لما قدم النبي "صلي الله عليه وسلم" إلي المدينة. جاءه بعض أهلها بغلام من بني النجار يدعي زيد بن ثابت فقالوا للنبي "صلي الله عليه وسلم" : إن هذا الغلام قد قرأ مما أنزل عليك بضع عشرة سورة. فطلب النبي "صلي الله عليه وسلم" منه أن يقرأ فقرأ. فقال له النبي "صلي الله عليه وسلم" "تعلم كتاب اليهود. فإني ما آمن يهوداً علي كتاب" فتعلم زيد لغة التوراة. في نصف شهر. حتي استطاع أن يكتب للنبي "صلي الله عليه وسلم" رسائله إلي اليهود. ويقرأ له رسائلهم إليه. هذا الموقف يحمل دلالات تربوية هادية أولاهما هي حث الصحابة علي العلم. وهذه حقيقة من حقائق هذا الدين. وحسبنا أن أول ما نزل من آيات الذكر الحكيم كان قوله تعالي "اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم "العلق 1/..5 وهذه أول نصيحة تسمو بقدر القلم وتنوه بقيمة العلم. وتعلن الحرب علي الأمية الغافلة. وتجل اللبنة الأولي في بناء كل رجل عظيم أن يقرأ وأن يتعلم.. وسما الله عز وجل بدرجات العلماء حتي قرنهم بذاته وملائكته في الشهادة بواحدانيته والإقرار بعدالته. فقال عز من قائل : "شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إلا هو العزيز الحكيم "آل عمران : 18".. ولا غرو ولا عجب. فإني للعقول الضعيفة والمعارف الضيقة أن تدرك جلال الكبير المتعال؟ وإني لمن يعيش علي هامش الحياة بجهله وظلمته أن يعرف الحق عن رب الحياة. أو أن يلمح طرفاً من صفاته العظمي وآياته الكبري؟! إن المعرفة الجيدة أسبق عند الله من العمل المضطرب. ومن العبادة الجافة المشوبة بالجهل والقصور.. قال رسول الله "صلي الله عليه وسلم" [فضل العلم خير من فضل العبادة].. وقال "صلي الله عليه وسلم" "قليل العلم خير من كثير العبادة". وقال "صلي الله عليه وسلم" أفضل العبادة الفقه". وقال "صلي الله عليه وسلم" "يا أبا ذر. لأن تغدو فتعلم آية من كتاب الله خير لك من أن تصلي مائة ركعة. ولأن تغدو فتعلم باباً من العلم عمل به أو لم يعمل به خير لك من أن تصلي ألف ركعة". والسر في هذا الحكم أن عبادة الجهال كصداقتهم قليلة الجدوي. وهم يضرون أنفسهم من حيث يريدون نفعها. ويؤذون أصدقاءهم من حيث يبغون راحتهم. وجهلة العباد يستمسكون بالدين استمساكاً شديداً ويتعصبون له تعصباً ظاهراً. ولكنهم في ساعة رعونة وغباء يقفون منه الموقف الذي يلحق به الأذي والمعرة. ويجر عليه المتاعب الجمة. أما أولو العلم فإن بصيرتهم الذكية تحكم مسلكهم وتلهمهم الرشد. فلو قل عملهم كثر ما يصحبه من سداد وبصر. ولذلك يقول رسول الله "صلي الله عليه وسلم" "فقيه واحد أشد علي الشيطان من ألف عابد. ويقول أيضاً : "فضل العالم علي العابد كفضلي علي أدناكم رجلاً". والعلم الذي يقبل المسلم عليه ويرحل لطلبه إلي أقصي المشارق والمغارب ليس علما معينا محدود البداية والنهاية. فكل ما يوسع افق النظر ويزيح السدود أمام العقل. وكل ما يوثق صلة الإنسان بريه حث الإسلام علي طلبه. والدلالة الثانية هي الدعوة إلي تعلم اللغات الأخري. حيث أمر النبي "صلي الله عليه وسلم" زيداً بإجادة العبرية. وهي هذا اشارة إلي أهمية تعلم لغات الشعوب وفهمها. لأن رسالته صلي الله عليه وسلم للناس قاطبة. وجمع الناس علي لسان واحد مستحيل. فاختلاف الألسنة من آيات الله تعالي. ونقل تعاليم الإسلام إلي الأمم الأخري يحتاج إلي تعلم لغاتهم. أما الدلالة الثالثة فهي اصطفاء النابهين والفائقين من الصبيان لمهام العلم كي تكون للدعوة الإسلامية في مستقبلها ألسنة نابهة تنقل الدين إلي الدنيا كلها بكل اللغات.