حالة من الترقب سادت كافة الأوساط السياسية والأمنية وحتى الاجتماعية في الشارع المصري، بعد نجاح مصر في التوصل لحل نهائي لأزمة سد النهضة الإثيوبي . وكانت أسفرت المفاوضات الجارية بين البلدين ( مصر - ودولة المصب أثيوبيا ) إلى التوصل لاتفاق بتشكيل لجنة وطنية من الدول الثلاث تضم 12 خبير لاختيار مكتب استشاري دولي لعمل دراسات سد النهضة والتحقق من تأثيرات السد، على أن تلتزم الدول الثلاث بتنفيذ توصيات المكتب الاستشاري العالمي وتحمل مصاريف الدراسات اللازمة، إضافة إلى إمداد المكتب بالمعلومات التي يتم الاتفاق عليها في اللجان الوطنية للدول الثلاث. ليس هذا فقط بل أقرت إثيوبيا أيضا بأنها لن تسبب أية أضرار لمصر بإنشاء السد ولن تنقص قطرة مياه من حصتها في مياه النيل. استطلعنا آراء عدد من الخبراء، حول عل اتفاق الدول الثلاثة على تشكيل لجنة فنية لعمل دراسات سد النهضة والتحقق من تأثيرات السد يؤكد نجاح مصر في مفاوضاتها مع أثيوبيا ، وبحثنا المخاطر والأضرار التي قد تحدث إذا لم تنته هذه المفاوضات لصالح مصر؟. في البداية أكد الدكتور نادر نور الدين، أستاذ الموارد المائية بكلية الزراعة جامعة القاهرة ، أنه إذا كانت مصر وإثيوبيا والسودان قبلت تشكيل لجنة فنية لتقييم سد النهضة وتحديد مخاطرة على مصر ، تصدر تقريرها بعد ستة أشهر من تشكيلها في الشهر القادم ويكون رأي اللجنة ملزم للجميع - فلماذا لم يتم اتخاذ قرار بإيقاف العمل في السد حتى تنتهي اللجنة من تقريرها وتكون بادرة لبناء الثقة من إثبوبيا، وكيف يكون الرأي ملزما بعد أن تكسب إثيوبيا سبعة أشهر قادمة؟! وأوضح نور الدين أن فرض إثيوبيا على مصر تشكيل لجنة فنية مكونة من خبراء من مصر وإثيوبيا والسودان وبأشراف من مكتب استشاري دولي يعني أن يكون رأي الفنيين هو الأهم وليس المكتب الاستشاري وبالتالي ينتهي الأمر إلى أن السودان وإثيوبيا تؤكدان على أن السد مفيد وغير ضار بمصر وينتهي المكتب إلى الانحياز إلى رأي الأغلبية ( السودان وإثيوبيا ) . و تساءل لماذا لم تصر مصر على تحكيم مكتب إستشاري دولي للقيام بأعمال الدراسات وتحت إشراف الأممالمتحدة ويكون هو فقط المسئول عن بيان مدي نفع أو ضرر هذا السد وبالتالي تكون إثيوبيا قد ارتضت بالتحكيم الدولي اللجنة الفنية خدعت بها إثيوبيا الوفد المصري وشربتها مصر تمامأً. وأضاف نور الدين أن تصريح وزير الري المصري بالنيابة عن الوزير الإثيوبي بأن إثيوبيا تعهدت بعدم المساس بحصة مصر من المياه، لم يقدم شيئا جديدا بل الدفاع عن موقف الجانب الإثيوبي ، فهي طوال السنوات الثلاث الماضية أكدت على ذلك لكينيا عند بنائها سد أومو ثم قطعت عنها المياه تماما، هل حصل وزير الري المصري على تعهد كتابي أو التوصل إلى معاهدة مع إثيوبيا بشأن الحفاظ على حصة مصر من المياه عند مستوى 55.5 مليار متر مكعب سنويا يأتي منها 85% من الجانب الإثيوبي؟! وتساءل نور الدين – خلال حديثه ل" محيط" : هل سأل وزير الري المصري الجانب الإثيوبي