أثناء تواجدي بمكة المكرمة - لاداء العمرة في النصف الأخير من شهر رمضان الفائت - أهداني أمين مكتبة الحرم المكي.. كتيبا بعنوان "قضايا الأمن الفكري من منبر الحرم المكي" وهو محاولة للتصدي للغزو الفكري المتتابع ضد الشريعة الاسلامية وما نجم عنه من إرهاب وغلو وتطرف وقد قامت الرئاسة العامة لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي.. بانشاء وحدة للأمن الفكري تعني بالاهتمام بهذا الموضوع من خلال جمع الخطب المتعلقة بالأمن الفكري والتي ألقيت من منبر الحرم المكي الشريف والتي تعالج الانحرافات والخلل في الأفكار والتصورات - وذلك بترسيخ منهج الوسطية والاعتدال وتصحيح المفاهيم وضبط المصطلحات الشرعية وتنقيتها مما خالطها من شوائب. وقد دعا الي ذلك الدكتور الشيخ عبدالرحمن السديس الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي - كما دعا أهل العلم وحملة الاقلام والفكر للاضطلاع بمسئولياتهم في ذلك لتقرير الوحدة الاسلامية والتصدي لكل الحزبيات والتطرف الطائفي بفكر معتدل متوازن وقد حوي الكتيب علي خطب لأئمة الحرم المكي تتعلق بتنظيم الدفاع في الاسلام والتنفير من خوض غمار التكفير والغلو والإرهاب ووضع ضوابط للتفكير والحقيقة - أن الأمن مطلب عزيز هو قوام الحياة الانسانية وأساس الحضارة المدنية تتطلع اليه المجتمعات وتتسابق لتحقيقه السلطات وتتنافس في تأمينه الحكومات وتسخر له الامكانات المادية والوسائل العلمية والدراسات الاجتماعية وتحشد له الأجهزة المدنية والعسكرية - فبغير الأمن لا يهنأ عيش ولا يستساع طعام فالأمن مقرون بالايمان والسلام مقرون بالاسلام.. وفي ظل الأمن تحفظ النفوس وتصان الاعراض والأموال ويسود العمران وإذا اضطرب الأمن ظهرت الفتن وتزلزلت الأمة وتخلخلت اركانها وكثر الخبث والتبس الحق بالباطل واستعصي الاصلاح علي أهل الحق. كما ان سلامة فكر الإنسان من الانحراف والخروج عن الوسطية والاعتدال هي مقصد مهم من مقاصد الشريعة الغراء وقد حرصت الشريعة علي تقرير جانب الأمن الفكري لدي الفرد والمجتمع والأمة. ان الحزن ينتابني مما أشاهده علي شاشات التلفار حيث تتعرض المجتمعات الاسلامية لموجة من الغزو الفكري المصادم لشريعة الاسلام تلعب بقلوب وعقول بعض الشباب وتغرر بهم في آتون الإرهاب نتيجة التطرف والغلو - انهم يتهمون العلماء والحكماء بالضلال والكفر والمعلوم أن مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التي لها آثارها العظيمة التي تؤدي الي القتل والفوضي واهدار الحقوق والدمار؟! فالخوارج كانوا أهل عناد - قتلوا الخلفاء زاعمين ان هذا هو طريق الاصلاح وشوهوا صورة الاسلام مما اثبتوه من غلو في الدين وهو ظلم للنفس والناس.. وأثاروا الفتن بين الطوائف وسفكوا الدماء فمصير الغلاة هو الهلاك بنص حديث الرسول صلي الله عليه وسلم "هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون". ان مسئولية مجابهة هذا الفكر المتطرف مسئولية عظيمة فالجميع في سفينة واحدة ومن خرقها أغرق الكل.. ان التهاون والتساهل يؤدي الي انفلات وفوضي ولهذا فإن الاحساس بالخطر علي الدين والأهل هو الأمر الذي يجب ان