العالم الإسلامي كله الآن معرض للتمزق.. فالقتال يستمر في معظم دوله بين جماعات وصفت نفسها بالدينية واتخذت نصرة الإسلام شعارا لها من أقصي الشرق حيث أفغانستان وباكستان إلي الشرق الأوسط حيث سوريا والعراق إلي غرب العالم العربي حيث ليبيا ومالي إلي جنوبه الشرقي حيث اليمن.. الاقتتال بين الجماعات الدينية الموظفة توظيفا سياسيا لا يقتصر علي الطوائف المختلفة مذهبيا فقط بل تخطي ذلك إلي القتال بين الطائفة الواحدة فنجد قتالا بين السنة وإخوانهم السنة أيضا مثلما يحدث بين السنة والشيعة.. وكل طرف يستحل دماء الآخرين باسم الشريعة والدين.. والجديد ان كل طرف يجد مناصرين وتمويلا من أنظمة بالمنطقة لخدمة مشاريع سياسية قد تكون متطرفة. الجميع ألقي بالحل الإسلامي القرآني وراء ظهره وعلماء الأمة وقفوا عاجزين بينما إسرائيل مبتهجة بما تراه من سفك دماء المسلمين لبعضهم كل يوم. فهي تجد من يفعل لها ما تريده بدون جهد منها. سألت علماء الأزهر ورجال الفكر الإسلامي عن دورهم لوقف نزيف الدماء في العالم الإسلامي وواجبهم لإعادة الوحدة للدول الإسلامية وكانت هذه إجاباتهم. المذاهب الثمانية المفكر الإسلامي المستشار الدمرداش العقالي يقول: إن هؤلاء جعلوا الدين منهجا للخلاف وليس الاتفاق والوحيد في العالم العربي والإسلامي الذي عرف أصل الداء ووصف له الدواء هو جمال عبدالناصر الذي دعا إلي مؤتمر لعلماء المذاهب الثمانية سنة 1962 وقال: كلكم مسلمون ولابد من الاعتراف ببعضكم في إطار من ثوابت القرآن والسنة حتي يسير علي نهجكم أبناؤكم.. وحضر المؤتمر علماء من كافة العالم الإسلامي وقام بإصدار موسوعة الفقه الإسلامي علي المذاهب الثمانية وأكد ان العقل الإسلامي مخير بين كل هذه النظريات الفقهية المتميزة ليأخذ بأفضل الحلول في كل قضية ولتأخذ الجماهير ما يتناسب مع واقعها دون خلاف.. وحضر المؤتمر ممثلون من علماء الدين لجميع الطوائف التي تقاتل بعضها الآن وغيرهم من الطوائف الدينية.. وقد أراد عبدالناصر أن يحمي الدين حتي لا تتخذه كل سلطة وسيلة لتحقيق مآربها كما يحدث الآن أيضا ودعا إلي وحدة المذاهب الفقهية ليتحد المسلمون. أضاف المفكر الإسلامي المستشار العقالي إن هذا المشروع انتهي بموت عبدالناصر ولابد من إعادته لو أردنا حقا نصرة الدين دون قتال بين المسلمين. الدكتور طه حبيشي - رئيس قسم العقيدة بجامعة الأزهر - يصف الواقع الإسلامي بأنه مؤلم ومحزن وأصبح المجتمع الواحد طوائف متعددة والفتنة اشتعل نارها في كل مكان مع أن نصوص القرآن لا يغيب عنها تشخيص المرض ووصف الدواء. ومرض هذه الأمة كما يصفه الدكتور حبيشي هو مرض اجتماعي مغلف بغطاء أنيق يستنهض الدين لتغطية الجرائم المرة والمؤلمة.. وما كان للشريعة الإسلامية أن تكون غطاء لطوائف متنازعة تحدوها أغراض غير دينية ويقدم كل منها نفسه علي أنه يمثل الدين. والحل كما يراه الدكتور طه حبيشي يتمثل في ضرورة وجود طائفة متميزة لا تلقي بنفسها في مجال