عرفناه من الأغاني.. والمواويل. كنا صغاراً نسمع ببطولة أدهم الشرقاوي. فنصدق محمد رشدي.. ومواله "أهل البلد جيل بعد جيل غنوه". ومع بدايات الوعي قرأت أن حكايته ملحمة.. فبحثت عن أصل الكلمة. ووجدت أنها من كثرة ما تتركه وراءها من لحم بشر.. هلك. وسألت نفسي: مَن الذي قتل كل هذا البشر. وجعل أدهم ملحمة؟!.. وتابعت التفاصيل لأجده أدهم نفسه هو من أراق الدم.. فحذفته مبكراً من سجل الأبطال. وتحول عندي إلي المسجلين خطر.. وتعالوا نقول: دراما من البداية.. لو نظرنا لدوافع مجرم وحولناها حسب رؤية كاتب ومخرج. سيتحول إلي مظلوم.. فقد عشنا نشير إلي ريا وسكينة كنموذج للإجرام.. وحين شاهدنا المسرحية. تعاطفنا. فهما ضحية زوجة أب قتلت الأم وشردت البنتين.. لتعيشا في الشوارع. والقاتلة ترتع داخل حضن أبيهما. وتبتزهما ليسددا لها كل قرش يكسبونه من محاولات بيع وشراء بسيطة. إنه نموذج لحياة معاناة قد تؤدي إلي إنسان كاره للحياة. فينتقم من الأحياء. وهو ما حدث مع ريا وسكينة. لكنهما ولأنهما فعلاً.. صارتا مجرمتين. لم تعفهم الظروف التي عاشتاها من أن يصدر القاضي حكماً بالإعدام.. فمن وصل للإجرام.. مجرم. ولأدهم الشرقاوي قصة قريبة الشبه.. فهو عاش المعاناة. لكنه حين تحول للقتل. غسلنا الدم.. وجعلناه بطلاً شعبياً. وهو مجرم رسمي. ترجمة ربما لأننا كنا نقرأ وقتها قصص "روبين هود" في التراث الإنجليزي. ذلك اللص الشريف الذي يسرق الأغنياء ويعطي الفقراء.. أو أنها الغيرة من وجود ترجمة لذلك في الفرنسية. فهو "آرسين لوبين" اللص الظريف.. إلا أن محاولة التمصير لم تخلق لصاً. بل إرهابي. ولنبدأ مع بدايات أدهم.. طالب أدخله والده المدرسة كسائر من هم في سنه.. طبعاً كأي أب حاول أن يدفعه دفعاً ليكمل. لكنه أخفق. ولم تستطع قدراته الوصول لأكثر من رابعة ابتدائي.. سقط. فاضطر أبوه أن يخرجه من المدرسة التي لفظته.. وأعتقد الوصف هنا هو.. طالب فاشل. لوحظ علي الولد في المدرسة وباقي سنواته العدوانية الواضحة.. فهو يتهجم علي كل من يقترب منه. أو هكذا نشرت مجلة اللطائف التي تابعت ما عليها من سيرة أدهم الذاتية. قاتل وحين بلغ سن 19 ارتكب جريمة قتل.. فتحول من لقب "طالب فاشل" إلي "قتَّال قُتلة".. وأثناء محاكمته في المحكمة. شهد أحد الشهود ضده.. وبغض النظر إن كانت شهادة حق أو هي زور. فلا يهمنا الشاهذ. وإنما التقييم لشخصية "أدهم" الذي تهجم علي عسكري الحراسة ليسلب سلاحه بغرض قتل الشاهد.. وهذه واقعة تضيف صفة جديدة "بلطجي". الثريا وحين حكم عليه بسبع سنوات أشغال شاقة. ارتكب وهو في الليمان جريمة قتل أخري. فأخذ مؤبد. ليصبح "سوابق". وأذكر مقطعاً من أغنية محمد رشدي "حكموا عليه يتحبس وحده في زنزانة. قام انتني وانفرد ما همه زنزانة. وقع حيطانها وهرب. والبحث جاري عليه".. ومنذ سمعتها للمرة الأولي قلت: سجين وهرب. لقد انتهت أحداث ثورة 1919 وغافل الحرس.. وقتها لم يكونوا قد اخترعوا "الثريا" بعد. لكنه لا يختلف عمن هربوا من سجونهم في 2011. حتي لو يعملها بدون.. ثريا. وظل يرتكب حوادث قتل ونهب وسط عصابة منظمة وادعي أن مقصده التنكيل بعمه وفصله من العمودية.. لكن حتي هذا لم يصل إليه. وظل عمه "العمدة" وهنا يصبح أدهم.. "زعيم عصابة". لقد روَّع الآمنين.. حتي تمكن البوليس من القبض عليه. وسجل أنهم وجدوا بحوزته مائة طلقة وسلاح.. هل انتابك نفس شعوري ناحية أدهم الشرقاوي وأعطيته لقبه الصحيح.. "إرهابي". خسارة خسارة أغاني عبدالحليم حافظ في.. أدهم.