عادت قضية "حظر النشر" تلقي بظلالها من جديد في قضايا عديدة تشغل الرأي العام.. فمنذ أيام صدرت قرارات من السلطات القضائية المختصة ب "حظر النشر" في عدد من القضايا التي يجري التحقق فيها من أبرزها قضية اتهام الرئيس المعزول محمد مرسي "بالتخابر" وكذلك التحقيق في حادث اغتيال المقدم محمد مبروك الضابط بقطاع الأمن الوطني والذي استشهد اثناء توجهه إلي عمله بمدينة نصر. قبل ذلك بأسابيع قررت محكمة الجنايات حظر نشر شهادات عدد من المسئولين السابقين في قضية قتل المتظاهرين التي يحاكم فيها حاليا الرئيس الأسبق حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي و6 آخرين من قيادات الأمن السابقين. حظر النشر هو إجراء تلجأ إليه السلطات المختصة في الدول كوسيلة للحفاظ علي سرية التحقيقات في قضايا تتعلق بالأمن القومي أو قضايا يكون نشر معلومات معينة فيها له تأثير سلبي علي "سير القضية" وعلي الرغم من تفهم الدوافع التي تقف وراء قرارات حظر النشر.. فإن هذه القرارات غالبا ما تصطدم بطبيعة العمل الصحفي والإعلامي ونتيجة لذلك تجد كثيرا من العاملين في الحقل الصحفي والإعلامي ضيوفا دائمين في النيابات للتحقيق معهم بتهمة خرق حظر النشر. رجال القضاء: حظر النشر مسألة تقديرية اختراق الحظر جريمة عقوبتها الحبس أو الغرامة كتب - فتحي الصراوي: أكد رجال القضاء ان حظر النشر في أي قضية مسألة تقديرية للمحكمة أو النائب العام وان القانون لم يحدد حالات معينة يتم فيها حظر النشر.. قالوا ان القرار يتم اتخاذه لأسباب مختلفة ولكنه في كل الحالات يستهدف صالح القضية وتحقيق العدالة.. ذكروا ان اختراق الحظر هو اعتداء علي قرار المحكمة وهو جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة. أكد المستشار سامي زين الدين رئيس محكمة الاستئناف بالقاهرة ان المحكمة قد تري ان النشر يمكن أن يضر بأطراف القضية أو يؤثر علي الشهود.. أو انها لا تريد تسريب الجلسات للرأي العام لأي سبب ولذلك تصدر قرارها بحظر النشر في القضية حتي لو حضرها الصحفيون واضاف ان القانون لم يحدد حالات معينة حصرا تلتزم فيها المحكمة أو جهات التحقيق بهذا الحظر ولكنها تصدر قرارها حسب اهمية كل قضية ومدي حساسيتها وتأثيرها علي مصلحة التحقيق والهدف في النهاية هو الوصول إلي الحقيقة. قال ان قرارات حظر النشر زادت اهميتها في الفترة الأخيرة خاصة بعد انتشار الفضائيات وتجرؤ بعض المحامين علي الحديث عن القضايا لأجهزة الإعلام بترجيح لأدلة الادانة أو البراءة مما يؤثر علي الرأي العام تأثيرا كبيرا ويهدد المصلحة العامة لاطراف القضية ويجعل الجماهير تصدر أحكاما قبل أن تنطق المحكمة بحكمها في القضية. اعتداء علي القرار قال ان اختراق هذا الحظر هو اعتداء علي قرار المحكمة ولذلك فإن القانون اعتبره جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة حسبما تري المحكمة ومدي تأثير ما نشر علي الرأي العام ومصلحة التحقيق. قال ان سرية الجلسات تختلف تماما عن حظر النشر ولها أسبابها المختلفة ايضا وفي معظمها تصدر المحكمة قرارها في هذا الشأن لأسباب أسرية شخصية أو أسباب تتعلق بالآداب العامة. ولكن ماذا لو تم تسريب الجلسات السرية ونشرها؟ أجاب المستشار سامي زين الدين بأن السرية قرار تصدره المحكمة لمجرد الحفاظ علي بعض الأسرار المهمة لاطراف القضية وهذا لا شك يهم جميع الاطراف بمن فيهم هيئة الدفاع فإذا تم تسريب الجلسة ونشرها فإن المحكمة هنا ليست مسئولة كما ان النشر هنا ليس جريمة لأنه لم يخترق قرار المحكمة أو يخالفه حيث ان الهيئة القضائية لم تصدر قرارا بحظر النشر فيها. العقوبة المناسبة طالب المستشار سامي زين الدين المشرع القانوني بالتوسع في اعطاء السلطة التقديرية للمحكمة في القوانين بمما فيها عقوبة حظر النشر حتي يمكنها اختيار العقوبة المناسبة. المستشار محمد شكري رئيس محكمة الجنايات وأمن الدولة العليا قال ان قرار حظر النشر في أي قضية يمكن ان يصدر في أي مرحلة من مراحل الدعوي سواء أكان ذلك في مرحلة التحقيقات أو المحاكمة إذا تراءي ان النشر يمكن ان يؤثر علي أي من اطراف الدعوي أو علي سير الدعوي أو التحقيقات. اضاف ان للمحكمة اسبابها المختلفة لاتخاذ هذا القرار وقد يكون منها الاخلال بالتحقيق أو الأمن العام ولكن إذا خرجت الدعوي من حوزة النيابة إلي المحكمة فللأخيرة وحدها حق اصدار مثل هذا القرار لأن النيابة في هذه الحالة غلت يدها تماما عن القضية. النطق بالحكم ذكر ان مخالفة قرار المحكمة بالنشر في الدعوي هو جريمة يعاقب عليها القانون مثل الحكم الذاي لا تنفذه الجهات المسئولة عن تنفيذه وهو في الحالتين جنحة عقوبتها الحبس أو الغرامة. قال ان المحكمة عندما تنتهي من القضية فإنها تحجز الدعوي للحكم أو تنطق به في الجلسة الأخيرة ولابد ان يكون الحكم في جلسة علنية ليعلم به اطراف القضية والرأي العام خاصة إذا كانت الدعوي تهم قطاعا عريضا من الجماهير أو تتعلق بالصالح العام. اضاف المستشار محمد شكري رئيس محكمة الاستئناف ان سرية الجلسات ليس معناه حظرا للنشر ولكنه قرار تصدره المحكمة إذا ارتأت ان الأوراق تحمل في مضمونها حديثا به احراج للشعور العام.. تصدر المحكمة قرارها بسرية الجلسات ويمكن ان تعقد الجلسة بغرفة المداولة بحيث لا يحضرها إلا اطراف النزاع وهيئة الدفاع ولكن إذا تم نشر الجلسة بأي طريقة فإن هذا ليس خرقا لقرار المحكمة لأن القرار في الحقيقة يهم اطراف النزاع أكثر من جهات التحقيق أو المحكمة. المستشار ابراهيم لملوم رئيس محكمة الجنايات يؤكد ان هذا القرار هو من اختصاص النائب العام أو الدائرة التي تنظر القضية وله سببان رئيسيان هما سرية التحقيقات وحفظ الادلة وهذه كلها أسباب يرجع تقديرها لهيئة المحكمة أو النائب العام فقط. ..وأساتذة القانون يردون: انتهاك سرية التحقيقات.. ليس جريمة!! كتب - محمد الطوخي استطلعت "الجمهورية" رأي أساتذة القانون في هذه القضية.. أيضا حيث يقول الدكتور محمد نعيم فرحات أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة الزقازيق إن الأصل في المحاكمات هو العلانية كما ان الأصل في التحقيقات يكون سريتها. ولكن يجوز للمتهم في جناية احضار محام للدفاع عنه اثناء التحقيق أمام النيابة العامة. كما ان المتهم يستطيع ان يدافع عن نفسه في التحقيقات وان تعرض عليه الأدلة أو الدلائل التي تقدمها النيابة. وكذلك تقارير الخبراء في هذا الشأن بحيث لا يترك ثغرة في التحقيق الا وتعرض علي المتهم في حضور محاميه. كما أن النيابة العامة تملك حق الملاءمة والمواءمة بشأن التحقيق وأنها تملك سريته حفاظا علي الأدلة