يثبت فيلم "أسطورة طرزان" قدرة هوليوود الفائقة علي إعادة انتاج قصص قديمة يعرفها جمهور السينما في العالم ولكن بأساليب مبتكرة قادرة علي إعادة جذب المزيد من الجماهير لأن ذاكرة المشاهد مازالت تحتفظ بصورة طرزان ابن الغابة ذلك الإنسان الذي عاش وسط الحيوانات وأصبح واحداً منهم يتمتع بالقوة العضلية ويطلق صيحته الشهيرة ليصفق جمهور الفتيان من المراهقين. لكن في مطلع هذا الشهر قدم المخرج الأمريكي ديفيد ياتس نسخة جديدة من طرزان مع كاتبي السيناريو آدم كوزاد وجريج بروير وقد أضافا للقصة الأصلية التي كتبها إدرجار رايس الكثير حتي جعلت من طرزان شخصية لها تاريخ مثل سوبرمان ولها ابعاد فلسفية وسياسية ايضاً وهي اضافات لم تخطر علي بال أحد تماماً مثلما فعل توم ستوبارد في كتابته لفيلم "شكسبير العاشق" للمخرج سام منديز بعد ان اكشتف وجود 7 سنوات مجهولة في حياة شكسبير فجعلها السنوات التي شهدت قصة حبه العنيفة والتي كبت بعدها "روميو وجولييت" وهو استخدام للخيال ليس أكثر. إذن عاد طرزان إلي الحياة علي الشاشة وهو مواطن بريطاني يعيش في لندن عام 1890 بعد ان عاد من الغابة وأصبح اسمه جون كلايتون ونتذكر معه كيف كان يعمل والداه في التنقيب عن ألماس في الكونغو وانهما ماتا في هجوم لقردة متوحشة وتركا طرزان طفلا رضيعاً اشفقت عليه غوريلا وقامت بتربيته مع أبنائها بعد ذلك احب جين ابنة مدرس اللغة الانجليزية "مارجوت روبي" وتزوجها وعاشا في لندن ولم ينجبا إلا بعد الحياة في أفريقيا أرض الخصوبة. في تلك الفترة كان صراع الدول الاستعمارية الأوروبية علي أشده للسيطرة علي كنوز أفريقيا حيث مناجم الذهب وألماس والفحم وتسعي بلجيكا للسيطرة علي الكونغو من أجل العاج وألماس لذلك ظهرت شخصية ليون روم "كريستوفر والترز" الذي يتاجر في البشر ويخطف الشباب الأفريقي ويبيعهم كعبيد في أسواق أوروبا وأمريكا وغير ذلك في خدمة الملك ليوبولد ملك بلجيكا. يسافر إلي لندن المغامر الأمريكي الأسمر جورج ويليامز "صموئيل جاكسون" ويحث طرزان علي العودة إلي أفريقيا لوضع حد لأطماع بلجيكا وحماية أهل الكونغو من الخطف والعيش في حياة العبودية وبالطبع فإن طرزان يمثل الرجل الابيض القوي الذي يعمل علي خلاص السود الافارقة من الاستعمار ولكن الحقيقة المؤكدة ان طرزان يمثل هو الآخر الاستعمار البريطاني خاصة بعد عودته إلي لندن وعمله مع الشركات الكبري التي تذهب لأفريقيا من أجل المواد الخام. معني ذلك ان فيلم "أسطورة طرزان" قدم الكثير من الحقائق حول العلاقة بين أوروبا وأفريقيا في تلك المرحلة ولكنه قدم بعض الأكاذيب التي تجعل من طرزان مبعوث الرب لخلاص أفريقيا نعم سوف تنجو من البلجيك والفرنسيين ولكنهم سيقعون تحت رحمة الانجليز والأمريكان وان كان ذلك من طبيعة الأشياء لأن الفارقة غير قادرين علي التصنيع أو التسويق للعاج و ألماس بعد تصنيعه بالاضافة إلي أنه ليس لديهم مشترون اساسا لأنها من السلع الغالية لذلك فإن احتياجاتهم للغرب الاستعماري ضرورة سواء كانوا بلجيكا أو انجليز. إلي جانب كل ذلك قدم الفيلم العديد من مشاهد الحركة وبعض المغامرات في الغابة والمخرج ديفيد ياتس اخرج من قبل 4 أفلام من سلسلة "هاري بوتر" لجي كي رولينج لذلك يجيب تقديم المشاهد غير المألوفة مثل أول مشهد للقاء طرزان مع الحيوانات المفترسة في الغابة وكأنهم نوع من القطط الأليفة كذلك تواصله مع الأفيال وتفاهمه مع الغوريلات وتعاون جميع الحيوانات معه من اجل انقاذ العبيد السود وألماس. من الممكن ان نغفر لديفيد ياتس بعض الاكاذيب الهوليودية حول شرف ونزاهة الرجل الابيض في مقابل الاستمتاع بالسينما ثلاثية الابعاد الراقية الجميلة التي تستحوذ علي قلوب وعقول الجماهير مع مدير التصوير البريطاني الكبير هنري براهام وغير ذلك من العناصر الفنية المتألقة الأخري. تبقي الاشارة إلي الأداء التمثيلي المتميز وبراعة اختيار الكسندر سكارسجارد في دور طرزان ومارجوت روبي الرائعة وصموئيل جاكسون وكريستوفر والترز بالاضافة إلي موسيقي جورج ويليامز وجميعهم أعادوا الحياة لطرزان ليس بالطريقة المملة المكررة ولكن في إطار درامي تشويقي معتدل قدم الجودة الفنية إلي جانب الأكشن والمغامرات التي يعشقها جمهور السينما حول العالم.