يقول نبينا محمد "صلي الله عليه وسلم": "إن الله يبعث لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" "رواه أبوداود". غير أن بعض الناس قد يفهم هذا الحديث فهما غير دقيق بقصر معناه علي صورة العالم أو الفقيه مجدد. والحقيقة أن الأمر أوسع من ذلك. فالمجدد قد يكون عالما فقيها. وقد يكون حاكما عادلا. أو رئيسا أو قائدا. وقد يكون هيئة أو مؤسسة أو منظمة. أو هؤلاء مجتمعين. وهو ما نؤهله. إذ نطمح أن يسري التجديد المنضبط بضوابط الشرع والحفاظ علي ثوابته في دمائنا جميعا. فتصبح الرغبة في التجديد والوعي بأهميته سمة بارزة ومميزة وراسخة في النفوس. بحيث ننطلق معا من توديع مرحلة الجمود والانغلاق وانسداد الأفق الثقافي. والوقوف عند شواطيء الماضي. إلي الإبحار في الحاضر والانطلاق نحو المستقبل. في ضوء الحفاظ علي الثوابت وعدم المساس بها. في ثورة للدين وليست ضد الدين كما أكد السيد الرئيس في أكثر من حديث لبث الثقة والطمأنينة في نفوس المؤمنين. وقطع الطريق علي المزايدين والمشككين والمتربصين. علي أننا نؤكد بأن الله عز وجل لم يخص بالعلم ولا بالفقه ولا بالاجتهاد قوما دون قوم ولا زمانا دون زمان ولا مكان دون مكان. فقد دعا ديننا إلي التأمل و التفكير وإعمال العقل. فحين نزل قول الله تعالي "إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب "190" الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلي جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار "آل عمران: 190. 191" قال نبينا "صلي الله عليه وسلم": "ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل فيها". وقد دعانا القرآن الكريم إلي النظر والاعتبار والتدبر فقال سبحانه "ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكري لأولي الألباب" "الزمر: 21". ويقول سبحانه: "الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتي "53" كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهي" "طه: 53: 54". ويقول عز وجل "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتي يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه علي كل شيء شهيد" "فصلت: 53". والذي لاشك فيه أننا في حاجة إلي الاجتهاد والتجديد في ضوء متغيرات الزمان ومستجدات العصر. وأن هناك قضايا تحتاج إلي دراسة هيئات ومؤسسات وفتوي المجامع العلمية. كماأن الأمر يتطلب دراسة الحكم الشرعي ودراسة الواقع العصري ووجود الشخص المؤهل الذي يستطيع أن ينزل الحكم الشرعي علي الواقع العصري في إطار تحقيق المناط. فلا ينزل الحكم علي غير محله أو يسقطه في غير موضعه. فقد تفاجأ مثلا بمن يقول لك: إن العالم الفلاني والعالم العلاني يستحلان الربا ويرمي بذلك أناسا لهم في العلم والفقه باع كبير. وهو لا يدرك أن أي عالم يخشي الله عز وجل مهما كانت درجة علمه لا يمكن أن يقضي بحل الربا وإلا كان منكرا لمعلوم من الدين بالضرورة متصادما مع النص القرآني. حيث يقول الحق سبحانه وتعالي: "وأحل الله البيع وحرم الربا" "البقرة: 275". فلا نزاع ولا خلاف في حرمة الربا بين أهل العلم جميعا في القديم والحديث. ولكن الخلاف ينشأ حول المعاملة التي يراد الحكم عليها هل هي داخلة في باب الربا الذي حرمه الله عز وجل أو أنها تدخل وتندرج تحت باب من أبواب المعاملة الشرعية كالمرابحة ونحوها. ومن الخطأ الشديد أن بعض العامة وحتي بعض المحسوبين علي أهل العلم وطلابه قد يقحمون أنفسهم في فتاوي لا قبل لهم بها. ولا دراية لهم بمعطياتها. فربما يفتي بعضهم في بعض القضايا الاقتصادية والمعاملات البنكية وهو لا يعرف شيئا قط عن الأبعاد الاقتصادية لعمل البنوك أو آلية المعاملات البورصة والمؤسسات المالية التي يقحم نفسه في الحكم عليها دون دراسة أو إلمام بطبيعة عملها. وكذلك من يصدرون أحكاما علي قضايا طبية دقيقة وحساسة كنقل الأعضاء والموت الإكلينيكي دون أن يستمعوا إلي طبيب واحد ثقة متخصص في المجال المراد الحكم عليه. بل إنك قد تسأل بعضهم عن الموت الإكلينيكي هل يعد موتا أو لا؟ فيجيبك بالإثبات أو النفي. ثم إنك لو عدت فسألته عن مفهوم الموت الإكلينيكي لتبين لك أنه أصدر رأيه الفقهي علي شيء آخر غير الموت الإكلينيكي. لأن المفاهيم لم تكن واضحة لديه. هذا إن كان قد درس شيئا عن الموضوع أصلا أو تعرف بدقة علي ماهيته. والخلاصة أن التجديد يحتاج إلي تراكم خبرات علمية وفقهية وشرعية وحياتية ومجتمعية وثقافية مع موهبة وأهلية للاجتهاد وطاقة علي إعمال العقل وخروج عن دائرة الجمود إلي دائرة التفكير وسعة الأفق بما يتناسب مع طبيعة العصر ومعطياته وملابساته ومستجداته.