الاتهامات والشبهات تأخذ بقواعد الإسلام وتشريعاته وتطالب باسم الإسلام حكماء الأمة إلي الوقوف بقوة وشدة مع الحل الإسلامي الذي يتم علي مرحلتين. الأولي مرحلة الإصلاح بمعناه ودلالاته اللغوية والشرعية بالنظر في توجيهات الطوائف الباغية المتقاتلة ثم العمل علي أن تصل معها إلي حل وتأخذ علي كل منها العهود والمواثيق وتطالبها بالتوقف عن المسالك الشاذة.. لا تمارسها ولا تدعو إليها ثم تأتي المرحلة الثانية برد كل هذه الطوائف إلي الطريق المستقيم المبني علي ثوابت واضحة من القرآن والسنة والتي ارتضاها الحكماء من غير تهميش ولا ازدراء ولا إقصاء. قال ان كل هذا لابد أن يقوم به فريق تثق في نزاهته وطهارته وتقواه ووطنيته كل الأطراف.. فريق لم يتورط علي الاطلاق من قريب أو بعيد في كل الذي يجري ويدور علي الساحة من قتال بالسلاح والإعلام والاقتصاد والسياسة.. فريق لابد أن يساعده أيضا من بيدهم الأمر والقوة والإعلام في الأنظمة والدول المختلفة إذا أردنا حقا الوصول إلي حل ووقف نزيف الدماء بين المتصارعين الدينيين في المنطقة. رضا الله أضاف الدكتور طه حبيشي اننا بذلك فقط نستطيع أن نقول إننا نمثل الإسلام عقيدة وشريعة.. وهذا ما لم تستطع أن تقوم به مؤتمرات يجتمع معظمها للترف والمتعة والسياحة ولا يمكن أن تنفذه مجموعات لم ترفع نفسها فوق الشبهات وإنما تنفذه جماعات مخلصة لله والدين والوطن ولا تنتظر شيئا سوي رضا الله ووحدة الأمة. قال: إن هذا كله أيضا لا يأتي إلا بمصارحة أنفسنا بالحقائق التي أدت بنا إلي هذا الطريق حتي نعود إلي الحق المبين الذي رسمته لنا شريعة الله وصراطه المستقيم. الدكتور محمد الشحات الجندي - أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية - يقول: إن الحل الحقيقي للوصول إلي وقف هذا النزيف المستمر لدماء المسلمين بأيدي المسلمين هو الحوار الصريح والعلني المبني علي الثوابت الإسلامية مع جماعات المنحرفين الذين اختطفوا الإسلام واحتكروه لأنفسهم فقط ووصفوا كل ما يخالفهم بالكفر. ولكن قبل هذا الحوار لابد من إصلاح المجتمعات الإسلامية ذاتها حتي يكون للحوار مصداقية حقيقية.. فلا يمكن أن أقيم حوارا يطالب بالعدالة بينما الظلم والفساد يستشري في بعض الأنظمة بالعالم الإسلامي ثم نطالب الآخرين بالحوار الإسلامي العادل.. فأي حوار ينجح في وجود الظلم والفساد وهما العدو الأول للشريعة والإسلام. أضاف الدكتور محمد الشحات الجندي إن الحل أيضا يكمن في عدم اضطهاد المتدينين وعدم وصف أي متدين بأنه داعية عنف وأي ملتح بأنه متطرف.. هذا الموقف يؤدي تلقائيا إلي زيادة أنصار المتطرفين الحقيقيين. كما أن الحل يكمن أيضا في ديمقراطية حقيقية غير مزيفة في العالم الإسلامي.. ديمقراطية ترضي عنها الشعوب وتستطيع بموجبها أن تحاسب أي مسئول وأن نعزله بموجب الدستور والشريعة والقانون وأن نعلي مبدأ "وأمرهم شوري بينهم" وأن نتمسك بمبادئ الإسلام الحقيقية المنبثقة من القرآن والسنة ونعلمها