اتسمت الحياة في مصر. في أغلب الأوقات. بالسماحة الدينية والإنسانية. واتساع الأفق والروح. حتي وُصفت مصر بأنها "بوتقة" لصهر الأجناس والأديان والأعراق والملل. ورغم بعض الأصوات النشاز. التي كانت ترتفع في فترات الاضطراب. تلك التي كان يسميها المفكر المصري الكبير الراحل "د. أنور عبدالملك". "فترات التوهان". حين تُفتقد "البوصلة" الصحيحة للحركة. فلم تعرف مصر تمييزا حقيقيا بين مسلم ومسيحي ويهودي. بل كانت مصر. والمنطقة العربية والإسلامية. "الملاذ الآمن" لليهود. حين تعرضوا لمذابح واضطهادات لا حد لها في البلدان الغربية والشرقية! وفي مصر التي وُجد فيها اليهود. في العصر الحديث. منذ مئات السنين. عاشوا كما يعيش المصريون. وتفاعلوا مع مجتمعهم. وتطبعوا بعاداته. واندمجوا في شتي مناحي الحياة فيها. فكان منهم التجار والماليين والعمال والموظفين. والفنانون الكبار. ك "أبي نظارة" "يعقوب صروف" الأديب والصحفي والمسرحي والساخر. والملحن الموسيقي "داود حسني". والممثلة "نجمة إبراهيم". والفنان والملحن "منير مراد". وأخته الفنانة والمغنية المبدعة "ليلي مراد". فضلا عن المئات غيرهم. نبغوا في كل فنون العلم والفن والمعرفة والإدارة. باعتبارهم مصريين في المقام الأول والأخير. كالمصريين الذين اعتنقوا الإسلام. أو أولئك الذين دانوا بالمسيحية. وعاشوا دون اضطهاد أو تمييز. وكانوا جزءا لا يتجزأ من جهد مصري جبار. للنهوض وتجاوز التخلف. بالعطاء والإبداع! واستمر هذا الوضع إلي أن ظهر إلي الوجود النزوع الصهيوني. الذي استغل صعود موجات العنصرية ضد اليهود. واتجه إلي الاندفاع نحو الوطن العربي "أرض اللبن والعسل.. والنفط" بتشجيع من القوي الاستعمارية الغربية. التي تآمرت معهم لاغتصاب أرض فلسطين. من أجل إنشاء "الوطن القومي المزعوم". وتفتيت دول المنطقة وتفكيك لحمتها. وقد أدت تدافعات الأحداث التي ترتبت علي العدوان الصهيوني المستمر علي الوطن العربي. والحروب الدائمة التي شنتها الدولة الصهيونية المغتصبة علي أهل المنطقة. إلي هجرة وتهجير الآلاف من اليهود المقيمين في مصر وأنحاء أخري. إلا قلة قليلة رفضت أن تغادر وطنها. التي آمنت به. وارتضت العيش علي ترابه. وأبت أن تتخذ مكانا غيره موطنا وموئلا. حتي تموت فتدفن. كملايين المصريين. في ثراه الطيب. ومن هؤلاء أسرة محام يهودي كبير انتمي للفكر اليساري. وأوقف سنوات عمره علي الدفاع عن فقراء العمال والفلاحين والمهمشين. بلا مقابل. ودفع ثمن انتمائه أغلي سنوات عمره في المعتقل وتحت التعذيب. دون أن يجعله ذلك يكفر بمصر أو ينقلب إلي المعسكر المضاد. بل كان من أنشط المصريين في العمل ضد النشاط الصهيوني. ومساندة حق الشعب الفلسطيني. في أرضهم ووطنهم الذي سلبه الصهاينة. وحولوه إلي ثكنة عسكرية. خدمة لأغراض الاستعمار والنظام الرأسمالي العالمي. هذا المحامي الوطني التقدمي. هو الراحل "شحاتة هارون". الذي تترأس ابنته. السيدة "ماجدة هارون". ما تبقي من "الطائفة اليهودية" في مصر.