أعاد د.أحمد الطيب شيخ الأزهر بمواقفه الوطنية في الموجتين الأولي والثانية للثورة المصرية الدور السياسي البارز لمشايخ الأزهر وتبنيهم لقضايا أمتهم.. وسيسجل التاريخ له حرصه علي الخروج بمصر من المأزق الذي دخلته علي يد النظام الأخير. باجتماعه مع البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وعدد من الرموز الوطنية ليرسموا مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة ملامح خارطة الطريق المستقبلية. الصفحة الوطنية لمشايخ الأزهر تذكرنا من قبل بوقوف الإمام محمد عبده في وجه الانجليز. ومواجهة الشيخ الشرقاوي للفرنسيين. ومقاومة الشيخ المراغي للانجليز وكذلك الشيخ عبدالحليم محمود الذي أفتي بعدم صحة إسلام الشيوعيين. عندما صاح في وجه علي صبري رئيس وزراء مصر في عهده وقال له في قاعة محاضرات الأزهر : إن الشيوعية مثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث. وواجه قرينة الرئيس الراحل أنورالسادات بخصوص تعدد الزوجات وقال لها : لو كان ما تقولين صحيحا لما كنت زوجة للرئيس ولا سيدة أولي لمصر. أوضح المفكر الإسلامي الكبير د.مصطفي رمضان أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر أنه منذ انتهت الفترة العثمانية وقبل مقدم الحملة الفرنسية علي مصر قاد الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر حركة ضد اعمال السلب والنهب التي قام بها القائد المملوكي مراد بك ضد المصريين. وظلت هذه الحركة ثلاثة أيام. اصدر في نهايتها وثيقة خاصة بحقوق الشعب المصري وسجلوها في المحكمة الشرعية وكانت هذه الوثيقة قمة كفاحهم ضد المماليك والعثمانيين. وقاد مشايخ الأزهر ثلاث ثورات ضد الحملة الفرنسية ثورة القاهرة الأولي. وبعدها بعامين ثورة القاهرة الثانية. وكان هذا سببا في هرب نابليون بونابرت وعودته الي فرنسا. وبعد ذلك جاء بعده الجنرال كليبر الذي قتله سليمان الحلبي وهو طالب أزهري. وكان هذا قمة في النضال. وخرجت الحملة الفرنسية من مصر بعد كفاح متواصل بقيادة الشيخ عمر مكرم وقام الشعب المصري بتعيين محمد علي واليا علي مصر. وكانت هي المرة الأولي التي يعين الشعب المصري واليا يفرضه علي السلطان العثماني. وكان هذا إيذانا ببروز الشخصية المصرية وظل محمد علي بمنصبه 150 عاما حتي قامت ثورة .1953 مواقف جاد الحق أضاف رمضان أن مشايخ الأزهر كان لهم دور مهم في الثورة العرابية حينما أصدروا فتوي بخروج الخديوي توفيق عند استقباله الجيش الانجليزي بميناء الاسكندرية وسمح لهم بالدخول لمصر. ولقد وقف الشيخ سليمان المنصوري مفتي السادة الحنفية الذي كان عضوا بالديوان العثماني المصري معترضا علي فرمان سلطاني بضغط المصروفات الخيرية في مصر التي تنفق علي اليتامي حيث قال الشيخ المنصوري إن هذا الفرمان مخالف للشريعة الاسلامية وانبري بسرد الحجج علي صحة كلامه. مما أسهم في رجوعهم عن ذلك القرار. وتابع : كان للشيخ جاد الحق علي جاد الحق مواقفه المشرفة كذلك. إذ كان له رأي واضح في مقررات مؤتمر السكان الذي تم عقده بالقاهرة 1994م فعارض دعوات الانحلال الأسري والشذوذ. وتم إحباط ما كان يخطط له القائمون علي المؤتمر. وتكرر منه هذا الموقف الواضح في رفضه لوثيقة مؤتمر المرأة الذي تم عقده في بكين في سبتمبر 1995م. وحين أعلنت بعض الصحف عن مسابقة لاختيار ملكة النيل. فزع من تطرف بعض المترفين وانسياقهم وراء الهوي والضلال. وكتب مقالة في غاية القوة والبيان بعنوان "أوقفوا هذا العبث باسم وفاء النيل" وعد هذا التصرف الطائش عودة الي سوق النخاسة والرقيق الأبيض. أشار د.