والدلائل التي تعرضها النيابة علي المتهم. أما المحاكمات فرغم أن الأصل فيها العلانية فإنه استثناء تكون الجلسات سرية اذا كانت تحمل بين طياتها إخلالا بالنظام العام أو الآداب العامة. وأكد ان القاعدة العامة تنص علي عدم وجود نص قانوني للعقاب علي انتهاك سرية التحقيقات لان سرية التحقيق موجهة للغير وان الغير لا يتمكن بحسب طبيعة الأحوال من الاطلاع علي التحقيقات ولكن يجوز للنيابة العامة استجواب منتهك السرية جنائيا ومعرفة مصدر معلوماته فإذا ثبت انه قد استمدها من موظف عام بالنيابة العامة فإنه يكون هناك عقاب تأديبي وليس جنائيا للموظف العام. وشدد علي عدم وجود نص بقانون الإجراءات الجنائية أو العقوبات علي جريمة تسمي انتهاك سرية التحقيقات. أشار الدكتور فرحات الي أنه رغم عدم وجود مسئولية جنائية الا أنه يجوز ان ترتب علي ذلك ضرر المطالبة بتعويضات مدنية فقط من الجريدة مع عدم وجود عقوبات سالبة للحرية في جرائم النشر. أضاف الدكتور اسامة حسنين عبيد أستاذ القانون الجنائي بكلية الحقوق جامعة القاهرة والمحامي ان قرارات حظر النشر تثير مشكلة أساسية تتصل بمفهوم علانية المحاكمات ما بين القانون والإعلام مشيرا إلي أن القانون أعطي مبدأ علانية المحاكمات في القضايا وهو يعني أن يكفل للجمهور الحق في حضور الجلسات بغض النظر عن كون الحاضر منتميا لأطراف الدعوي أو الخصومة الجنائية. وأكد أن الغرض من العلانية هو أن يري الجمهور كيف تمارس العدالة ويعتبر بدوره صورة من صور الرقابة الشعبية علي السلطة القضائية وأداتها لدورها مضيفا أن العلانية تتحقق بحضور أقل عدد من المواطنين بغض النظر عن البث التليفزيوني أو الإذاعي من عدمه ويكون القاضي بذلك محترم مبدأ العلانية طبقا لما نص عليه قانون الإجراءات الجنائية حتي لو تم حظر البث بكافة صوره. اضاف الدكتور اسامة عبيد أن القاعدة العامة في الإجراءات هي تقديم المصلحة الأولي بالرعاية وإذا كانت مصلحة الدعوي والخصوم تقتضي عدم إذاعة أدلة الاتهام أو شهادة الشهود أو أي تقارير أمنية أو اقتصادية تتصل بأمور تمس جوهر كيان الدولة وتنال من سرية التحقيقات أو من فكرة الآداب العامة فهنا تعلو المصلحة الأولي بالرعاية علي حق الأعلام في مباشرة نشره لوقائع الجلسات بأي وسيلة إعلامية. اعتبر الدكتور عبيد اختراق قرارات النيابة العامة اعتداء علي استقلال السلطة القضائية في مباشرتها لمهام وظيفتها. ويري الدكتور سامي عبدالعزيز عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة السابق ان الاقتراب من المعلومات التي تعرض علي القضاة يجب ان يكون بحساب ودقة وإذا ما صدر قرار بحظر النشر في بعض القضايا فيجب الالتزام بها واحترام تلك القرارات. قال عميد الإعلام السابق انه احيانا تقوم النيابة العامة أو المحكمة بإجراء تحقيق في الدعوي المطروحة أمامها وان تناول الاعلام لما يدور ربما يؤثر أو يشوه الأدلة أو تزويرها بجانب ان ذلك يضع لدي الرأي العام توقعات ربما تكون عكس الحكم النهائي مما يثير معه بلبلة في الرأي العام ويؤدي لاهتزاز صورة القضاء. واعتبر الدكتور سامي عبدالعزيز نشر صور المتهم اثناء التحقيق معه انتهاكا لحق الخصوصية لديه قائلا : "كم اصدر الاعلام أحكاما بالإعدام علي أطراف الدعوي قبل صدور للأحكام النهائية".