يستشعره الجميع ليكونوا اكثر حيطة وحذراً. ان الأمة الاسلامية تعيش الآن بين فتن وحروب اهلية وصراع بين الطوائف استغلها أعداء الاسلام مما يوجب الوعي والإدراك لما يحاك بهذه الأمة من مؤامرات يعبث بأمنها واستقرارها وتشحن النفوس نحو الفتن والفرق والتقسيم بدعاوي مضللة وشائعات مغرضة تنال من الثوابت وتطال الاساءة للرموز والتهكم علي دور العبادة ليتحقق للأعداء ما يريدون من إهدار الطاقات وتدمير المقدرات واشعال الحروب والفتن لهدم المجتمعات. اننا نري دماء العراقيين وأبناء الشام تسأل في مجازر جماعية دون وازع ديني أو أخلاقي أو انساني حتي اصبح للإرهاب انماط مختلفة سواء اكان من جماعات أم من منظمات أم من دول كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر الضمير العالمي بكل مؤسساته ويؤدي الي صراع الحضارات لها بجوارها. فلنحرص علي وأد الفتن ووقف التناحر حتي لا يستغل المرجفون هذه الأحداث لبث الاكاذيب واختلاق الاباطيل فلقد رسم القرآن منهج الخطاب الديني في آية كريمة "حيث قال عز وجل : ¢ادع الي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" النحل 135" فهذه الآية خطاب للنبي ولكل من يأتي بعده.. فالخطاب الديني الذي نريده ان يسود وتتضافر الجهود في اشاعته بكل الوسائل والاساليب ليس هو مهمة الإمام والواعظ والكاتب بل هو مهمة الجميع إنه خطاب التنوير والتحرير والتبصير والتذكير والسماح والتعايش السلمي خطاب بناء يستند الي القرآن والسنة ويمتاز بالتجديد في اطار اساس العقيدة بعيداً عن الجمود والركود وذلك من خلال الخطب والمحاضرات والتأليف فالتجديد ضرورة فطرية وبشرية لأن الخطاب الحالي مفكك ومرزر أدي الي ظهور "داعش" التي ترفع رأية الاسلام والجهاد واقامة الخلافة الاسلامية وهذه شعارات يتبناها كل مسلم متمسك بدينه ولكن في الوقت الذي ترفع فيه هذه الشعارات لا يقتلون إلا المدنيين والعزل.. هذه المنظمات تتاجر مع الأسف بالشعارات الاسلامية - أنشأتها بعض الأجهزة الأمنية والمخابراتية بدول اسلامية وتمولها وتدعمها سراً لخدمة وتحقيق مصالحها في تشويه صورة الاسلام أمام العالم وبالمثل "تنظيم القاعدة" الذي تأسس لمحاربة الروس في افغانستان بتمويل خليجي أمريكي ويضم مجاهدين من العرب والأجانب وقد تعدي عددهم ال 250 ألف مجاهد من بين 43 دولة وهو تنظيم مسلح إرهابي يتبني الفكر التكفيري ان هذا الفكر يحتاج الي تصد كما يحتاج البعض الي تغيير المفاهيم المغلوطة التي تتبناها بعض الجماعات.. بأن هناك البعض الذي يطبق الاسلام صحيحا والآخرون علي ضلال. ولقد قامت وزارة الأوقاف مؤخرا في محاولة لوأد هذه الأفكار المغلوطة والمتطرفة بتوحيد خطبة الجمعة مكتوبة بهدف الالتزام بالموضوع والوقت لمنع الفوضي في الخطاب الديني ونشر الفكر الإسلامي المستنير غير أن بعض الأئمة رفض الالتزام بقرار الوزارة رغم أهمية القرار ان الواجب علي الغيورين من الامة ان تراجع دينها وتصحح مسيرتها لحماية النشء من الأفكار الهدامة المغلوطة ولمنع التطرف وهذا الخلاف لا طائل منه يشيع في المجتمع البلبلة وما هكذا يكون حال الأمة عند تأجج الفتن. والله من وراء القصد