لست مع إلقاء خطبة الجمعة قراءة من ورقة معممه علي العاملين بالمساجد من وزارة الأوقاف وكلمة العاملين هذه لأن ملقي الخطبة لم يعد خطيبا هنا وإنما ناقل يجيد القراءة من ورقة. أما اعتراضي فلأن هذا السلوك يفرغ لقاء الجمعة من مقصوده المتمثل في تجديد الخوف والرجاء في قلب الجمهور وتذكيره بما قد تنسيه اياه شواغل الحياة من مراقبة لسلوكه وهو لقاء تفاعلي بين واعظ يذكر الناس بلغة وإسلوب إلقائي به ما به من عوامل التأثير المتنوعة وجمهور ينتظر كل جمعة الشيخ العالم الذي يملك أدواته ويختلف في فنه عن غيره من الخطباء الاخرين اختلافا قد يكون من أسبابه طبيعة هذا الجمهور وثقافته ومستواه الاقتصادي. كما أن التفاعل المطلوب في هذا اللقاء لا يتحقق إلا بمواجهه وبلغة خاصة بكل إمام تخرج من قلبه وعقله تفوح منها رائحة روحه وتقواه وخوفه علي من يعظه وحرصه علي إقناعه وفرق كبير بين رجل يقرأ من ورقة لا علاقة له بها سوي بقراءتها. بل قد يكون معترضا علي مستوي ما تتضمنه من أسلوب وثقافة وبين رجل يقول ما يعتمل بنفسه من صدق وثقافة وفن في الوصول إلي مستمعه بل ما يؤثر فيه لحظياً من يقظة الجمهور أو إعراضه. لا أعرف من أشار أو اقترح هذا الاقتراح التي جاءت أسبابه واهية تماما حيث قيل إن بعض الأئمة لا يستطيعون السيطرة علي أنفسهم فيطيلون. ولكي نجعل المنابر خالصة للدعوة بعيدا عن السياسة. ومن يعود إلي الاسباب التي دعت إلي توحيد موضوع الخطبة منذ قرابة العامين وكتابة عناصرها ونموذج لها علي موقع الوزارة يجدها نفس الاسباب التي قيلت في الدعوة إلي إلقاء الخطبة من ورقة تكتبها الوزارة إذن لم يعالج توحيد الخطبة ما كانت تشكو منه الوزارة وبالتالي لن تعالج الورقة المكتوبة ما تشكو منه الوزارة الان وعليه فقد نجد اقتراحا ثالثا بعد عام مثلا من إلقاء الخطبة مكتوبة يتمثل في توزيع الخطبة علي المصلين دون إلقاء لأن بعض الائمة لا يسيطرون علي انفسهم فيقومون بالضغط علي كلمات وحروف ورفع الصوت في جمل وخفضه في جمل مما يعطي ايحاءات سياسية أو يطيل زمن الخطبة علي المصلين وعليه فإن توزيع الخطبة علي رواد المسجد وقرائتها في صمت هو الأولي. إنني أري أن منطق التضييق ليس حلا مطلقا فإذا تأملنا تداعيات إلقاء الخطبة مكتوبة فنجدها كثيرة وخطيرة فالوزارة لا تضع في اعتبارها المسئولية الثقافية التي تمثلها خطبة الجمعة في تكوين الثقافة الجمعية كما أن من آليات ذلك شخصية الخطيب وقدرته علي التواصل وهو أمر من شروط اختيار الإمام بالاوقاف فيما يعرف بالهيئة ومن لوازم قدرته معرفته بطبيعة هذا الجمهور؟ كما لم تضع في اعتبارها المنافسة الكبيرة بين ائمة الاوقاف أو علماء الازهر وآخرين يتم اعدادهم اعدادا جيدا من شأنه أن يقضي علي إمام الاوقاف تماما من حيث الامكانات ويصبح بلا تأثير يذكر وقد يأتي من يقترح وله الحق في ذلك بعدم الحاجة إلي تعيين أئمة بالاوقاف وتكليف بعض عمال المساجد القادرين علي القراءة أو بعض موظفي الوزارة بإلقاء الخطبة فالامر لا يعدو القراءة فقط وبالتالي فلسنا في حاجة إلي أصحاب مهارات أؤ ثقافات أو تخصصات وعليه فلسنا بحاجة إلي الكليات التي تخرج الائمة لأن الامر بسيط وسهل. إن فكرة إلقاء خطبة الجمعة مكتوبة من الخطورة بمكان علي كل المستويات بدءاً من الاثر الوعظي في نفوس الجمهور وانتهاء بقوة مصر الناعمة التي تتمثل فيمن نرسلهم إلي العالم الاسلامي من أئمة مفوهين حافظين للقرآن قادرين علي مواجهة الجمهور مدربين علي فنون الإلقاء ومتمرسين فيه. إذا كان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد وجه وزير الاوقاف الدكتور محمد مختار جمعة في لقائه الاخير به لرفع مستوي الائمة وتأهيلهم ليكونوا قادرين علي أداء وظيفتهم فنحن لا حاجة بنا إلي رفع مستواهم الان لانهم سيقرءون ما يكتب لهم. إنني اري أن الخطبة المكتوبة فتنة حقيقية لا تقل عن فتنة خلق القرآن التي عاني منها العالم الاسلامي سنين عددا وراح ضحيتها علماء أجلاء فضلا عمن عذبوا منهم أما الخطر الاكبر التي تمثله هذه الفتنة فهو القضاء علي قوة ناعمة وجيش جرار من الخطباء القادرين علي توصيل وسطية الاسلام كل بمنهجه وطريقته ولا يخفي علي كثيرين أن علماء كبار يعيشون ويموتون لا يشعر بهم إلا تلاميذهم القلة وأن خطباء يملكون زمام الكلمة فيسيطرون علي قلوب الملايين ويستطيعون في لحظات الشدة أن يطفئوا الحرائق وليس بعيدا ما قام به الجيش في اوائل ثورة 25 يناير من الاستعانة بالشيخ محمد حسان في إطفاء فتنة طائفية كادت تعصف بالمجتمع ولم يستعن بعمداء الكليات أو رؤساء الجامعات.