العزاء في اللغة : التعزية. وهي الصبر الحسن علي ما به من مكروه. أو التسلية عمن يعز عليه. وعزاه أي صبره وحثه علي الصبر. والرضا بما حكم الجبار. واختلفت عبارة الفقهاء في تعريف العزاء اصطلاحاً. وهي متقاربة. قال ابن عابدين الحنفي: إنه تصبير أهل الميت والدعاء لهم به. وقال ابن القاسم المالكي: التعزية لثلاثة أشياء. أحدها: تهوين المصيبة علي المعزي. وتسليته منها. وتحضيضه علي التزام الصبر. واحتساب الأجر. والرضا بقدر الله والتسليم لأمره. والثاني: الدعاء بأن يعوضه الله من مصابه جزيل الثواب. ويحسن له العقبي والمآب. والثالث: الدعاء للميت. والترحم عليه. والاستغفار له. وقال النووي الشافعي: التعزية هي الأمر بالصبر. والحمل عليه بوعد الأجر. والتحذير من الوزر بالجزع. والدعاء للميت بالمغفرة. وللمصاب يجبر المصيبة. وقال ابن قدامة الحنبلي: هي تسلية أهل المصيبة. وقضاء حقوقهم. والتقرب إليهم. مما سبق ذكره من أقوال يتضح أن العزاء درجات. أدناها: تصبير أهل الميت. وأوسطها: الدعاء لأهل الميت يجبر المصيبة مع تصبيرهم. وأعلاها: الدعاء للميت. والترحم عليه مع تصبير أهله والدعاء لهم. وتعزية المصاب في فقد الحبيب من الأحكام الشرعية المبنية علي رعاية المشاعر الإنسانية. لكون التعزية تسلية ومؤانسة لحمل المصاب علي الصبر. فيتبع فيها الأليق إنسانياً. ويحرص فيها المعزي علي تطييب خاطر المصابين ببيان فضل الصبر. وذكر محاسن الميت. والدعاء له. والعزاء كحق إنساني ورد في الشرائع السماوية السابقة. وجاء الإسلام بتأكيده. وقد ورد فضل حق عزاء المصابين منذ عهد إبراهيم عليه السلام فيما أخرجه عبدالرزاق. عن أمية بن صفوان. أنه وجد صحيفة مربوطة بقراب أي غمد السيف لصفوان. أو بسيفه. وإذا فيها: هذا ما سأل إبراهيم ربه: أي رب ما جزاء من يبل الدمع وجهه من خشيتك؟ فقال: صلواتي. قال: فما جزاء من يصبر الحزين ابتغاء وجهك؟ قال: أكسوه ثياباً من الإيمان يتبوأ بها الجنة ويتقي بها النار. قال: فما جزاء من يسد الأرملة ابتغاء وجهك؟ قال: وما يسد؟ قال: يرويها. قال: أقيمه في ظلي وأدخله جنتي. قال: فما جزاء من تبع الجنازة ابتغاء وجهك؟ قال: يصلي ملائكتي علي جسده ويشيع روحه. قال: وكان فيه عيادة المريض فنسيها. قال أمية بن صفوان راوي الحديث من الصحيفة فأتي يحيي بن جعدة القرشي فأخذها مني. وهذا يدل علي أن تعزية المصاب من الحقوق الإنسانية المشروعة منذ عهد إبراهيم أبي الأنبياء عليهم السلام. وجاء الإسلام بإحيائها وتأكيدها. مراعاة للمعاني الإنسانية التي تجمع الناس ولا تفرقهم.