جاء تصريح اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية ببقاء شركات النظافة الأجنبية صادماً بعد سبع سنوات من أكبر خدعة دولية لاستنزاف ثروات مصر. طبقاً لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الذي أكد أن الشركات كلفتنا ما يقرب من 1.5 مليار جنيه جتي الآن. وينتظر أن تكلفنا 2.25 مليار جنيه خلال الثماني سنوات القادمة. هي مدة العقد المتفق عليه "15 سنة" رغم أنها لم تقدم خدمة حقيقية بدءاً من جمع القمامة من المنازل ومروراً بأكوام المخلفات التي تملأ شوارع العاصمة. وانتهاءً بكنس الشوارع الرئيسية. وغسلها كما جاء بالعقود. الغريب كما يقول تقرير جهاز المحاسبات.. أن الشركات أبرمت العقود مع محافظ القاهرة. إلا أنها كانت في كل مرة تتخطي المحافظ وتحصل علي دعم من وزارة المالية بمساعدة الوزير الأسبق يوسف بطرس غالي. وقد حصلت في عام 2010 علي ما يعادل 110 ملايين جنيه!!!... مما يطرح سؤالاً عن العلاقة بين هذه الشركات ووزير المالية؟!!! الأغرب أن تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات كشفت هذه الحقائق لمحافظ القاهرة منذ عام 2005 ولم يأخذ بها وسار علي درب كل المحافظين الذين أتوا بعده!!! حقيقة أخري كشفها التقرير وهي أن هذه الشركات حصلت علي مستحقاتها حتي 30/6/2011. مما يكشف تلاعبها وادعاءها التوقف عن العمل بسبب عدم الحصول علي المستحقات. بل إن العقود المبرمة تنص علي حظر توقفها عن العمل قبل تقديمها إنذاراً بذلك. وحتي في حالة التوقف تقوم الهيئات بعمليات النظافة علي حساب الشركات. علي أن تحصل تلك الشركات علي فائدة 7% علي متأخراتها لو توقفت الهيئات عن السداد. رؤساء هيئات النظافة أجمعوا علي رفض تصريح وزير التنمية المحلية الذي تجاهل كل التقارير السابقة مؤكدين أن الدولة تتكلف 300 مليون جنيه خسائر سنوياً بسبب تقاعس تلك الشركات.. بينما طالب المواطنون بإلغاء التعاقدات فوراً بعد أن تحولت شوارع القاهرة إلي أكبر مقلب قمامة. رغم أنهم يدفعون الثمن مرتين.. الأولي علي فواتير الكهرباء. والثانية للزبال الذين عادوا إليه مرغمين!!! * أكدت فاطمة محمد.. موظفة.. أن تراكم تلال القمامة أصبح المشهد المعتاد لدي الجميع ولم يعد أمراً غريباً خاصة بالمناطق الشعبية والعشوائيات. مما يهدد صحة سكان تلك المناطق. وهذا أكبر دليل علي فشل الشركات الأجنبية التي تعاقدت معها الحكومة لاستنزاف أموال الشعب المصري. خدمة معدومة * رحاب محمود.. تري أن تحصيل رسوم النظافة علي فواتير الكهرباء نوع من الجباية دون تقديم خدمة حقيقية. مما يضطر البعض لإلقاء المخلفات بالشارع لتتفاقم المشكلة وتصبح شركات النظافة هي المستفيد الوحيد بالملايين سنوياً. * عبير حسن.. معيدة بجامعة الأزهر. وتعيش بالإسكندرية.. تشير إلي امتلاء شوارع المدينة بتلال من القمامة بسبب تقاعس شركات النظافة عن أداء مهامها. مؤكدة علي وجوب تدخل الحكومة لإلزام تلك الشركات بجمع القمامة من المنازل. وكنس وتنظيف الشوارع. فنحن ندفع رسوم النظافة مرتين.. مرة علي فواتير الكهرباء. وأخري لجامع القمامة ليقوم بجمعها من منازلنا. * سيدة أمين.. ربة منزل.. تتعجب من أن الحكومة تلزم المعدومين برسوم النظافة علي فواتير الكهرباء وتتقاعس عن إلزام الشركات بعملها في جمع القمامة وتنظيف الشوارع. لذلك ترفض تحمل أي أعباء جديدة. وتقوم بالتخلص من مخلفات