إذا كان الإسلام يمنع إفشاء بعض الخواص التي تمس كرامة الآخرين فإن ذلك مقيد بعدم اضاعة حقوق الآخرين فلا يجوز لأحد كتمان بعض خواصه بدعوي رجوع الأمر إليه إذا كان في ذلك ضياعا لحقوق الآخرين ومن الأمثلة الموضحة في ذلك: "1" تحريم الامتناع عن تحمل الشهادة وأدائها عند حاجة الغير اليها ودون ما ضرر علي الشاهد يدل لذلك عموم قوله تعالي "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا" "البقرة 282" وقوله تعالي "ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" "البقرة 282" ولا خلاف بين الفقهاء علي فرضية أداء الشهادة علي الكفاية إذا كثر عدد الشهداء فإن قام بها من فيه كفاية سقط الفرض علي الباقين لأن المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم وان كان في موضع لا يوجد فيه غيره تعينت عليه الشهادة لأنه لا يحصل المقصود إلا به وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما انه قال: من الكبائر كتمان الشهادة لأن الله تعالي يقول: "ومن يكتمها فإنه آثم قلبه". أما تحمل الشهادة فقد ذهب جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة إلي انه فرض علي الكفاية عند الحاجة كأدائها لقوله تعالي "ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا" "البقرة 282" أي إذا ما دعوا للتحمل فعليهم الإجابة. وقال مجاهد وأبو مجلز وغير واحد إذا دعيت لتشهد فأنت بالخيار وإذا شهدت فدعيت فأجب يعني التحمل جائز وأداء الشهادة واجب. "2" تحريم الامتناع عن بذل العلم والصناعات عند حاجة الغير اليها ودون ما ضرر علي الباذل يدل لذلك عموم قوله تعالي "ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب" إلي قوله تعالي "ولا يضار كاتب ولا شهيد" "البقرة 282" والمعني كما يذكره المفسرون انه لا يمتنع من يعرف الكتابة إذا سئل أن يكتب للناس ولا ضرر عليه في ذلك فكما علمه الله ما لم يكن يعلم فليتصدق علي غيره ممن لا يحسن الكتابة وليكتب كما ورد في الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن وحسنه الترمذي عن أبي هريرة ان النبي صلي الله عليه وسلم قال "من سئل عن علم يعلمه فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار". وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي أن بذل الحرف والصناعات وغيرها مما يحتاجه الناس من فروض الكفاية قال ابن تيمية فإذا امتنع المحترفون عن القيام بهذا الفرض أجبرهم الإمام عليه بعوض المثل. "3" تحريم الامتناع عن ذكر التفصيلات للوقائع التي يطلبها الحاكم أو من ينيبه بشأن التهمة الثابتة في حق المتهم لمنع الظلم وقد نص علي ذلك الماوردي فقال في الأحكام السلطانية ويجوز ضرب المتهم للإقرار بما وقع ولا يجوز ضربه للاعتراف بالتهمة وحمله عليها وإلي هذا ذهب الحنابلة غير انهم اختلفوا في جواز ضربه ابتداء أو ضربه إذا لم تنفع عقوبة الحبس؟ وذلك علي روايتين. والمذهب جواز الضرب ابتداء ويدل علي ذلك: ما أخرجه البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه ان يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها: من فعل بك هذا أفلان أو فلان؟ حتي سمي اليهودي فأتي به النبي صلي الله عليه وسلم فلم يزل به حتي أقر به فرض رأسه بالحجارة ووجه الدلالة: انه لما ثبتت الجناية علي اليهودي بالتدمية. طلب النبي صلي الله عليه وسلم منه التفصيل للوصول إلي اليقين فلم يزل به حتي أقر والتدمية هي أن يقول المجروح بدمه قبل موته: قتلني فلان أو دمي عند فلان ويثبت بها القسامة التي توجب المؤاخذة علي جناية القتل إذا لم يعترف المتهم. كما نص علي ذلك فقهاء المالكية والليث بن سعد لأن دعوي من وصل إلي تلك الحالة وهي وقت اخلاصه وتوبته ثم معاينة مفارقة الدنيا يدل علي انه لا يقول إلا حقا ومدار الأحكام علي غلبة الظن.