مر مرور الكرام دون أن يثير كثير انتباه علي الرغم من أهميته القصوي وأهمية الدروس المستفادة منه خبر اعتراف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بفشل سياسات العزل والحصار ومحاولة اسقاط النظام وتجويع المواطنين الكوبيين التي مارستها دولته ضد كوبا : الشعب والثورة منذ فترة رئاسة جون ف كيندي في أوائل الستينيات وحتي الأمس القريب أي علي امتداد أكثر من خمسين عاما متواصلة! تقع جزيرة كوبا الصغيرة علي مرمي حجر من الولاياتالمتحدةالأمريكية جهة الجنوب ومساحتها محدودة لا تتعدي 105.006 كيلو متر مربع "40.543 ميلا مربعا" ومواردها بسيطة وتتمثل أساسا في قصب السكر وبعض المعادن كالكوبالت والنيكل وهناك احتمال بوجود مصادر محدودة للبترول علي أراضيها. ورغم ضآلة الموارد ووجودها علي مرمي حجر من جنوب الجارة "المفترية" الولاياتالمتحدة بجبروت قدراتها الاقتصادية والعسكرية غير المسبوقة في التاريخ الإنساني فقد فشل "الكاوبوي" الأمريكي بكل إمكاناته في أن يسقط النظام الكوبي رغم مئات المؤامرات وفرق الغزاة والمرتزقة وتبني أعداء النظام من الطبقات الساقطة التي هربت إلي أمريكا الشمالية واستمروا في التآمر علي الشعب الكوبي بل وعلي الرغم من التهديدات النووية التي كادت تقود البشرية إلي الدمار في واقعة "خليج الخنازير" الشهيرة في الستينيات! لماذا فشل "الفيل" الأمريكي الشمالي في أن يقضي علي "النملة" الكوبية وهو الذي يفترض فيه "نظريا" القدرة علي دهسها وهرسها بحركة صغيرة من قدمه الضخمة؟! سؤال علي درجة كبيرة من الأهمية لنا ولشعبنا ولثورتنا خاصة ونحن نتعرض لمؤامرات شبيهة لما تعرضت له الثورة الكوبية التي أسقطت نظام الديكتاتور الكوبي "باتستا" بثورة فجرتها طليعة مكونة من عدد من المثقفين الثوريين كان من أبرزهم زعيمها "فيديل كاسترو" وأيقونتها الثورية المقاتل الأممي المثال "أرنستو شي جيفارا". السبب الأساسي في هذه النتيجة التي جاءت بمثابة انتصار كبير لشعب كوبا وثورته هو وضوح الرؤية لدي كوبا قيادة وشعبا وتحديدها بدقة معسكر الحلفاء والأصدقاء ومعسكر الأعداء وعلي رأسه قيادة الولاياتالمتحدة والمنفيون الكوبيون العملاء والتلاحم المتين بين القيادة المتفانية والشعب الواعي وبما شكل أكبر حائط دفاعي أفشل كل مؤامرات الاختراق الأمريكي والمعادي. وقد قيض لي أن أشارك ضمن وفد لشباب مصر في مهرجان الشباب العالمي بكوبا عام 1978 ورأينا كيف يتحدث "فيديل كاسترو" إلي شعبه في ميدان التحرير بوسط "هافانا العاصمة" لأكثر من خمس ساعات متواصلة طارحا كل القضايا التي تواجهها البلاد بوضوح وصراحة ومجيباً عن كافة الأسئلة المطروحة بشفافية واستقامة وهو ما جسد هذه الرابطة الحديدية بين الشعب والقيادة والتي صمدت لكل المؤامرات ومحاولات الاختراق المعادي طوال نصف قرن! لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد فالقيادة الكوبية لم تواجه مشاكل البلاد بالكلام وحسب! وإنما عملت بجد واجتهاد لخدمة شعبها ورفع مستوي معيشته رغم فقر الإمكانات والحصار والارتباط به في كل لحظة وقد رأينا "كاسترو" و"جيفارا" وسائر القادة الكوبيين وهم عراة الصدر يساعدون أبناء شعبهم من الفلاحين الكوبيين في جني محصول قصب السكر يداً بيد وعرقا بعرق وجهدا بجهد تعبيرا عن انتمائهم لهذا الشعب الفقير المعتز بنفسه والمكافح بشرف من أجل الحياة الكريمة. والأهم ان ظروف كوبا الصعبة فقر الإمكانات والحصار لم تمنعها من إنجاز ما فشلنا في تحقيقه رغم ظروف بلدنا الأفضل ألا وهو موضوع محو الأمية الكامل ونشر العلم والمعرفة الحديثة في ربوع كوبا بعد الثورة مباشرة حيث تم تأجيل الدراسة الجامعية لعام واحد وجاب الأساتذة والمتعلمون أنحاء كوبا لكي ينشروا نور العلم والمعرفة حتي تم للثورة الكوبية ما أرادت خلال سنة واحدة كوبا الحرة سياسيا حرة من قيود الجهل والأمية أيضاً! بالعلم والإرادة السياسية والانحياز للشعب المكافح لا بميوعة الرؤية والانحياز للصوص وكبار ناهبي ثروة الوطن انتصرت كوبا انتصرت "النملة" وأجبرت "الفيل الأمريكي" علي الانحناء معتذرا. فهل نتعلم الدرس الكوبي قبل فوات الأوان؟!