منزلها بنفسها في أقرب تجمع للقمامة. * ويري حسن علي.. سائق تاكسي.. أن تجربة شركات النظافة الأجنبية وحتي المحلية. أثبتت فشلها. فتلك الشركات يقتصر دورها فقط علي تنظيف الشوارع وتفريغ الصناديق. ولا تقوم بجمع المخلفات من المنازل. مما يضطر المواطن للاتفاق مع متعهدي جمع القمامة نظير مبلغ شهري. ازدواجية الرسوم * عواطف عبدالجيد.. موظفة.. تبدي استياءها من ازدواجية الرسوم. مؤكدة أهمية إلزام الشركات بتجميع القمامة من المنازل دون تحميل المواطن أي أعباء إضافية. * مدحت موريس.. صاحب محل.. يقول: أدفع 30 جنيهاً شهرياً للنظافة علي فاتورة الكهرباء دون الحصول علي أي خدمة في المقابل. وأضطر للتخلص من المخلفات الناتجة من المحل عن طريق أحد جامعي القمامة نظير خمسة جنيهات يومياً. * هدي زكي.. موظفة.. تري أن المواطن معذور ومضطر للتخلص من مخلفات منزله في الشارع. بعد أن تخلي عنه الجميع.. حكومة وشركات.. وحتي جامعو القمامة. لا ينتظمون في المرور علي المنازل. فالجميع ينزل كل يوم حاملاً أكياس القمامة للتخلص منها. والصناديق بالشارع لا تكفي. علاوة علي وجود أماكن كثيرة لا توجد بها صناديق للقمامة. * لذا تعارض نجاح كمال.. ربة منزل.. وجود الشركات وتفضل التعامل مع متعهدي جمع القمامة من الأهالي. شيخ الزبالين * شحاتة.. نقيب وشيخ الزبالين سابقاً.. يكشف سر الشركات قائلاً: منذ تعاقد الحكومة مع الشركات الأجنبية ونحن نعمل معها من الباطن. فهي مهنة آبائنا. حافظنا علي نظافة القاهرة قبل دخول الشركات الأجنبية. كنا نجمع القمامة من المنازل. نفرزها ونأخذ منها ما نريد. والباقي تأكله الخنازير.. أما الآن فالشركات لا تعطينا المبلغ المناسب مقابل الجمع السكني. فالشركة الإيطالية تعطينا 15 قرشاً عن كل شقة. أما الأسبانية فتعطي 10 قروش.. لذلك يضطر جامعو القمامة لإلقاء المخلفات في الشارع. خاصة بعد ذبح الخنازير. فنحن في انتظار 2017م تاريخ انتهاء عقود تلك الشركات الخاصة للعودة مرة أخري والعمل علي إعادة النظافة إلي شوارع المحروسة. * عشري عبدالمنعم.. متعهد قمامة.. يضيف: كان لكل منطقة شخص مسئول عنها. ويسمي شيخ الزبالين. يقوم بالعمل معه فريق موزع علي شوارع المنطقة وعقاراتها. وكان يتم استخدام الكارو في نقل المخلفات مقابل جنيه واحد عن كل شقة. ولكن بعد دخول الهيئات تم التعاقد معنا علي خمسين قرشاً لكل شقة من الباطن. كنا نقوم بدفع رسوم وغرامات وتأمينات وضرائب للحكومة قبل أن تستغني عنا. وتعتمد علي عمال الهيئة نظير ثمانية جنيهات ونصف الجنيه. حسب المناطق السكنية. ومع ذلك لم تنجح هذه الشركات في مهمتها. فدفع المواطن الثمن مرتين. مرة للزبال. والثانية للحكومة!! صفقة مشبوهة * ويتفق معه محمد عبدالمنعم.. أحد المتعهدين.. قائلاً: مستوي النظافة في شوارع القاهرة قديماً كان أفضل. المشاكل بدأت مع الشركات الأجنبية. مشيراً إلي أنه يعمل مع شركة الفسطاط بالمنطقة الجنوبية. وهذه الشركة تعاقدت معه علي جنيه ونصف الجنيه عن كل شقة. وما تبقي بعد الضرائب والتأمينات 95 قرشاً. وتعاقدت مع الشركة منذ 2004 علي أساس 20 ألف شقة. والآن في 2011 أقوم بجمع القمامة من 4000 شقة فقط. وطالبت بتغيير العقد دون جدوي.. في السابق كانت القيمة تحصل من الساكن نفسه. وكنا نسدد للمحافظة 30 قرشاً عن كل شقة. ورغم استخدامنا "المقشات والقفف" كان الحال أفضل كثيراً.. ومع ذلك فلا أحد يحاسب الشركات الأجنبية علي أي تقصير. ولا تفرض عليها غرامات. كم تنص العقود المبرمة بينها وبين هيئات النظافة. ولعل السبب ما كنا نسمعه من أن وراء صفقة شركات النظافة الأجنبية مسئولين كباراً بالنظام السابق. 