تعاقبت عليها الشهور والأيام ومرت عليها في هذا العام مائة وعشرة أعوام ولم تجد المشكلة طريقها إلي الحل. وبدا أصحاب التنفيذ كأنهم سكاري أو نيام والحل يقع بالدرجة الأولي علي عاتق أهل العلم وقادة الرأي والعاملين في وسائل الإعلام. في سنة 1903 كتب شاعر النيل حافظ ابراهيم 1872- 1932 قصيدته الشهيرة عن اللغة العربية. وصورها كأنها تنعي حظها أو ترثي حالها أو تتحدث عن نفسها. تعجب الشاعر الكبير من إهمالنا لها. واتهامها بأنها قاصرة عن استيعاب العلوم الحديثة ورد بقوة قائلا كيف ذلك وهي لغة القرآن الكريم. والبلاغة والبيان والآيات والمعجزات. قال حافظ ابراهيم ان الأمم ترقي باحترامها للغاتها. واهتمامهم بها. واستخدامهم لها. مر قرن من الزمان وفوقه عشرة اعوام. ولم تجد المشكلة طريقها إلي الحل. بل تضاعفت وازدادت تركيبا وتعقيدا. وطغت العامية علي الفصحي وأصبحنا نشنق الأفعال وغيرها من الكلمات الدخيلة علي اللغة العربية. وتصور البعض ان ذلك من علامات الرقي والحضارة. لم يقتصر هذا الحال علي. المقاهي والشوارع بل رأيناه في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام ومحاضرات الأدباء والعلماء. والصحافة العربية هي التي طورت اللغة العربية السهلة البسيطة التي لا نحتاج إلي المعاجم والقواميس لفهمها. وانتشرت هذه اللغة التي عرفت باللغة الثالثة للتفرقة بينها وبين الفصحي والعامية. وأخذتها عنها الصحف العربية وانتقلت بعد ذلك إلي وسائل الإعلام الاخري مثل الإذاعة والتليفزيون. ونفاجأ في السنوات الأخيرة أن وسائل الإعلام. والصحافة صاحبة اللغة الثالثة وقد تخلت عنها وأسرفت في استخدام العامية حتي في العناوين. ونكرر الحديث عن صعوبة اللغة العربية. وباتت هذه اللغة الشريفة غريبة علي السنة أصحابها. وأصبح من يتحدث بها موضع سخرية من السامعين والقارئين. وطالبت إحدي المواطنات في رسالة لها بإلغاء اللغة العربية من المناهج الدراسية لان ابنتها لا تفهم قواعدها وصورها البيانية. وطلب أحد الكتاب بالغاء المثني منها. رغم انه من علامات تفوقها. وظن بعض الطلاب الأجانب ممن حضروا لدراسة اللغة العربية ان هناك لغتين عربيتين الأولي في مدرجات الجامعة والأخري في الشوارع والحياة العملية لما لاحظوه من فرق كبير بين ماهو موجود في الكتب. وما تلتقطه الأذان في كل مكان. لن تستقيم أحوالنا إلا باحترام اللغة العربية. واتقانها والحديث بها. واستخدامها في التفكير والتعبير معا. والمسئولية الكبري تقع علي عاتق المعلمين في المدارس واساتذة الجامعات وقادة الرأي والفكر. في الأخذ بيد اللغة العربية ووضعها في مكانتها التي تليق بها والحديث بها والكتابة بكلماتها وحروفها. واستبعاد كل غريب عنها. وتصفيتها من كل دخيل عليها. والمسئولية تقع أيضا علي عاتق العاملين بالصحف وغيرها في وسائل الإعلام بأن يتركوا الحديث بالعامية إلي اللغة العربية السهلة الميسرة ومن الغريب ان تتخلي الصحف في هذه الأيام عن لغتها التي ابتكرتها. وطورتها. كما يتحدث المذيعون والمتحدثون في الإذاعة والتليفزيون باللغة العامية. وبعضهم يكتب اسماء البرامج بالعامية. يقول حافظ ابراهيم في قصيدته علي لسان اللغة العربية: وسعت كتاب الله لفظا وغاية وما ضقت عن آي به وعظات فكيف اضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي! ويقول الشاعر العربي اليمني الصوفي عبدالرحيم البرعي في مطلع احدي قصائده ومتي يستقيم الظل والعود أعوج