الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر الشريف والعميد الأسبق لكلية الدراسات الاسلامية وعضو المجلس الأعلى للشئون الاسلامية وعضو المجلس القومي للمرأة شخصية ذات عقلية دينية مستنيرة لا تقبل التفريط ولا التشدد، لها رؤية واسعة فى كل الأمور الحياتية، فهى فيلسوفة في المقام الأول وهذا نتيجة تخصصها في الفلسفة والعقيدة، وهى نموذج فريد للمرأة المسلمة فكرياً وعلمياً ودينيا، وبالرغم من نشأتها الصعيدية فقد ولدت في قرية «موشي» بمحافظة أسيوط، إلا أنها أكملت دراستها الأولى في المدارس الامريكية بمراحلها الأولى حتى التحقت فيما بعد بالأزهر، وقد شُغلت كثيراً بقضايا المرأة المسلمة دفاعاً عنها بما يتفق وشريعة الاسلام وقوانينه السمحة، وظل دورها منافحاً عن حقوق المرأة المسلمة في اطار الطرح الاسلامي لها والى جانب علمها فهى تملك كاريزما إنسانية عالية تنم عن طيبة وخلق كريم، استضافتنا في منزلها ومن ثم كان هذا الحوار: قلت لها في البداية نعاني في مجتمعاتنا من وجود مدارس كثيرة بين التجديد والغلو والتشدد فما السبب في كثرة هذه المدارس في رأيك؟ - أعتقد أن هذا يعود الى غياب الوسطية التي اشار اليها القرآن الكريم «وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناسويكون الرسول عليكم شهيداً» وللأسف نحن لا نعلم اليوم عن منهج الوسطية شيئاً، والذي هو قلب الشريعة الاسلامية حتى في الأحكام الفقهية والفتاوى، فهناك حديث يحذر من التنطع في القول أو التشدد في الرأي، فيقول الرسول مكرراً جملة واحدة ثلاث مرات «هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون.. هلك المتنطعون»، فالتنطع دائما ضد الوسطية والتي أكد عليها المولى عز وجل في كتابه الكريم، فالاسلام جمع بين وسطية المنهج والبعد عن التشدد، ولذلك فهو دين صالح لكل زمان ومكان، فباب الاجتهاد به مفتوح الى يوم القيامة بعيداً عن الغلو والتشدد والإلحاد. تلاحظ مؤخراً زيادة نشاط المرأة في الولوج الى مجال الدعوة الاسلامية فهل ترين أنها بالفعل حققت نجاحات في هذا المجال؟ - للأسف الشديد خطوات المرأة في هذا المجال بطيئة حتى أن البعض يعتقد أن دور المرأة في هذا المجال جديد عليها وعلى المجتمع الاسلامي بصفة عامة، لكن في الحقيقة فإن دخول المرأة حقل الدعوة الاسلامية ليس جديداً، بل كان موجوداً منذ زمن النبوة، وهو يأتي بدافع الحرص منها على خدمة الدين والمجتمع الاسلامي، فزوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن معلمات وداعيات بين النساء، وإذا رجعلنا للتاريخ الاسلامي فسنجد أن الكثير من النساء المسلمات كن راويات للحديث ومعلمات صاحبات فقه، ولابد لنا أن نؤمن أن المرأة الداعية مطلوبة في المجتمع ولها دور مؤثر، خاصة أن المرأة هي شطر المجتمع، وهي أساس النصف الآخر، فهى بحاجة دائما لم يرشدها الى أمور دينها في حياتها الخاصة والأسرية والعامة، ولهذا فالمرأة الداعية مطلوبة وهي الأكثر قدرة على معرفة تفاصيل الحياة النسائية، وتتفهم متطلبات المرأة اكثر من الرجل، كما أنها تزيل الشعور بالخجل عند المرأة من الاستفسار عن أمور دينها وشئونها الخاصة، وللأسف لا نري اليوم على الساحة الا عدداً قليلاً من الداعيات، بالرغم من أن هناك خريجات من الأزهر الشريف كثيرات، وبالرغم من ذلك فدورها مطلوب وضروري. هناك دعوات إصلاحية تأتي من الخارج الينا تطالب دائما بإصلاح شأن المرأة في مجتمعاتنا الاسلامية فما رأيك؟ - هذه مؤمرات تتخذ من نبرات الاصلاح ستاراً لها، ومن ثم لا يمكن لنا قبولها تحت أي مسمى فالاصلاح لا يكون إلا بنا ولا يأتي إلا منا وليس من غيرنا، ولابد أن يكون نابعاً من منهج عقيدتنا وشريعتنا، وهذه المؤامرات والدعوات التي تأتي لنا من الخارج صيغت وفقاً لمصالح القوى الكبرى من أجل الهيمنة والسيطرة على ثروات ومقدرات وثقافات الأمة الاسلامية وليست من أجل إصلاح شأنها، ولهذا أرى أن الاصلاح لا يأتي إلا من الاسلام ذاته بالعودة لمنهجه القويم في شتى العلاقات والمعاملات اليومية، وأتذكر مقولة قالها أحد المستشرقين بمجمع «كانتبري» أثناء محاضرة له في جامعة الأزهر، حيث قال: «لو أنصف المسلم وطبق شرع الله في علاقته بالمرأة لأسلم رجل الغرب ولو طبقت المسلمة ما طالبها بها الشرع لأسلمت المرأة في الغرب» ولدينا والحمد لله في شريعتنا طرق لإصلاح المرأة ما يفوق بمراحل هذه النعرات والدعوات الاصلاحية التي تصدر لنا منا الخارج، لكن الأهم من ذلك هو إخلاص النية واتباع شرع الله في كل ما يخص شئون المرأة في شتى المجالات. بصفتك أستاذة أزهرية جليلة كيف ترين دور الأزهر الشريف كرائد للوسطية في العالم؟ - أؤكد دائما أن الأزهر منبر الوسطية في العالم كله، وأتمنى أن تقوم المؤسسة الدينية الأولى في العالم بتفعيل دورها وتعود مرة أخرى لقيادة العالم الاسلامي وإلى الوسطية في الاسلام، وأن تبتعد عن التشدد لكنني أعيب على الأزهر أنه منح فرصة أكبر للزحف السلفي على الأزهر بمنهجه المتشدد ولهذا فلابد من التصدي لكل فكر منحرف أو ضال أو شاذ أو بعيد عن الوسطية والاعتدال والتي هى منهج الأزهر الشريف الدائم. أخيراً.. ما أهم القضايا التي تحظى باهتمام المجلس القومي للمرأة في مصر بصفتك من أبرز عضواته؟ - نحن نعمل أولاً وأخيراً لصالح الأسرة المصرية وبناء المجتمع ومستقبله، والمجلس سيهتم بمشاريع قومية على رأسها مكافحة ومحو الأمية وإنصاف المرأة طبقاً لقواعد الشريعة الاسلامية، فلا توجد أي مواثيق دولية أو أية أحزاب أو تيارات سياسية أنصفت المرأة كما أنصفها الاسلام لأن هناك قضايا شرعية خرجت من مسارها الصحيح وتدخل فيها الأعراف والتقاليد مما تسبب في مشكلات كثيرة جداً نعاني منها في مجتمعاتنا.