بعد لقاء الرئيس برئيس الوزراء الاثيوبي في ملابو في شهر يونيه الماضي صدر إعلان حسن النوايا بإعادة استئناف المفاوضات المصرية الاثيوبية حول سد النهضة وبعدها وجهت مصر دعوتها إلي وزراء ري اثيوبيا والسودان لانعقاد أول اجتماع في القاهرة واعترضت اثيوبيا وطلبت أن يكون الاجتماع الأول في الخرطوم باعتبار ان السودان دولة محايدة بين البلدين بما عكس فكر اثيوبيا باعتبار اننا دولتان في حالة نزاع أو حرب ووصفت للسودان علي غير الحقيقية بالدولة المحايدة رغم اعلان السودان لموقفها الرسمي علي لسان رئيسها بأنها تؤيد سد النهضة بل وأصبحت تدافع عن السد بشكل أشرس مما يدافع عنه الاثيوبيون ولكن اثيوبيا أرادت أن توضح بأنها ستقود المفاوضات وبشروطها وللأسف التي رضخ المفاوض المصري ووقت ان كان الجميع يبدي تفائلا بهذه المرحلة من المفاوضات أعلنت بكل وضوح بأن المفاوضات مع اثيوبيا ستفشل بسبب التعنت الاثيوبي وعدم وجود أي نية لديها للتوافق مع مصر بشأن مواصفات وسعة السد اطمئنانا منها إلي استقطابها للسودان بالأعراض الجانبية للسد والتي منها منع أخطار الفيضان السنوي أو تقليل كمية الإطماء الذي يسبب مشاكل في خزان الروصيرس أو قنوات الري في ولايتي حوض النيل وكسلا وكأن اثيوبيا قد شيدت هذا السد من أجل إفادة السودان أو مصر وليس من أجل صالحها الخاص فقط ولكن الأشقاء في السودان رأوا صالحهم مع اثيوبيا وضد مصر وسيدفعون في المستقبل الثمن غالياً بضياع الولاياتالشرقية لأنهم يعلمون الأطماع الاثيوبية فيها جيدا ويتغافلون عنها حالياً. بعد الجولة الأولي للمباحثات والتي جرت في أغسطس الماضي والتي تم فيها الاتفاق علي الاحتكام إلي مكتب استشاري عالمي ثم خبير دولي للحكم علي ضخامة سد النهضة وآثاره علي مصر خرج علينا وزير الري المصري بالإدعاء بأنه مكتب تحكيمي وان قراره سيكون ملزما للجانبين ولكن الجانب الاثيوبي سرعان ما كذب هذا الأمر وأعلن انه مجرد مكتب استشاري لطمأنة المصريين فقط وان أعماله سوف تقتصر علي دراسة ما يقدمه له الجانب الاثيوبي فقط بشأن ملاحظات اللجنة الدولية السابقة التي عملت علي السد وفضحت القصور الكبير في الدراسات المصاحبة له وتداعياته البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتدفقات المائية وآثارهم جميعاً علي دولة المصب وأعلنت اثيوبيا بأن مواصفات السد وسعة تخزينه يحدده الشعب الاثيوبي فقط وليس مكتباً استشارياً أو أي دولة أخري وكأننا نطبق شريعة الغاب علي الموارد المشتركة والتي يظن الاثيوبيون ان من حقهم فرض السيادة المطلقة عليها وفي هذه الحالة لن يكون أمامنا إلا اتباع شريعة الغاب أيضاً وإبداء نفس التجاهل للقوانين الدولية للمياه وكما قال الرئيس السادات فلن يلومنا العالم أبداً. في الجلسة الثالثة للمفاوضات تم الاتفاق علي أن تتقدم الدول الثلاث بترشيحاتها للمكاتب الاستشارية الدولية بطرح كل دولة لثلاث مكاتب بالإضافة إلي خبير دولي علي أن تعقد لجنة البت في الترشيحات في ديسمبر الماضي ولكن اثيوبيا بدواعي التسويف وكسب الوقت ألغت الاجتماع ومن بعده تم إلغاء اجتماع شهر يناير 2015 مع تعمد اثيوبيا بإصدار تصريحات عدائية ملتهبة ضد مصر وتصعيد غير مبرر بشأن افتتاح المرحلة الأولي من السد في يونيه القادم وطلبها أن يكون مدة عمل المكتب الاستشاري لعام ونصف والتذكير بأن قراراته غير ملزمة لإثيوبيا بما يعني ان علي مصر أن توفر ضياع أموالها ووقتها في مثل هذا المكتب الاستشاري والذي لم يتعامل فيه للأسف وزير الري المصري مع شعبه بالشفافية اللازمة مثلما تعمد القيام بزيارة سد النهضة وهو ما زال سداً خلافياً ترفضه مصر بإصرار وأقنع الجميع بأنه لصالح المباحثات رغم تحذيراتنا بأنهم سوف يستغلون هذه الزيارة للترويج لإعادة تمويل السد بأن مصر تبارك بناءه ولا أدري السبب في غياب الفكر المصري الخبير والعلمي في هذه المفاوضات. الوضع الصحيح الآن هو سرعة تدويل القضية والسماح فقط بمفاوضات مباشرة مع اثيوبيا حول السد وسعة تخزينه للمياه والحل يسير للغاية باستغناء اثيوبيا عن بناء السد الجانبي وهو القطعة الثانية من سد النهضة والذي سيضيف 60 مليار مترا مكعبا لسعة السد وهو قطعة مصمتة لا تحمل توربينات ولا فتحات تمرير للمياه وهدفها عدواني بالدرجة الأولي للسيطرة الكاملة علي مرور المياه إلي مصر كما ان بناء سدين علي النيل الأزرق بسعة 14 مليار ستولدان كمية من الكهرباء أكبر مما يولده سد 74 مليار الحالي والذي لا تزيد كفاءة توليده للكهرباء علي 33% لكونه سداً لتخزين المياه وليس لتوليد الكهرباء كما تدعي اثيوبيا وكما فضحها عالمها الذي يعمل في جامعة ساندييجو في أمريكا كما فضحها أيضاً استجواب الكونجرس الأمريكي مؤخرا حول هذا السد والذي أقر بأنه سد مبالغ في سعته وغير موضوعي في توليد الكهرباء وانه يمنع المياه عن الشعب المصري بلا رحمة ولا موضوعية. المفاوضات المصرية بغير قوة تسندها والتواضع غير المبرر والهرولة لن تفيد المفاوضات وراجعوا الأمر نفسه أيام السادات ومبارك لتعلموا ان الأمن المائي المصري في خطر داهم رغم العجز الحالي الكبير والذي يصل إلي 30 مليار متر مكعب سنوياً ترتفع إلي 75 ملياراً عام 2050 وبالتالي فالأمر لا يحتمل التضحية بالمزيد من مليارات المياه من أجل دولة لديها وفرة من المياه وتبني مواقفها علي حسابات خاطئة.