** تولي الديانتان الإسلامية والمسيحية قيمة كبيرة للأطفال وأهمية تربيتهم وسط بيئة تنعم بالأمان والحماية والأخلاق والمحبة ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع وتأكيدا لذلك تعاون علماء الدين والخبراء من جامعة الأزهر والكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية في وضع ثلاث إصدارات هم المنظور الإسلامي لحماية الأطفال من العنف والممارسات الضارة والمنظور المسيحي لحماية الأطفال من العنف والممارسات الضارة. إضافة إلي إصدار مشترك هو السلام والمحبة والتسامح واشتملت الإصدارات علي رسائل أساسية لحماية الأطفال من العنف والممارسات الضارة. كانت موضع اتفاق بين الديانتين وهذه الرسائل هي: ما مظاهر العنف ضد الأطفال وحمايتهم وحقوقهم في الإسلام والمسيحية؟ زواج الأطفال والزواج القسري ختان الاناث / التشويه التناسلي للاناث التمييز بين الأطفال عمل الأطفال الإساءة الجنسية للأطفال غياب المظلة الأسرية وأطفال الشوارع العنف في الأسرة ضد الأطفال العنف في المدارس والمؤسسات التربوية استغلال الأطفال في النزاعات المسلحة وغيرها الإتجار بالأطفال العنف ضد الأطفال من خلال التليفزيون والإنترنت. وسنتناول رسالتين من الرسائل الأساسية للإصدارات ونناقشها بشكل مفصل لتلافي النتائج المرعبة حال استمرارهما في حياة البعض باعتبارها من أشكال العنف ضد الطفولة. رحمة.أ.ح معلمة للغة العربية بإحدي مدارس مركز الفيوم تقول: لاحظت غياباً متكرراً للتلميذة أ.م.ع بالصف الخامس الابتدائي فسألت زميلاتها في الفصل قالوا لا نعرف عنها شيئا. وهذه البنت تعد من المجتهدات بالفصل لذا سألت عنها وأبلغت الإدارة فأرسلت إنذارا بالغياب ولم تحضر ثم إنذارات آخر فحضرت أمها للمدرسة وجاءت إلي فصل التلميذة وقابلتها متسائلة أين البنت؟ أهي مريضة؟ أم حدث لها مكروه؟ فأجابت الأم بل حدث لها كل الخير البنت اتخطبت وخلاص "ومش ضروري إنذارات ولا كلام" لم أصدق أذناي فالتلميذة ابنة ال 10 سنوات "اتخطبت" وأهلها يعدوا العدة لزفافها لعريس الهنا!! حاولت التفاهم مع الأم بشأن الانتظار بالعريس حتي تنضج البنت جسمانيا وقوي عودها وتصبح قادرة علي تحمل تبعات الزواج وذكرتها بالمثل الذي يقول "حمل جثة ولا تحمل روح" ولكن هيهات وحذرت الأم من مرارة التجربة لزواج البنت ونهايتها المريرة مثل زيجات عديدة فشلت بسبب صغر السن للفتيات. فزعقت في وجهي قائلة "ماتبشريش علي بنتي بالفشل". وتركت المكان وهي تتمتم بكلمات كلها تعنيف لي وتقريع وأنا تراءت أمامي صورا لفتيات ظلمهن الأهل وزوجوهن صغارا وكانت النتيجة عودتها مكسورة وحزينة لبيت الأسرة وعلي كتفها طفل وتحمل الثاني في أحشائها. وهي لم تصل بعد إلي السن القانوني للزواج! ولا عزاء لحقوق الأطفال. ** حورية.م.أ 19 سنة من قرية بيهمو بالفيوم أم لطفلين وتذرف من كل عين بحرا من الدموع فهي الآن لا تجد لحالتها توصيفا دقيقا فالمرارة في حلقها والحزن يكمن في القلب وعاجزة أمام صغيريها لاستخراج شهادتي ميلادهما. فقد تركها الزوج بعد أن نعق غراب البيت في حياتها. فقد تزوجت قبل أن تتم 16 سنة بدون عقد زواج علي أن يتم العقد بعد اتمامها للسن القانونية وهي 18 سنة ووعد العريس أمام الأهل والأقارب والناس كلها بأن يتم ذلك فهو ليس الأول بالقرية الذي يتزوج بهذا الشكل ولن يكون الأخير. وعلقت الزينات ونحرت الذبائح وأشهر الزواج بدون المأذون وحملت العروس وأنجبت طفلين الواحد بعد الآخر ولم تمر 3 سنوات علي الزواج حتي انقلب حال الزوج وبات كارها للزوجة والطفلين وكثيرا ما يترك البيت هربا منهم. حاول الأهل التوفيق بين الزوجين لكنه "ركب دماغه" هربا من مطالبات الزوجة بإتمام عقد الزواج لاستخراج شهادات ميلاد للطفلين إلا أنه أعلن التمرد والعصيان فلا هو معترف بالزواج ولا الطفلين. وعادت حورية لمنزل أهلها ومعها طفليها. وتنتظر أن تفلح محاولات كبار البلد في إقناع الزوج بإتمام عقد الزواج! وتستخرج شهادات ميلاد للطفلين!!! * الدكتور أسامة العبد رئيس جامعة الأزهر السابق