لأجيالنا وأن نحترم تدين المجتمع.. كل هذا يساهم في تجفيف منابع التطرف وإبعاد الشباب عن أوهام التكفيريين بعد أن وجد مستقبله في حضن الدولة وسعادته في عدالتها وميزانها الحق.. ولابد أن نعترف ان الظلم والفساد وزيادة الفقر والمرض والجهل وعدم وجود ديمقراطية حقيقية في الدول الإسلامية يصب كله في خانة الجماعات التكفيرية التي تلعب دورا قويا الآن في تمزيق العالم الإسلامي وتنفذ أجندات سياسية لأنظمته متحاربة سواء قصدت ذلك أم لم تقصده وإسرائيل علي بعد عدة كيلو مترات من الجميع مبهجة بما يحدث في العالم الإسلامي. أضاف الدكتور الشحات الجندي إن المشكلة ان الذين يقودون هذه الحروب الداخلية والأهلية في البلاد الإسلامية يريدون فرض نظريتهم الدينية علي الجميع لأنهم يعتبرون أنفسهم هم الإسلام الصحيح فقط وغيرهم من المسلمين لا يعتبر مسلما ولو ادعي الإسلام وشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. وهذه كارثة.. ومن هنا وجدنا البعض لا يتورع أن يفجر مسجدا علي من فيه من المصلين الموحدين. اضافة إلي ذلك فإن بعض هذه الجماعات لا يريد غير النفوذ والسلطة والمال والسيادة ويطلقون مسميات علي أنفسهم وأعمالهم لجذب الشباب الإسلامي إليهم مثل "النفير العام" و"مشروع شهيد" ويشهرون سلاح الإغواء والإغراء الديني والتضليل باسم الإسلام.. قال انه بدون ديمقراطية حقيقية في العالم الإسلامي تقضي علي الفساد وترسي العدالة ومبادئ الشرع الإسلامي الحقة فسوف يزداد أنصار من يقودون هذه الحروب الداخلية وسوف نتسبب في تمزيق دولنا بأنفسنا لتبتلعها إسرائيل واحدة تلو الأخري. لعبة خطيرة الدكتور الأحمدي أبوالنور - وزير الأوقاف الأسبق وأستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية وهيئة كبار العلماء - يقول: إن من الحسرة ان نؤكد ان الممولين لهذه اللعبة الخطيرة لا يحبون هذا ولا ذاك.. ويمولونهم ليصرع بعضهم بعضا ويوظفون الإسلام لتحقيق مآرب سياسية والأخطر أن يصف بعض الممولين أنفسهم بالجمعيات الخيرية. أضاف انه لابد من التكاتف لمواجهة هؤلاء الذين يقاتل بعضهم بعضا باسم الدين والإسلام برئ من هؤلاء وقتالهم وإذا كان الإسلام دعانا إلي أن نلتقي مع أهل الكتاب علي كلمة سواء فكيف يتقاتل هؤلاء مع بعضهم باسم الدين ويرفعون شعار "الله أكبر" لقتل المسلمين. أضاف الدكتور الأحمدي أبوالنور إننا لابد أن نعالج هذه المسألة بأقصي سرعة ممكنة وأن نقف معا ضد العدو المتربص بنا جميعا وبالإسلام وألا نتعمد ضياع جهود المصلحين وأن يكون حديث الرسول - صلي الله عليه وسلم - نورا لنا جميعا "المؤمن من أمنه الناس علي دمائهم وأموالهم وأعراضهم". أشار إلي أن الاعتصام بحبل الله فقط هو الذي ينجينا من هذه المآزق والمهالك وألا نستدعي تاريخ الفتنة بين المسلمين لنمزق أنفسنا لأسباب لا علاقة لنا بها وقال إن المسلمين غافلون عن مجدهم الحقيقي والمتربصين بهم لا يرعون فيهم عهدا ولا ذمة وهذه هي المشكلة.