بلا شك أن الانتخابات البرلمانية القادمة محطة فارقة في تاريخ الوطن لعدة اعتبارات جوهرية.. أهمها علي الإطلاق حجم الصلاحيات الكبيرة التي حصل عليها البرلمان جعلته شريكاً حقيقياً لرئيس الجمهورية.. إضافة إلي أن المرحلة الأخيرة من خارطة الطريق التي توافق عليها المصريون بعد الموجة الثانية من الثورة في 30 يونيو.. لنستكمل معاً دائرة مؤسسات الدولة بعد الصراع والتفكك والانهيار الذي عانته طوال ال 4 سنوات الأخيرة.. والأهم أحداث ثورة تشريعية تحتاجها مصر بشكل عاجل للتخلص من آلاف القوانين الفاسدة التي تعوق أي تقدم يريده الشعب وينشده صانع القرار. الحقيقة أننا نحتاج لبرلمان يؤدي دوره بشكل سليم.. برلمان يخدم أهداف الثورة ويحولها إلي واقع ملموس.. ويترجم نصوص الدستور الذي استفتي عليه الشعب في يناير الماضي إلي مجموعة قوانين إصلاحية تضيف لرصيد الوطن ولا تخصم منه.. لذا يصبح مجلس النواب مفصلياً في تلك المرحلة ولابد من اختيار الكفاءات والخبرات وأصحاب الشعبية والرصيد الوطني.. والابتعاد عن منطق المحاصصة الحزبية والمصالح الضيقة.. ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. وعدم تغليب العصبية والتحزبات علي البرلمان الجديد في هذه المرة علي الأقل.. فليس لدينا رفاهية الاختيار وفقاً للأهواء الشخصية.. إضافة إلي التقاطع التام مع فسدة نظامي مبارك والإخوان.. فالشعب لن يقبل إطلاقاً عودة أنظمة قد سقطت.. ومع اعترافنا أنه ليس كل نواب الحزب الوطني المنحل فاسدين.. إلا أن الحكم الأخير للشعب الذي لن يقبل إطلاقاً عودة من تورطوا في تدمير الدولة وتسببوا في تمزيق وحدتها وأفقدوها قوتها علي مدار 30 عاماً.. كما لن يقبل المصريون عودة جماعات العنف والتطرف ومن بحثوا عن السلطة حتي لو كان ثمنها تفتيت الوطن لعدة دويلات. الحقيقة أننا كأحزاب وقوي سياسية وشعب نحتاج إلي وقفة حقيقية أمام أنفسنا.. وأن ندرك أننا في مرحلة لا تحتمل التجريب في ظل اقتصاد يعاني ومؤسسات مازالت تحاول للخروج من كبوتها.. وأمن مازال غائباً لحد بعيد.. وحدود مهددة من مختلف الاتجاهات.. وشعب تحمل الكثير طوال 4 سنوات ومازال.. لذا فإن تغليب المصلحة الوطنية ضروري في تلك المرحلة.. وأن يكون اختيار المرشحين لمجلس النواب وفقاً لمعايير واحدة تطبق علي الجميع مع عدم تقديم أهل الحظوة والثقة علي حساب الكفاءة حتي نصل لبرلمان توافقي يتقاطع مع الفساد والاستبداد والعنف والإرهاب.. فبدون الجلوس علي مائدة واحدة وتقديم رؤية مشتركة فالخطر سوف يدهس الجميع بلا استثناء مهما غرتهم الشعبية الوهمية.. خاصة أن التقارير تشير إلي أن الإقبال سيكون في الانتخابات القادمة ضعيفاً.. وهو ما يزيد من فرص التيارات المتشددة لو لم تتوحد القوي المدنية.. وربما يكون عمرو موسي قاسماً مشتركاً وحكماً بين هذه التحالفات لتمتعه بقبول واسع من مختلف الأطياف. الأخطر أن البرلمان القادم وفقاً لصلاحياته إذا لم يكن متوافقاً مع الرئيس فإنه سيدخل البلاد في نفق مظلم لن تتحمل تبعاته.. وإذا كنا نرفض تدخل الدولة في اختيار نواب الشعب ليصبح وكأننا أمام برلمان بالتعيين وليس برلماناً منتخباً.. وهو ما قد ينسف التجربة الديمقراطية التي ناضل شعبنا من أجلها.. خاصة مع انتهاء عصور التزوير لصالح مرشحين بعينهم.. يبقي علي الرئيس عبدالفتاح السيسي مسئولية تاريخية ووطنية أن يجمع المتفرقين ويوحد المختلفين ويضع الجميع أمام مسئولياتهم التاريخية.. نتراجع خطوة للخلف ونترك مصالحنا الشخصية الضيقة ولو مؤقتاً ونقدم مصلحة الوطن أو سنجد أنفسنا أمام برلمان يسيطر عليه المتطرفون المعروفون بقدرتهم علي الحشد مستفيدين من تشرذم وتناحر حلف 30 يونيو.. فنعود مرة أخري للمربع صفر.. وبوضوح ودون تدخل الرئيس باعتباره رب الأسرة المصرية لإفاقة النخبة السياسية وإعادة صوت العقل للزعامات الوهمية ستحدث الكارثة ولن نعرف من سيحكم البرلمان لندخل في متاهة لن تنتهي.. وربما يعصف ذلك بكل ما فعلناه من أجل الحفاظ علي الدولة وإنجاح الثورة.. فيبقي السؤال: من يحكم البرلمان القادم؟!