يوضح اننا لم نجد في الشريعة الإسلامية تحديدا لسن الزواج ولكن وجدنا معيارا لا يتغير ألا وهو إيناس الرشد يقول سبحانه وتعالي "وابتلوا اليتامي حتي إذا بلغوا النكاح فإن أنستم منهم رشدا فإدفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافا وبدارا أن يكبر ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف فإذا دفعتم إليهم أموالهم فاشهدوا عليهم وكفي بالله حسيبا" سورة النساء. فهناك فرق بين البلوغ والاكتمال والتهيؤ الجسدي بين الصلاحية والرشد لإدارة شئون الحياة الأمر الذي يتفق وما تحتاجه التكاليف المطلوبة من الزوجين من بصيرة وتعقل ويتعارض منطقيا مع زواج الصغار المعروف بالزواج المبكر. فكتب الفقه الإسلامي عامة عندما يعبر بالصغار فإنه يكون المراد بهم من هم دور سن البلوغ وتبين نصوص التشريع انه قبل البلوغ لا يكون الإنسان مكلفا بالتكليفات الشرعية كالصلاة والصيام والحج. وذلك لأن الأحكام الشرعية تتوجه إلي البالغ فلا يكلف بها غير البالغ. قال الرسول عليه الصلاة والسلام "رفع القلم عن ثلاثة الصبي حتي يبلغ وعن النائم حتي يستيقظ وعن المجنون حتي يفيق" فالزواج مسئولية دينية واجتماعية تقتضي قدرة واستطاعة وموافقة علي القيام بأعبائها من قبل الزواج والزوجة فلا يصح أن يكلف بها الأطفال.. والإسلام برئ من هذه العادة إذ لم يأت ذكر التبكير بالزواج في قرآن يتلي فلم نجد تحديداً لسن الزواج ولكن وجدنا معيارا لا يتغير وهو اناس الرشد. * الأنبا يوليوس أسقف الخدمات العامة والاجتماعية بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية أكد أن الكنيسة لا توافق علي الزواج المبكر لأن الشاب أو الفتاة لم ينضجا النضج الجسدي والنفسي والعقلي والروحي الكافي لاختيار شريك الحياة المناسب. ويترتب علي الزواج المبكر مشاكل كثيرة قد تدمر الأسرة. وخاصة المشاكل الصحية للزوجة. لذلك فمن الخطأ أن يتم الزواج بين أشخاص غير أكفاء لحمل مسئولية تربية جيل جديد فيلزم أن يتصف الزوجين بحسن التدبير وفهم جيد للأمور فالزواج ينبغي أن يبني علي أساس من التوافق والموافقة وأن يوجد بين الزوجين توافق ديني وروحي. توافق في الفكر والثقافة في المبادئ والتقاليد وطريقة الحياة. والمسيحية لا تعترف بزواج الأطفال ولا الزواج القسري ولا زواج الصفقة "الصيفي". وذلك لطبيعة الزواج المسيحي وقد سيته. والأضرار الناجمة عن هذه الأنواع من الرواج. ولذلك فإن سن الزواج يبدأ بعد ال 18 عاما. والكتاب المقدس يذكر "هل يحل للرجل أن يطلق امرأته لأي سبب؟ فأجاب وقال لهم: أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثي". وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا إذاليا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" متي 19 : 3 .6 * أما الرسالة الثانية من الإصدارات فهي حول ختان الاناث وفي ذلك تقول الدكتورة منيرة جاد أستاذ النساء والتوليد بكلية طب البنات بجامعة الأزهر أن الختان للاناث يشوهن جسديا ونفسيا. ولا يوجد له أي مبرر طبي ولا سند ديني فضلا عما يترتب عليه من أضرار صحية ونفسية تحرمه الشريعة الإسلامية والبلاد التي تجري فيها عملية الختان تنتشر فيها كثير من المفاهيم والمعتقدات الخاطئة منها أن هذه العملية للتجميل أو إزالة زوائد أو "لكبح غريزة الأنثي" في حين ان الحقائق الطبية تؤكد أن الأعضاء التي تزال ليست زوائد وأن لها وظائف محددة للحفاظ علي الصحة العامة. وعملية الختان للاناث لم تذكر علي الإطلاق في القرآن الكريم كما أنه ليس في مروريات الحديث دليل واضح صحيح السند يمكن أن يستفاد به حكم شرعي في مسألة بالغة الخطورة علي الحياة كهذه المسألة. ولا يوجد إجماع عند الفقهاء لقد خلق الله الإنسان في أحسن تقويم وان تبرأ أو قطع أجزاء مهمة من الجسم هو تغيير لخلق الله وليس من فضائل الأعمال. وقد صح عن الرسول عليه الصلاة والسلام انه قال "لعن الله المغيرات لخلق الله" وقال سبحانه وتعالي "إن يدعون من دونه إلا إناثا وإن يدعون إلا شيطانا