العقيدة الإسلامية في أحكام الدنيا لها ما لسائر العقائد الأخري من حق إثبات الذات بالحفاظ علي هويتها. والإعلان عنها. والدعوة إليها. والناس بعد ذلك أحرار في اختيار ما يقتنعون به. ويتشرفون بالانتساب إليه. ويسلمون أنفسهم للانقياد والإذعان له قال تعالي: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" "البقرة: 256". يقول ابن كثير: أي لا تكرهوا أحدا علي الدخول في دين الإسلام. فإنه بين واضح. جلي دلائله وبراهينه. لا يحتاج إلي أن يكره أحد علي الدخول فيه. بل من هداه الله للإسلام. وشرح صدره. ونور بصيرته. دخل فيه علي بينة. ومن أعمي الله قلبه. وختم علي سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرهاً مقسوراً ويقول تعالي: "ولو شاء ربك لآمن في الأرض جميعاً أفانت تكره الناس حتي يكونوا مؤمنين" "يونس: 99". أي ليس ذلك عليك ولا إليك. كما قال تعالي: "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" "الرعد: 40". وتقف مسئوليتك عند قوله تعالي: "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" "الغاشية: 21 22". وقوله سبحانه : "إن أنت إلا نذير" "فاطر: 23". أي إنما عليك البلاغ والإنذار والناس أحرار في اختيارهم. وحسابهم بعد ذلك علي الله تعالي. ويجب أن تكون الدعوة إلي الدين بالحكمة والموعظة الحسنة. لأن الدين اعتقاد. والاعتقاد لا يدخل القلب إلا برفق. فكان من فطنة الداعية أن يكون حكيماً في أقواله وأفعاله. لطيفاً في نصائحه ومواعظه. حسناً في مناقشاته ومناظراته. قال تعالي: "ادع إلي سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" "النحل: 125". أي برفق ولين وحسن خطاب. ويقول سبحانه: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" "العنكبوت: 46". والذين ظلموا منهم هم أهل الحرب. كما يقول أهل التفسير. وقد قال الله تعالي لموسي وهارون عليهما السلام حين بعثهما لفرعون: "فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشي" "طه: 44" يقول ابن كثير: هذه الآية فيها عبرة عظيمة. وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار. وموسي صفوة الله من خلقه إذ ذاك. ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين. ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع. وعلي قدر حكمة الداعية وموعظته الحسنة تكون استجابة الناس في دخول الدين. ولا يظن ظان أن الدخول في الدين يكفيه سلامة الدين في ذاته. فليس هناك أسلم ولا أعدل ولا أحسن من الإسلام. الذي أوجز الله رسالته في قوله سبحانه: "إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون" "النحل: 90". مع وصف الله تعالي له بالكمال. فقال سبحانه: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا" "المائدة: 3" ومع ذلك فإن الدخول في هذا الدين يستلزم داعية حكيماً. وأسلوباً كريماً. لأن الكلمة الطيبة حق إنساني لا يتفاوت فيه الناس. كما قال تعالي: "وقولوا للناس حسناً" "البقرة: 83". هذه ثقافة الإسلام في التعامل مع العقائد الأخري. تكريماً للإنسانية وهو ما يؤدي إلي تكامل الحضارات. وليس إلي صراع الحضارات.