300 مليون جنيه خسائر * المهندس حافظ السعيد.. رئيس الهيئة العامة للنظافة والتجميل بالقاهرة.. يقول: رغم أن الشركات الأجنبية تحصل علي 530 مليون جنيه سنوياً نظر القيام بجمع القمامة ونظافة الشوارع إلا أنها لا تؤدي عملها في أكثر الأحياء. مما يضطر الهيئة للعمل حفاظاً علي النظافة. خاصة في أحياء السيدة زينب ومصر القديمة ودار السلام والبساتين. دون توقيع أي غرامات أو فسخ التعاقد خوفاً من حصول تلك الشركات علي الشرط الجزائي الذي يصل إلي ضعف مبلغ التعاقد. .. ويضيف السعيد.. تتحمل الهيئة الخسائر التي تصل إلي 300 مليون جنيه سنوياً. نتيجة الإلقاء العشوائي للمخلفات بعيداً عن المقالب العمومية والتي تتركها الشركات الأجنبية دون جمع. وهي عبارة عن تكاليف إعادة النقل وتلف أرضية الطرق المرصوفة. فالصيانة الدورية تفوق أضعاف تكاليف عملية النقل. * اللواء أحمد هاني.. المشرف العام علي هيئة نظافة وتجميل الجيزة.. يشير إلي أن هناك شركة أجنبية واحدة تعمل بمحافظة الجيزة. وهي الشركة الدولية لخدمات البيئة الإيطالية بأحياء الدقي والعجوزة وشمال الجيزة.. وتقوم بأعمال النظافة المتكاملة بهذه الأحياء منذ عام 2003 وينتهي التعاقد في عام 2017. ونظراً لتعثرها في تنفيذ بنود العقد. قامت هيئة نظافة الجيزة بالدفع بمعدات وسيارات وعمال لتعويض تقصيرها مقابل الخصم من مستحقات الشركة لدي الهيئة وحفاظاً علي مستوي النظافة بالأحياء. فسخ التعاقد * الدكتور عادل عبدالهادي.. أستاذ ووكيل معهد الدراسات البيئية والبحوث بجامعة مدينة السادات.. يري أن تصريح اللواء عادل لبيب وزير التنمية المحلية باستمرار الشركات الأجنبية في العمل بجمع القمامة غريب.. فهو لم يحقق مطالب الشعب. ويعد استفزازاً لمشاعر المواطن الذي عاني بشدة من إهمال الشركات الأجنبية التي استنفدت موارده. وسرقت أمواله. ولم تكتف بذلك. بل حولت شوارع البلد إلي مقالب قمامة. .. ويطالب الحكومة بسرعة اتخاذ القرار بفسخ التعاقد مع هذه الشركات الأجنبية التي كلفت البلاد المليارات طبقاً لتقرير الجهاز المركزي للمحاسبات دون تقديم أي خدمة تذكر. ولا يوجد أي مبرر لاستمرارها. وكنا نأمل من الحكومة أن تتخذ هذا القرار. ولكن جاء تصريح وزير التنمية ليشعرنا أن البلد يعود للخلف!!! * أما الدكتور نبيل الحلفاوي.. عميد كلية الدراسات البيئية بجامعة السادات.. فيرفض بشدة استمرار الشركات الأجنبية قائلاً إن تصريح وزير التنمية يبدو كأنه يعطي الإذن لتلك الشركات في استنزاف أموال المصريين. فعلي الحكومة محاسبة تلك الشركات علي ما أخذته دون حق. بل ومحاسبة المسئولين بالحكومات السابقة عن عقود تلك الشركات التي أهدرت المال العام دون أن يتلقي المواطن المصري الخدمة المناسبة في النظافة المكلفة بها تلك الشركات. .. ويشير الحفناوي إلي ضرورة العودة إلي جامعي القمامة كأحد أهم المحاور الرئيسية في منظومة النظافة. وتوعية المواطن بكيفية التعامل مع المخلفات وتقسيمها وفرزها في المنازل قبل تجميعها. ولابد أن تشهد المرحلة القادمة تغييراً في أساليب وأدوات النظافة بضوابط ونظام غير تقليدي.