كشفت مأساة الطفل البائس عبدالمسيح الذي اتهم وكان يحاكم بسرقة خمسة أرغفة من الخبز عن عوار في الضمير المجتمعي وقصور في الفهم لكل من مرت عليه هذه القضية. هذه قضية تتعلق بالفقر والجوع وتتعلق أيضاً بعمالة الأطفال وخطورتها عليهم وعلي المجتمع وبسبب كارثة التعامل مع الطفل عبدالمسيح اتضح ان هذا المجتمع ضاعت فيه قيم الحق والعدل وغاب التكافل الاجتماعي الذي كان سمة مميزة للمصريين وانتعش في زمان لم يكن فيه وفرة من المال كما هي الآن. التكافل الاجتماعي والتراحم واحتضان الضعيف ورعاية غير القادر سمات أصبحت تكاد تتلاشي. عبدالمسيح الطفل البائس وما جري له كشف ان المجتمع المصري يعاني من التخبط في قيم العدالة الاجتماعية.. العدالة الاجتماعية لم تعد حاضرة وعمالة الأطفال هي الخطر الأكبر الذي يكشف أيضاً ان الفقر هو السبب الرئيسي. الأطفال الذين يضطر ذويهم إلي إلحاقهم بأعمال حتي يمكنهم كسب المال لهم ولأسرهم وهناك أطفال يعولون أسراً بكاملها رغم انهم يعملون في ظروف مؤلمة وبدون الحد الأدني من الضمانات. ويجب أن يدرك كل من يستخدم عمالاً من الأطفال يواجه الرفض لإنتاجه إذا تم تصديره. أما الأعمال الهامشية الأخري فإنها تحتاج إلي مراجعة لمنع انتهاك حقوق الأطفال أو الاعتداء عليهم وإضاعة حقوقهم. ومأساة الطفل عبدالمسيح نموذج للطفل المصري الذي ترك المدرسة وأصبح يعاني من الأمية علاوة علي القهر والظلم. ان عمالة الأطفال يجب تنظيمها ورعايتها ونحن لا نحتاج إلي المزيد من المؤسسات العقابية للأطفال ولكننا نحتاج إلي تعليمهم وتدريبهم وتحويلهم إلي طاقة منتجة ونحافظ عليهم من الوقوع في براثن الرذيلة والجرائم. مأساة عبدالمسيح دقت ناقوس الخطر فالجوع والفقر عندما يضرب إنسان لا يجوز عقابه بل رعايته والدهشة مما حدث لهذا الطفل ويحدث لألوف من الأطفال كل يوم لم تصل مأساتهم إلي الصحف أو أجهزة الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي ولكنهم يعانون وفيه مآسي أكثر إيلاما. ليست المشكلة فقط في أطفال الشوارع والمشردين ولكن أيضاً في الأطفال مع أسرهم التي تعجز عن اطعامهم وأن توفر لهم الحد الأدني من مقومات الحياة ولا ندري أين وعود الدكتورة غادة والي وزيرة التضامن حول المنح والهبات التي ستقدم للأطفال في الأسر الفقيرة والتسرب من التعليم والأمية وعدم احتواء الأطفال في مدارس تؤهلهم للحد الأدني من التعليم ورغم المجانية للتعليم فإن تكلفة الذهاب للمدرسة يومياً وتوفير أدوات وطعام للطفل تجعل الأسرة تعجز عن ارسال أولادها للمدارس وهو ما كان ينبغي أن تعالجه الدولة فوراً وتخفف العبء علي الأسر الفقيرة وتقدم لهم حوافز لأولادهم تدفعهم للانتظام في مراحل التعليم الأولي. ان كوارث عمالة الأطفال أشد خطرا علي المجتمع من كل المخاطر الأخري التي تهدد سلامة المجتمعات واستقرارها ولهذا فإن ما جري في الماضي من اسناد مسئولية ترميم الخلل الاجتماعي والقصور في جهود الدولة لتحقيق العدالة الاجتماعية إلي بعض الأشخاص أو ما يسمي برجال الأعمال هي مسئولية الدولة أن ترعي الفئات الفقيرة والأطفال خاصة ولا تتركهم في انتظار هبات أو إعانات من أحد أو تتركهم في مصيدة الفقر والجوع والتشرد والمرض. مأساة عبدالمسيح طفل بني سويف ألقت الضوء الكاشف علي مأساة الأطفال مع الجوع والفقر والمرض والعوز والاحتياج.