عبدالشافي عبداللطيف أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر إلي أنه لا يوجد مسجد تاريخي حظي بشهرة كما حظي الجامع الأزهر. ودليل ذلك أنه يوجد نحو ثلاثين ألف طالب يدرسون بالأزهر من أكثر من 99 دولة ويعودون الي بلادهم مزودين بالعلم والسماحة والوسطية ضاربا احد الأمثلة علي القيم الأزهرية مثلا في الشيخ عبدالله الشرقاوي الذي تولي مشيخة الأزهر في مرحلة من أهم مراحل التاريخ المصري. حيث كان في مقدمة زعماء الشعب. وواحدا من أعضاء مجلس الشوري العشرة الذين تقرب بهم نابليون بونابرت قائد الحملة الفرنسية علي مصر للشعب المصري. حيث عاش الشرقاوي الثورة وانتفاضتها. وأبلي بلاء حسنا في حفاظه علي الأزهر وحمايته. وارتفع الي زعامة المقاومة الشعبية. وطالب بالعدل بين الناس. ورفع الظلم. وإقامة الشرع. وإبطال المكوس "الضرائب". ونزل الحاكم علي رغبة كتابه وبعد رحيل الحملة الفرنسية عانت البلاد من ظلم وطغيان العثمانيين والأكراد والمماليك. وأخذ الجميع ينهبون ويستبيحون الحرمات فضج الناس بالشكوي ولجأوا للشيخ الشرقاوي فقاد مجموعة العلماء وآلاف المواطنين. وأعلن عزل الوالي خورشيد وتولية محمد علي وأقره السلطان وكانت أول مرة يختار الشعب زعيمه. الإمام المراغي أوضح عبدالشافي أن الشيخ مصطفي المراغي أحد مشايخ الأزهر ورموزه الذي كان له مواقفه فعندما نشبت الحرب العالمية الثانية رفض المراغي فكرة اشتراك مصر بالتحالف أو التعاون مع الانجليز أو التعاون مع الألمان للتخلص من الاحتلال البريطاني. معلنا موقفه صراحة قائلا : "إن مصر لا ناقة لها ولا جمل في هذه الحرب" وأقلقت كلماته الحكومة الانجليزية فما كان من رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت حسين سري باشا إلا أن قام بالاتصال بالشيخ المراغي. وخاطبه بلهجة حادة طالبا منه أن يحيطه علما بأي شيء يريد أن يقوله فيما بعد حتي لا يتسبب في إحراج الحكومة المصرية. فرد عليه الإمام المراغي قائلا : "أمثلك يهدد شيخ الأزهر؟ وشيخ الأزهر أقوي بمركزه ونفوذه بين المسلمين من رئيس الحكومة. ولو شئت لارتقيت منبر مسجد الحسين. وأثرت عليك الرأي العام. ولو فعلت ذلك لوجدت نفسك علي الفور بين عامة الشعب".. كما تزعم الإمام المراغي حملة لجمع تبرعات في مصر لصالح المجاهدين في السودان الذين يقاومون الاحتلال البريطاني. وبلغت حصيلة التبرعات ستة آلاف جنيه مصري آنذاك. تقدر اليوم بنحو ستة ملايين جنيه مصري. ولفت إلي أن من المواقف التاريخية للإمام المراغي كذلك رفضه الاستجابة لطلب الملك فاروق ملك مصر. إصدار فتوي تحرم زواج الأميرة فريدة طليقته بأي شخص آخر بعد طلاقها. فأرسل الملك بعض حاشيته لكي يلحوا عليه لإصدار هذه الفتوي. فرفض مجدداً ولما اشتد عليه المرض دخل مستشفي المواساة بالاسكندرية. وهناك زاره الملك فاروق للاطمئنان عليه من ناحية. وللإلحاح عليه مرة أخري لإصدار الفتوي فصاح المراغي رغم المرض : "أما الطلاق فلا أرضاه. وأما التحريم بالزواج فلا أملكه. إن المراغي لا يستطيع أن يحرم ما أحل الله".