* بعد هزيمة يونيو عام 1967. انطلق عبدالوهاب فورا وكان يقضي اجازة في بيروت. ليقدم لمصر نشيده الشهير "طول ما أملي معايا وفي ايديا سلاح.. حي.. حي علي الفلاح" والذي تشارك في كتابته - لأول وآخر مرة - مع الفنان اللبناني الكبير منصور الرحباني. وسطع النشيد من الإذاعة المصرية والإذاعات العربية ليرفع الروح المعنوية للمصريين بعد الهزيمة ومعه توالت أعمال أخري مهمة لأم كلثوم وحليم وفريد وغيرهم والمعني من هذا ان الفن لابد أن يتكلم وقت المعركة فضرورته تفوق وجوده في الحياة العادية وفي بدايات ثورة 25 يناير اطلق محمد منير ونصر الدين ناجي واحمد فرحات اغنية "أزاي" واطلق محمد جمال انشودته البديعة "يا بلادي" وظهرت "الكاريوكي" وعشرات الفرق الأخري وأيضا المغنون والمنشدون. أصحاب التجارب السابقة ومعهم الذين يقدمون فنا لأول مرة وحدثت طفرة في أساليب التعبير عن "الحالة المصرية" بعد الثورة. وظهرت معان لم تكن مألوفة كما رأينا في "أزاي" لمنير. و"إنسان" لحمزة نمرة و"صندوق النقد" لمأمون المليجي وغيرها من النماذج المهمة مثل "طلعت وقلت أنا مش راجع" لفريق مسار اجباري التي سجلت رسالتها في الميدان ووسط كل اطياف المصريين وقتها.. الآن بعد الثلاثين من يونيو والخروج الثاني للمصريين ما الذي حدث.. وما الذي نسمعه ونراه؟ تسلم الأيادي.. والحرب علي الغناء * الملاحظة الأولي بعد خروج المصريين الذي اعتبر الأكبر في تاريخ الشعوب هو ان الذين لم يخرجوا قرروا افساد وقتل الفرحة لدي الجزء الأكبر من شعبهم وكانت البداية بالاعتصام والتظاهر والترويع. أما الوسط فهو الحرب الاعلامية ضد مصر في الخارج وبلغتنا العربية قادت الحرب شبكة "الجزيرة" عبر كل قنواتها ومعها قنوات القدس واليرموك. أما النهاية فهي مع الحرب ضد الفن والاعتداء علي مواطنين يديرون انشودة "تسلم الايادي" في محلاتهم أو سياراتهم وهو أمر يحدث لأول مرة في تاريخنا. فمن الممكن ان يغلق الرافض لسماع النشيد الراديو أو يبتعد لكن ممارسة فعل الاعتداء هو أمر جديد فماذا كان يحدث لو لم يكد نشيدا واحدا وإنما عشرة أو طوفان من الألحان والأناشيد التي تمجد الثورة ووحدة الشعب مع الجيش. هل كان أحد من الاخوان سيحتمل نشيدا مثل "زود جيش أوطانك.. واتبرع بسلاحك" أو أنشودة تتغني بقائد الجيش مثل تلك التي غنتها أم كلثوم "يا جمال يا مثال الوطنية أجمل أعيادنا المصرية... الخ" أو اغنية عبدالحليم وجاهين والطويل "صورة.. للشعب تحت الراية المنصورة" ولدينا عشرات ومئات الأغاني والأناشيد التي عبرت عن فرحة الشعب واعتزازه بجيشه ووطنه فكيف تضيق الصدور بشعب يغني الآن "تسلم الايادي يا جيش بلادي" ثم يتصاعد الغضب والعداء والدعاء علي أنشودة أخري لعلي الحجار كتبها مدحت العدل ولحنها احمد الحجار تعبر عن الموقف الحالي بلا مواربة "احنا شعب وانتوا شعب" والحقيقة انني تمنيت ان يستضيف وائل الابراشي مساء الاثنين الماضي علي دريم ثلاثي الاغنية وليس مغنيها فقط حتي لا يبدو الأمر وكأنه تحقيق مع مغن كبير وليس ندوة حول دور الفن في أوقات الثورة والأزمة فمن كتب هذه الأغنية القنبلة يدرك جيدا الموقف السياسي فهو - أي الكاتب مدحت العدل - من كتب مسلسل "الداعية" أحد أهم الأعمال في تاريخ الدراما المصرية والعربية وما أثار الغضب الأكبر علي الأغنية هو تلك الرؤية الواضحة لموقف يحاول البعض ان يجلعوه رؤية ضبابية أو غائمة بالتوسل للرأي العام الآن بأن هذه المظاهرات والترويع ورفض اختيار الأغلبية ما هو إلا محبة في ثورة يناير ودفاع عنها!! أخيرا فإن الفن يرد عليه بالفن. وأتمني لو حول أهل الفن في مصر جميعا آمالهم الطيبة وكلماتهم التي تنشر في الصحف إلي أفعال وأعمال تدافع عن وطنهم وعن اختيارات مواطنيهم وعن مصر حرة. بجيش قوي. وشعب أبي يرفض الإرهاب فهل يتضامن الفنانون بالعمل مع الشعب ضد الإرهاب؟ وهل يتحركون كما تحرك بعضهم ليقدموا اعمالا تسهم في تنوير العالم بما يحدث في مصر مثلما فعل فنان السينما رمسيس مرزوق بفيلمه الأول الذي رأيناه عبر شاشات عديدة وها هو يمضي الآن في عمل فيلم ثان مع فريق محترم.. الفن المصري الآن يحتاج للمبادرات الخلاقة. وما سمعناه ورأيناه هو أول الغيث. بداية من اغاني 25 يناير وما بعدها إلي مبادرة مصطفي كامل بعد 30 يونيو في "تسلم الايادي" إلي مئات الافلام التسجيلية والقصيرة لصناعها السينمائيين واغلبهم شباب وشابات إلي فيلم الشاب العجوز رمسيس.. والبقية ننتظرها.