الكاتب المسرحي "سليم كيتشنر" من مواليد القاهرة عام 1959 بدأ حياته مخرجاً بفرق الثقافة الجماهيرية قبل أن يتفرغ للكتابة وأخرج لها شهرزاد توفيق الحكيم وملك الشحاتين لنجيب سرور والعادلون لألبيركامي.. عضو اتحاد الكتاب ونقابة المهن السينمائية. له مسرحيات منشورة "مربط الفرس وامبراطور الكدابين وحق عرب والأراجوز ومازالت الأرض تدور والعربة وآكل الحشرات والضفة الأخري والأرض بتتكلم أنين" وعرضت له مسرحيات "البيضة والحجر وعنتر زمانه ضاع ومربط الفرس وامبراطور الكدابين ولد من قلبي والأراجوز وحق عرب". حصل سليم كيتشنر علي جوائز التأليف المسرحي للشباب عام 1991 عن مسرحية "الأراجوز" من المجلس الأعلي للثقافة ومنح التفرغ من 1993 حتي 2013 وجائزة الدولة التشجيعية عام 1999 عن نص "ومازالت الأرض تدور" وجائزة ساويرس الثقافية عام .2013 سليم كيتشنر كاتب له منهجه الخاص واسلوبه الذي يميزه فكان معه هذا الحوار. * يمر الكاتب بعدة مراحل تتسق مع العمر والنضج الفني والميول والانتماءات الفكرية المتغيرة. هل مررت بمثل هذه المراحل؟ ** نعم ثلاث مراحل متتالية وان تداخلت قليلاً الأولي مرحلة البحث عن شكل عربي للمسرح وقد بدأت هذه الدعوات في الستينيات من القرن الماضي. أسهم توفيق الحكيم في تأسيسها بكتابة "قالبنا المسرحي" ويوسف ادريس في ثلاثة مقالات بعنوان "نحو مسرح عربي" والدكتور علي الراعي في ثلاثة كتب جمعت في كتاب "المسرح الشعبي". وتلي ذلك محاولات جادة من كتاب المسرح كان أروعهم محمود دياب في نصيه "ليالي الحصاد" و"الهلافيت" وفي استلهام التراث كان ألفريد فرج في "حلاق بغداد" ونصوص أخري تتبعت خطي هؤلاء وبدأت بنص "مربط الفرس" الذي يجري عرضه داخل "جرن" ونجح العرض في فرق الثقافة الجماهيرية فأعدت التجربة في نص "حق عرب" الذي يعرض في خيمة بدوية أو قاعة اجتماعات البدو مستلهماً القضاء العرفي مناقشاً التناقضات العربية العربية ونجح العرض علي أيدي المخرج الكبير عباس أحمد فأعدت الكرة في نص ثالث هو "العربة" قرأت "هيدنجتون" صاحب مصطلح "صراع الحضارات" الذي وصف تطور دول العالم الأول بالقطار السريع ووصف بلادنا بسيارة عقيقة ويتعرض نصي لسيارة خربة ملقاة في أحد أركان بلدة ريفية يلتقي عندها أطفال القرية ليلعبوا ويأتي الحاوي الذي هو أحد مواطني البلدة المطرود منها ظلماً وعدواناً. يأتي متنكراً في زي الحاوي لتبدأ اللعبة في الشارع ويشتبك الرجل مع مواطني البلدة في أمورها الحيوية والملحة حالمين جميعاً أن يتمكنوا من إصلاح العربة لتنطلق مرة أخري علي الطريق. المرحلة الثانية مرحلة النصوص الفكرية "ومازالت الأرض تدور" الذي يعالج موضوع التطرف الفكري ودعوات العنف ملقياً الضوء علي انتماء المتطرفين إلي كافة الأديان محورين النصوص السمحة لتماثل أهواءهم ونص "الضفة الأخري" الذي يناقش قبول الآخر واحترام اختلافه في تعايش سلمي ونص "آكل الحشرات" حرية الفكر واحترام الكلمة وإرهاب الدولة أحياناً للكتب