المتابع لمواقف شيخ الأزهر وسلبيته التي لا تليق بمنصبه، يرى أنه يتراجع أمام من ينتقضون الإسلام ويتهجمون عليه، وينأى بنفسه عن الخوض في القضايا المصيرية للأمة، ويتعلل بحجج واهية، لا تصدر عن واحد في مكانته ومنصبه.
فحول قضية الحجاب في فرنسا، وفي لقاء على قناة الجزيرة عام 1998 في برنامج "الشريعة والحياة" قال: "يعني الأزهر أو العالم الإسلامي كله هيقدر يجبر دولة أجنبية على إنها يعني تمشي على حسب شريعتنا ؟! .
وأضاف: " إذا منعت بنتك فرنسا من الدخول إلا بملابس معينة اللي تقدر عليك اعمله ... خذ مسدس أو بنتك تاخد مسدس وتدخل بالقوة.. ". وذلك بدلا من أن يدين الموقف الفرنسي ويطالب باحترام حرية الإنسان الشخصية التي يدعونها في الغرب وتطبيقها مع المسلمين.
أما فيما يخص مصافحته الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" على هامش فعاليات مؤتمر الحوار الدولي الذي عقدته الأممالمتحدة في مدينة نيويورك في نوفمبر 2008 فقد قال معلقاً في تصريح لقناة العربية "هو مافيش غير شيمون بيريز. أؤكد أنني صافحته دون أن أعرفه أو أعرف شكله، وأن هذه المصافحة كانت "عابرة، عابرة، عابرة " لأنني لا أعرفه أصلا".
وبعد أن عرفه.. ألقى عليه السلام هو وحاخامات إسرائيل في مؤتمر حوار الأديان، الذي عقد في كازاخستان نهاية شهر يونيو 2009، مبررًا ذلك بأنه لم يكن يعلم بحضور بيريز ولا غيره، لكنه دخل أثناء إلقاء الرئيس الكازاخستاني كلمته !!!!
وعن العدوان الإسرائيلي على غزة ، نقلت صحيفة "المصري اليوم" في عددها الصادر يوم 7 يناير 2009 عن شيخ الأزهر قوله " لا أعلم أن هناك حصاراً على غزة "، وكأنه يعيش في عالم آخر وليس علي ارض مصر ، وأضاف "اسألوا الخارجية" ، "لا أعرف أن هناك حصارًا على غزة. هل هذه شغلتي أنا؟ ما تسألوا وزير الخارجية". وتابع "أي حصار وأي قرف. الحصار موجود من شهور"، متنصلا عن دوره كشيخ لأكبر مؤسسة رسمية إسلامية مهمتها الأولى الدفاع عن الإسلام والمسلمين.
إلا أنه سارع وأدان العدوان الإسرائيلي "الغاشم والظالم والأثيم" على أبناء الشعب الفلسطيني، داعيًّا الدول العربية والإسلامية إلى تقديم كل أشكال الدعم الممكنة للأخوة في فلسطين لمساعدتهم على مواجهة تلك الظروف الصعبة جراء ذلك العدوان.
وهذه المواقف المتضاربة ليست جديدًة من جانب فضيلة الدكتور شيخ الأزهر الذي أباح المعاملات المصرفية الربوية بطلب من جهات رسمية عليا رغم مخالفة ذلك لفتاوي المجامع الفقهية الإسلامية داخل وخارج مصر.
وهذه المواقف تعد من جانب البعض دليلا على أن شيخ الأزهر ينسي دور الأزهر علي مر التاريخ باعتباره المنارة الكبري للعالم السني قاطبة، حسب تصريح الدكتور وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لصحيفة "المصري اليوم" الذي اعتبر أن "معظم من يشغلون مناصب كبيرة في الدولة أصغر منها".