مريدا. لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصيبا مفروضا. ولأضلنهم ولأمنينهم فليبتكن آذان الأنعام ولآمرنهم فليغيرن خلق الله ومن يتخذ الشيطان وليا من دون الله فقد خسر خسرانا مبينا" سورة النساء وينبغي عليها أن تتق الله في تربية البنات علي الدين الصحيح والخلق القويم والتنشئة السليمة لأنها أساس ضبط النفس وتهذيب الغرائز. فالتشريع الإسلامي وضع لتحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم والشريعة كلها إما أن تدرأ مفاسد أو تجلب مصالح وقوله تعالي "كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض". ولنا في رسول الله الأسوة الحسنة فقد خلت سيرته العطرة التي سجلت كل تفاصيل ودقائق حياته وأهل بيته انه لم يرد ما يشير إلي أنه ختن بناته أو زوجاته أو أيا من أهل بيته من النساء. * دكتورة أسماء عبدالرحمن مدرس الأدب الشعبي بكلية التربية جامعة جنوب الوادي تري أن عادة ختان الاناث بدأت تندثر في الصعيد نتيجة لزيادة الوعي. وحتي لو أجريت في بعض المناطق فتتم في الخفاء وعلي يد طبيب وبمقابل مادي كبير ويحضر إلي البيت ليكشف علي الحالة ويقرر إذا كانت تحتاج إلي عملية ختان أم لا. والأطباء أنفسهم أصبحوا يحسبون ألف حساب للابلاغ عنهم بعد وجود القوانين التي تجرم هذا الإجراء. وهذا تحول مهم جدا في الصعيد بعدما كان الأمر يتم بشكل احتفالي للذكور والبنات أيضا. وهذا التحول بسبب زيادة الوعي وخاصة الوعي الديني والخطاب المعتدل لأئمة المساجد وارتفاع نسبة التعليم إلي حد ما في الأسرة الصعيدية. * الدكتورة أميمة عمران أستاذ ورئيس قسم الإعلام بجامعة أسيوط تقول إن الظاهرة تتواجد حيثما قل التعليم وسيطرة العادات والتقاليد علي الناس وهذا غالبا ما يكون في الريف والمناطق الشعبية. فالناس مازالت بحاجة لمزيد من التوعية من رجال الدين والطبيب المدرب ولديه ثقافة دينية واجتماعية فعليهما مسئولية مجتمعية لمواجهة المفاهيم والموروثات المغلوطة. فيجب أن تكون هناك توعية ودورات تدريبية مستمرة للأطباء لمواجهة التقاليد الخاطئة والعادات المهنية للبنت بالعلم والمنطق ونحن علينا أن نعيد أي شيء نختلف عليه لأهل العلم والفتوي فمثلما يحدد الطبيب للمريض صيام رمضان من عدمه. كذلك يمكن للطبيب أيضا الاحتكام إليه عند إثارة مسألة الختان للاناث في المكان والمجتمع الذي يعمل فيه. وعلي ضوء ما يراه من ضرورة صحية للحالة يكون قراره بالإجراء للخفاض أو التهذيب أو التجريم لإجراء أي بتر لجزء من جسم الأنثي. تدين الكنيسة القبطية المصرية عملية ختان الاناث وتعتبرها خطأ وخطيئة وتعمل جاهدة علي التوعية بخطورة هذه العادة ومنعها من خلال برامج للتوعية سواء للوالدين أو للفتيات اللاتي في سن خطر الختان أو إصدار نشرات وكتيبات أو برامج تدريبية للتوعية تدرس بمدارس الأحد ضمن برامج شاملة عن الثقافة الجنسية. وأدخلت الكنيسة برامج الثقافة الجنسية "الصحة الإنجابية" في مناهج التربية الكنسية مع الموضوعات التي تتعلق بالعفة والطهارة حتي تربي جيل يسمو فوق الشهوات الجسدية المسيحية تؤمن بأن التربية لا تتم من خلال العنف بأي صورة من صوره. وإنما من خلال التربية المتوازنة للعقل والروح والنفس والجسد. بالإضافة إلي أن الكنيسة أدخلت في برامجها التعليمية برامج المشورة الأسرية. كما أن هذه المؤسسات تعمل أيضا علي مناهضة الختان من خلال التوعية بخطورته من خلال عقد الورش والمحاضرات وغيرها من الأنشطة التوعوية والحقوقية. وعلي الرغم من كافة الجهود التي تقوم بها الكنيسة ومؤسساتها الخدمية. إلا أنه مازالت هناك حاجة ماسة إلي تعميم تلك الجهود ولا سيما في المناطق الريفية والعشوائية التي ترتفع فيها الأمية والتي مازالت تلعب فيها التقاليد والمعتقدات الشعبية دورا في استمرار ممارسة الختان للاناث دورا كبيرا. والمسيحية تقدس الجسد وترفض أن يضر الإنسان الجسد بأي شكل من الأشكال "إن كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله لأن هيكل الله مقدس الذي أنتم هو" رسالة كورنثوس الأولي 3 : .17