والصحفيين. أما المرحلة الثالثة الحالية متمثلة في نصوص "الورطة" و"موت إكلينيكي" هي مرحلة العودة لالتزامي الأصيل ككاتب يساري ينتمي للفقراء ويجيد التعبير عنهم أطرح أسئلة تخص المسألة الطبقية التي تتسم بملامح إنسانية أحاول الدفاع عن أبناء هذه الطبقة المهمشين منهم بشكل خاص وقد شغلوا حيزاً كبيراً في الخريطة الطبقية لهذا الوطن أشخص طموحاتهم وأحلامهم في سيادة العدالة الاجتماعية الغائبة. * حصلت علي أكثر من جائزة مهمة. ماذا تمثل لك هذه الجوائز؟ ** من المفترض أن تعطيني هذه الجوائز إشارة عن صحة اتجاه البوصلة من جهة وتساعدني علي الحفاظ علي حماسي للكتابة من جهة أخري. خاصة ان الاحباطات التي تعترض طريقي لا حصر لها.. أيضاً أعترف ان كثيراً من الجوائز تذهب لغير مستحقيها. فهي من جهة ثالثة لا تعبر عن التفوق والتميز في معظم الأحيان فالثقة فيها أصبحت ضعيفة إلي حد كبير. * ألاحظ اهتمام مسرح الثقافة الجماهيرية بنصوصك وإغفال مسارح البيت الفني لها. هل تري سبباً لذلك؟ ** هذا صحيح فمنذ بداياتي في 1982 وحتي الآن لم يقدم البيت الفني للمسرح سوي نص واحد هو "الأراجوز" في مسرح الغد عام 2012 فقط. بينما مسرح الثقافة الجماهيرية قدم لي أكثر من عشرة نصوص وأتفهم تماماً ان نصوصي تسببت لمديري هذه البيوت إزعاجاً وقد أوكلوا بالقيام بدور الرقابة. إذ تتماشي نصوصي جميعها مع قضايا الوطن الساخنة ومفترض ان هذا طبيعي. لكن في ظل ما نشهده من زيف تصبح النصوص بهذه المواصفات غير مرغوب فيها. أيضاً حذا حذوهم المخرجون الذين يعرفون جيداً أمزجة هؤلاء المديرين فإما أن يقدموا لهم نصوصاً أجنبية حتي ان كانت جيدة. فالنقد الموجه لمجتمعاتها لا يخصنا وإما أن يقدموا نصوصاً مصرية أو عربية لا تزعج أحداً كنصوص مسرح العبث علي سبيل المثال. أيضاً هناك ظاهرة لافتة للنظر هي لهاث المخرجين الشبان خلف الشكل والشكلانية بمعني ان كل ما يعنيهم هو تقديم شكل مبهر متأثرين بعروض المسرح التجريبي وفي هذه اللحظة لا محل للإعراب عن قيمة النص المسرحي لا يهم ماذا يقدم في عرضه من قيمة فكرية أو فلسفية أو أيدولوجية. المهم عندهم هو الشكل وهي كارثة بكل المقاييس أن تفقد الكلمة قيمتها عند هؤلاء. * أري في حديثك تشاؤماً حول الحرية الممنوحة للمسرح في بلادنا؟ ** هذا صحيح والدليل هو فرار الجمهور من عروض مسرح الدولة التي لا تستعين بنجم وفي اعتقادي ان ذلك لا يرجع إلي عدم وجود النجم بل يرجع للموضوعات المطروحة في العروض حيث يري الجمهور انها لا تعنيهم في شيء لا تخص حياتهم. لا تهتم بهم فلماذا يهتمون بها. أظن ان التقصير من المسرحيين أنفسهم من مدير مسرح يخاف علي كرسيه إلي مخرج يأثر السلامة. إلي مؤلف يعاني من رقيب قابع داخله يحد من إبداعه. أو مؤلف يعي أصول اللعبة فيحتويها أو تحتويه من اللافت للنظر ان الصحافة المصرية من تسعينيات القرن الماضي وحتي الآن انتزعت حدوداً غير مسبوقة لحريتها رفعت بجهرها سقف الحرية الممنوح لها. المسرح لم يخط هذه الخطوات فظل علي حالةه راضياً بما آل إليه. وأظن كذلك ان هناك ندرة في كوادر المسرح المثقفة ثقافة حقيقية يمكن أن تأخذ علي عاتقها إنجاز مثل هذه المهمة. * يتأثر الكاتب والمثقف بشكل عام بمجمل ما قرأه. لكنه يهتم اهتماماً خاصاً ببعض الاتجاهات بمن اهتممت من كتاب المسرح؟ ** فضلاً عن كتابة الستينيات في مصر والوطن العربي. أكن احتراما خاصا لرافدين من روافد الفن المسرحي في العرب. الرافد الأول هو كتاب دول غربية قريبة منا مثل اسبانيا وإيطاليا.. فبيراندللو وباييخو مثلاً لهما تجارب رائعة قريبة جداً من الذائقة العربية وتمثل في نظري ابداعا راقيا لافتا ويجب أن نتوقف عنده كثيراً. الرافد الثاني هو كتاب اليسار الأمريكي آرثرميللر وتنس وليامز وإدوارد ألبي وأونيل وأعتقد ان أهمية هؤلاء ترجع إلي صدق تجاربهم. الفرق بين كتاب اليسار في أمريكا وكتاب اليسار في بلدان أخري. ان كتاب اليسار في أمريكا يعيشون التجربة الرأسمالية بكل توحشها يلامسونها عن قرب يعيشون بين ضحاياها ويجيدون التعبير عنهم. * دعنا نتطرق إلي منطقة أخري مختلفة من اهتماماتك وهي البحث في الثقافة الشعبية. ** اتخذ البحث عن الحقيقة منهجاً. أبحث أولاً لأثقف نفسي وأمتع ذهني وعندما أصل إلي نتائج أطرحها في مقالات أو كتاب أو دراسات ملحقة بكتب آخرين. اهتمامي بأشكال المسرح الشعبي كان المدخل الذي قادني إلي رؤية أوسع لكافة أشكال الثقافة الشعبية واهتممت بشكل خاص بالفلكلور القبطي لأنني أري ان الثقافة القبطية همزة الوصل بين المجد المصري القديم والواقع الحديث المراوغ ولأسد ثغرة في المكتبة العربية باعتبار هذه الثقافة ثقافة منسية حتي في المناهج التعليمية فمن المؤسف مثلاً أن يتوقف منهج التاريخ في المراحل الدراسية المصرية المختلفة عن انهيار دولة البطالة وانتصار أوكتافيوس علي أنطونيوس وكليوباترا في موقعة "أكيتوم" البحرية عام 31 ق.م ولا يبدأ مرة أخري إلا عام 641 ميلادية مع دخول العرب إلي مصر. * ماذا عن العمل الذي يشغلك الآن؟ ** قال الكاتب سليم كيتشنر: أعمل منذ ثلاث سنوات علي إنجاز كتاب بعنوان "مسرحيون في الحركة الوطنية" وهو بحث يحصر المسرحيين الذين تعرضوا للسجن والاعتقال والمطاردات البوليسية في الفترة من 23 يوليو 1952 وحتي 25 يناير 2011 وتأثير هذه الأحداث علي إبداعاتهم وحياتهم بشكل عام. ويرصد البحث ظاهرتين في غاية الأهمية. ظاهرة مسرح معتقل الواحات حيث قدم المسرحيون المعتقلون خمسة عشر عرضاً مسرحياً أثناء اعتقالهم وبنوا مسرحاً رومانياً بسواعدهم. قدموا عليه عروضهم وهي ظاهرة لم يلتفت إليها أحد.. والظاهرة الثانية إزعاج المسرحيين بالثقافة الجماهيرية لرأس السلطة عام 1977 علي خلفية معارضتهم لاتفاقية كامب ديفيد. وقد أقدم السادات حينها علي تفكيك جهاز الثقافة الجماهيرية ليتخلص منهم ومن نشاطاتهم وحولها إلي ما يسمي ب "المراكز الثقافية" ونقل تبعيتها إلي المحليات بدلاً من كونه جهازاً ثقافياً مستقلاً.