وقد حفلت جميع الصحف وشاشات التليفزيون بعرض انجازاته وإسهاماته العلمية وإحصاء عدد ما حصل عليه من شهادات ودرجات علمية سواء أكاديمية وشرفية. لقد خسرت مصر والعالم كثيراً بفقد أحمد زويل. قامة علمية عالمية لا تتكرر في التاريخ كثير. والحق لقد نجحت مصر في اخراج مراسم تشييع الجثمان علي هذه الصورة اللائقة لمكانته العلمية والعالمية. وكذلك لتعويض نقص نحن أحوج ما نكون في هذه الأيام بالذات في إعادة خلقه من جديد. وهو دور القدوة الصالحة في المجتمع. القدوة التي يحتذي بها شبابنا في شتي وجميع مجالات العلم والمعرفة. وأيضاً جميع أنشطة المجتمع التي تعود عليه بالنفع وتسهم في الارتقاء به ورفع شأن الوطن عالياً والاسهام في إحداث التنمية الشاملة. فبدون القدوة التي يحتذي بها في أي مجتمع فقد شبابه البوصلة التي ترشده وتحفزه لطريق النجاح والتفوق في مجال عمله. بل إن غياب القدوة يجعل الشباب ضائعاً ضالاً للطريق فيصبح فريسة سهلة للوقوع في الطريق الخطأ. أو علي الأقل الاقتداء بالنماذج السيئة ومحاولة التشبه بها. ونحن الآن.. وطوال الثلاثين سنة السابقة.. نعيش للأسف تلك المرحلة التي لم يجد فيها شبابنا قدوة له غير لاعبي الكرة والممثلين. ومعظمهم لم يحقق أي تميز أو نبوغ في مهنته. أو حاول البعض أن يأخذ من الفتوة أو البلطجي الذي حفلت به المسلسلات التليفزيونية والأفلام. وجسده فيها ممثل شاب ظهر حديثاً. قدوة يسير علي طريقها ويحتذي بها. فانتشرت أعمال العنف في المجتمع. وتصاحب معها بالطبع خروج علي القانون من القائم عليها. وأيضا سقوط بعض من شبابنا في طريق المخدرات والكيف التي هي من علامات هذا النموذج لما يعطيه لهم من وهم واحساس زائفين بالقوة والشجاعة. من طرق صنع أي أمة نهضتها وجود القدوة. فإن لم تتواجد قامت بخلقها حتي لو كانت غير حقيقية. بالمبالغة في الإشادة والنشر الواسع لأي عمل متميز قام به البعض. حتي وإن كان لا يستدعي كل هذا الزخم الإعلامي المبالغ فيه. هكذا فعلت أمريكا حين خلقت نموذج رجل الأعمال أو البطل السوبرمان الأمريكي في أفلام الحرب العالمية الثانية التي انفردت هي بها وفي أفلام وروايات الخيال العلمي. والإكثار من المهرجانات التي يتم فيها الاحتفاء بالمتميزين وجعل صورهم تتصدر أغلفة المجلات والصحف المشهورة وواسعة الانتشار. أما نحن في مصر. سنوات حكم الأسرة المباركية. فقد انتهي دور القدوة الصالحة في المجتمع. بل قد حدث تعمد في انهائه واطفاء النور عن الصالح منها أو تشويهها أو تشويه صاحبها لغرض ما في نفس يعقوب. في المقابل حدث صعود لبعض النماذج عديمة القيمة والتميز لتكون قدوة لشبابنا في حياته. نحن أحوج ما نكون الآن ونحن نضع أقدامنا علي أولي عتبات إعادة نهضتنا وحضارتنا من جديد للقدوة التي يحتذي بها في جميع المجالات. العلمية والصناعية والاجتماعية وبقية أنشطة المجتمع المختلفة. لذا.. فقط أحسنت الدولة حين أخرجت مراسم تشييع جثمان الفقيد علي هذا الصورة. فالرجل يستحق ذلك كما ان مصر في حاجة ماسة اليها أيضاً.