عن كون سد النهضة سدا وحيدا على النيل الأزرق أم أنه سيكون سلسلة مكونة من أربعة سدود متتالية وإجبارية بسبب مقدار وكمية الطمي الكبير الذي يحمله النيل الأزرق ويبلغ 136.5 مليون طن سنويا وهو كفيل بردم السد كاملا عبر سنوات قلية ولا بد من بناء أربعة سدود خلفه لتكون كمائن لترسيب الطمي وأشار نور الدين إلى أن الوزير المصري يتشدق بأن نظيره الإثيوبي دعاه لزيارة سد النهضة في كمين لا يعلمه بغرض تسجيل وتصوير زيارة مسئول مصر للسد وبالتالي تعلن إثيوبيا للعالم أنها تتمتع بالشفافية وأنها عرضت كل أمور السد على مصر وحصلت على موافقاتها، للتغلب على مخالفاتها لقانون الأممالمتحدة لمياه الأنهار لعام 1997 والذي ينص على ما سبق وتسليم مصر نسخا كاملة من دراسات السد؟؟! وقال نور الدين: هل حصل الوزير المصري على الدراسات الخاصة بمدي ثبات السد الإثيوبي أمام الفيضانات الغزيرة، ومعامل أمان السد ، والتعويضات التي ستلتزم بها إثيوبيا لمصر والسودان في حال انهياره، وهل واجهه بأن هذا السد هو لتخزين المياه وليس لتوليد الكهرباء ولا تزيد كفاءة توليده عن 33% فقط؟. وأضاف نور الدين أن الوزير المصري يقول إنه تم حل 85% من الأمور العالقة مع إثيوبيا خلال يوم ونصف فقط من المباحثات، فهل هذا كلام مسئول وموضوعي ؟ بالطبع لا، لذا فإنه في النهاية يمكن القول إن أثيوبيا نجحت وألبستنا العمة – بحسب قوله - . بينما يري الدكتور مغاوري شحاته ،الخبير في شئون المياه، أن مصر تعلم تماما ومنذ عام 2010 بأن سد النهضة هو سلسلة مكونة من أربعة سدود بسعة 200 مليار متر مكعب من النيل الأزرق وهو نهر له تصرفات مائية محدودة ولا تتجاوز 48.8 مليار متر مكعب سنويا، ومن المستحيل لهذا النهر الصغير أن يملأ أربع بحيرات في إثيوبيا وبحيرة في مصر، وبالتالي فسدود النيل الأزرق هي مصادرة لمياه النهر إلى الأبد وتعطيش دائم لمصر. وأضاف شحاته أن لديه حالة من التخوف بعدما أصرت أثيوبيا على أن تكون لجنة الخبراء من مصر والسودان وإثيوبيا فقط ورفضت طلب مصر بأن يكون التحكيم من خبراء دوليين -وللأسف انصاعت مصر-لتضامن موقف السودان مع إثيوبيا والتنسيق معها وبالتالي ستكون صوتين ضد صوت واحد، وفي حال اختلاف اللجان بعد ستة أشهر سيتم اللجوء إلى مراجعين دوليين للتحكيم بين الخبراء المحليين فقط ولمدة ستة أشهر جديدة وقتها سيكون قد تم بناء السد ، ولن يكون الرأي إلزاميا أبدا ووزير الري المصري يخدع المصريين. وأستطرد شحاته قائلاً إن إثيوبيا رفضت التوقيع وسترفض دائما التوقيع بالحفاظ على حصة مصر من مياه النيل عند معدلاتها الحالية فهي تريد خداعنا بتصريحات شفاهية فقط وبعدها سيكون الرد عدم المساس بالحصة الموضوعية لمصر وليست الحصة الحالية بعد اقتسام المياه التي تجري بين ضفتي النهر بالتساوي بين الدول الثلاث مصر والسودان وإثيوبيا ورفض تقسيم موارد النهر كلها بالتساوي من أمطار ومياه جوفية ومياه نهر، ولكن فقط تقسيم مياه النهر وهذا هو الفرق بين التقسيم