إدارة سعر الصرف للجنيه المصري بالنقد الأجنبي يحتاج لرؤية مالية ومصرفية واقتصادية ولا يجب أن تكون منعزلة عن حالة الاقتصاد بوجه عام. وإصلاح السياسة النقدية ووقف التحكم الإداري لسعر الصرف يحتاج إلي مناخ انتاجي وظروف مواتية في السوق وأن تكون الأعباء تدريجية وليس بأسلوب الصدمات. والقرار أو التوجه بتعديل أو تعويم سعر الصرف أو تطبيق سياسة العرض والطلب لسعر صرف الجنيه أمام الدولار يحتاج إلي ظروف مواتية وهذا القرار أو التوجه من الناحية المصرفية سليم ولا غبار عليه وهو يسهم في تشجيع السياحة وتدفق السياح حيث تكون مصر الأرخص بعد خفض الجنيه ويستطيع السائح أن يمضي أسبوعين في مصر بنفس المبلغ الذي كان يمضي به أسبوعا أو أقل. كما أن حركة التصدير للمنتجات المصرية إذا تدفقت علي الأسواق الخارجية ستكون الارخص ولها ميزة نسبية. ولكن هل السياحة الآن في حالة الانتعاش الذي يجعلنا نقدم علي هذه الخطوة أملاً في حصيلة النقد من السياحة. بالتأكيد التوقيت خاطيء تماما والقرار أو التوجه يمكن أن يكون ملائماً لو تم في التوقيت الصحيح. ولكن إذا كان كل قرار اقتصادي له مزايا وسلبيات فإن سلبيات هذا القرار أو التوجه الآن أكثر وأخطر. فلن يكون من الممكن زيادة التدفق السياحي فجأة أو تقفز الصادرات إلي أرقام نتمناها وهي لا تزال متواضعة في كل المجالات الزراعية والصناعية. أما الواردات من الخارج فليس كلها كما يروج هؤلاء المدافعين والمتحمسين من السلع الاستفزازية التي يستطيع من يستهلكها أن يدفع قيمتها أو يتحمل نفقات السفر للسياحة بالخارج وهي قلة قليلة. ولكن غالبية الواردات المصرية من السلع الغذائية والسلع الوسيطة التي تنعكس علي عموم الأسعار في السوق المصرية وتشوي بلهيبها الفقراء وغير القادرين والذين لا يمكنهم الاعتماد علي سلع البطاقات وحدها رغم أنها لا تشمل كل المصريين وبعد هذا القرار ربما تسقط فئات كانت مستورة وتحاول البقاء علي قيد الحياة في بالوعة الفقر والقهر. علاوة علي آثار هذا القرار علي الموازنة العامة للدولة وحجم الدين الخارجي عند تقويمه بالجنيه المصري. والقضية متشابكة وخطيرة وهذا القرار أو التوجه ليس حديث الفكرة أو الدراسة بل كان مطروحاً بشدة في عام 2003 في حكومة المرحوم الدكتور عاطف عبيد رئيس مجلس الوزراء وتم العدول عنه مع بعض التعديلات الإدارية في سعر الصرف وارتفع السعر من 320 قرشاً للدولار إلي نحو 525 قرشاً للدولار في بداية عام 2011 وقبل ثورة يناير بأيام قليلة والآن زاد السعر ويتمرد ويعوم وبلغ حتي مساء الأربعاء الماضي بالبنوك 730 قرشاً وخارج البنوك في مضاربات محمومة بسبب هذا التوجه بلغ قرابة 800 قرش التوجه والتنبؤ هو مزيد من الارتفاع ويخطيء من يعتقد أن تعويم الجنيه أو تحرير السعر لصرف الجنيه هو عربون الخطوبة مع صندوق النقد الدولي فهي مجرد خطوبة وربما لا يتم الاتفاق بسبب المزيد من الشروط التي تجعل هذه التضحيات الخطيرة بلا مقابل ويصبح من الصعوبة التعامل معها. إن النظرة الورقية لأوضاع الاقتصاد لا تجدي وكل قرار له سلبيات وايجابيات ولابد أن تكون القرارات المهمة والخطيرة والمؤثرة قد تم دراستها مالياً وسياسياً واقتصادياً وبنظرة لا يغيب عنها ظروف المجتمع المصري والبيئة الصالحة لاستقبال القرار أمر غاية في الأهمية ولا يجوز الارتكاز إلي توصيات الخبراء الاقتصاديين بالغرف المغلقة لأنهم في حال انفصال عن واقع المجتمع وربما يكون كلامهم وتوصياتهم صالحة ولكن المهم أن يكون القرار الصحيح في التوقيت الصحيح وهي مقومات نجاح أي قرار وبدون ذلك فانها مغامرة وحقل تجارب له نتائج خطيرة.