المتساوي والتقسيم العادل لموارد النهر وليس لمياه النهر. وأوضح شحاته أن تصريح وزير الري الإثيوبي الذي أكد فيه أنه لا إيقاف للعمل في بناء السد لأن مصر لم تطلب ذلك، ولا تغيير في مواصفات السد وسعة البحيرة وسنستكمل البناء كما خططنا له يظهر تماما أن مصر وافقت على بناء السد وأن الاختلاف الآن على سنوات امتلاء بحيرة السد وبذلك يكون النيل قد ضاع إلى الأبد من مصر. وأنهي شحاته حديثه ل" محيط" قائلاً إن التاريخ لن يسامح وزير الري وأي مسئول يفرط في حقوق مصر من مياه النيل ويضحي بمياه النهر لمن لا يحتاج إلى المياه أبدا ويعطيهم الفرصة لأن يستنزف اقتصادنا في المستقبل في شراء هذه المياه من إثيوبيا، لافتا إلى أن أثيوبيا فرضت إرادتها على دبلوماسيتنا المائية الناشئة. بينما عارضهم في الرأي الدكتور ضياء الدين القوصي، الخبير في شئون المياه، قائلاً إن مصر نجحت في إبعاد أزمة سد النهضة الأثيوبي عن الجانب السياسي وتمسكت فقط بالجانب الفني، وهذا يعد بداية مبشرة للمفاوضات مع أثيوبيا. وأوضح القوصي أن زيارة وزير الري حسام مغازي لأثيوبيا الأسبوع المقبل لا ينبغي أن تثير قلق الشارع المصري، لأن هدفها تدعيم العلاقات الودية بين مصر وأثيوبيا، لافتاً إلى أن هذه الزيارة ستكون لصالح مصر خاصة وأنها ستساهم في مساعدة مصر على الإطلاع على جميع المعلومات التي ستقدمها أثيوبيا للجنة الاستشارية ورؤية إذا ما كان ما سيتم تقديمه صحيحاً أم لا. وأضاف القوصي أن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لأثيوبيا كان لها دوراً كبيراُ في نجاح المفاوضات مع الأخيرة، موضحاً انه في حالة فشل المفاوضات فمصر ستدخل مرحلة الفقر المائي والذي بدأت بالفعل في الدخول لهذه المرحلة وهذا ما كشف عنه أخر تقارير لوزارة الموارد المائية والري إذ أكدت حدوث انخفاض كبير في نصيب المواطن السنوي من المياه العذبة بمصر لكافة الأغراض من 2800 متر مكعب في عام 1959 إلى حوالي 625 مترا مكعبا طبقا لإحصاءات وزارة المياه والري ، وهو أقل من الحد العالمي المعروف بالفقر المائي والمقدر بقيمة 1000 متر مكعب سنويا للفرد ، فضلاً عن أن أزمة الكهرباء ستتفاقم بشكل كبير للغاية. بينما أكد الدكتور هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية، أن قرار إحالة الرأي النهائي للخبراء الدوليين بشأن أزمة سد النهضة يعد بداية مبشرة لاستكمال المفاوضات، خاصة وأن مصر كانت ترغب في ذلك وهذا ما حدث خلال شهر يناير الماضي إلا أن أثيوبيا رفضت وقالت إن القرار سيكون لخبراء محليين ومن ثم انتهت محاولات مصر للأسف بالفشل وواصلت أثيوبيا بناء السد . وأوضح رسلان أن بناء أثيوبيا لسد النهضة يأتي لأغراض سياسية وليست تنموية ، خاصة ان أثيوبيا لا تمتلك التمويل الكافي لبناء السد إذ أن اقتصادها ضعيف للغاية ويبلغ ثلث حجم إقتصاد مصر، وهذا الامر يؤكد أن للجانب الإسرائيلي دوراً في ذلك وإن لم يكن هناك أطراف خفية أخري تدعم أثيوبيا لمضايقة مصر سياسياً.