وبمقارنة هذه المواقف بتاريخ ومواقف شيوخ الأزهر السابقين ، نجد أن دور الأزهر الديني والسياسي قد تلاشي، وأصبح منصب شيخ الأزهر كما قال عنه فضيلة الدكتور طنطاوي نفسه في احد الحوارات الصحفية مجرد موظف لدى الحكومة يأتمر بقولها ويؤيد قراراتها بغض النظر عن أثرها السلبي على هذه المؤسسة العظيمة.
وبالنظر في تاريخ الازهر ، نجد أنه لعب دورًا سياسيًّا بالغ الأهمية إلى جانب دوره الديني منذ نشأته، حيث كان الغرض من تأسيسه نشر المذهب الشيعي في مصر في ظل حكم الفاطميين وظل هذا الخط مرسوما له حتى أغلقه صلاح الدين الأيوبي ، وجاء الظاهر بيبرس، وقام بافتتاحه وتجديده لتدريس المذهب الشافعي والمالكي، ومنذ ذلك العهد برز الدور السياسي للأزهر الشريف مؤثرا في الحركة السياسية المصرية، وقد ظهر هذا الدور جليا في عهد شيخ الأزهر الحفني في منتصف القرن الثامن عشر فقد كان – رحمه الله – مؤثرا في جميع شئون الدولة ولا يتم أمر من أمور الدولة إلا بإطلاعه وإذنه.
كما أدى الاحتجاج الذي قاده الشيخ أحمد العروسي – شيخ الأزهر آنذاك – ضد إساءة الوالي العثماني "أحمد أغا" لأهالي الحسينية إلى صدور فرمان سلطاني بعزل هذا الوالي، واضطر خلفه إلى أن يحضر إلى الأزهر ليسترضي علماءه.
وقد وقف الأزهر في وجه الحملة الفرنسية على مصر بقيادة نابليون وحرض الشعب المصري على الثورة، مما جعل نابليون يقصف الأزهر بالمدافع ويدخله بالخيول، وفي مقاومة الاحتلال كان لطلبة الأزهر دور بارز حيث قادوا الثورات وحشدوا الحشود ضد المحتل الغاصب، وقام سليمان الحلبي – الطالب الأزهري – بقتل "كليبر" نائب بونابرت.
وبعد خروج الفرنسيين كان الشيخ عبد الله الشرقاوي أبرز من خلع الولاية على "محمد علي" واشترطوا عليه الحكم بالعدل، إلا أنه نقض العهد، وتخلص من مشايخ الأزهر ومن بينهم الشيخ الشرقاوي.
وظل الأزهر ومشايخه يؤثرون في السياسة المصرية، حيث أفتى شيخ الأزهر الإمام شمس الدين الإنبابي بعدم صلاحية توفيق للحكم، بعد أن باع مصر للأجانب، مؤيدًا أحمد عرابي وأنصاره، مما أدى إلى تدخل السلطة في شئون الأزهر بإنشاء مجلس إدارة له، نال من صلاحيات شيخه، كما أقدمت الحكومة على تعديل قانون المحاكم الشرعية، وإبعاد الشيخ حسونة النواوي من منصبه، لكن العلماء تضامنوا معه، وعملت الحكومة على أن يكون تعيين شيخ الأزهر من سلطات الملك بعد أن كان بترشيح وانتخاب علماء الأزهر.
كما أصدرت مجموعة من علماء الأزهر بيانًا شهيرًا دعت فيه إلى الجهاد ضد إسرائيل بعد صدور قرار تقسيم فلسطين عام 1947، وأدت المواقف الوطنية للإمام عبد المجيد سليم إلى عزله، إثر معارضته لفساد الملك فاروق.
وبعد ثورة يوليو، عمل جمال عبد الناصر على تقليص دور الأزهر وأصدر قانونا يعطى رئيس الجمهورية حق تعيين شيخ الأزهر، ووكيله، كما حجم صلاحيات شيخ الأزهر من خلال تعيين وزير يختص بشئون الأزهر، ثم قام بمصادرة أوقاف الأزهر لصالح الحكومة، وبات شيخ الأزهر مجرد موظف لدى الحكومة، في حين لم يصادر أوقاف الكنائس، ويدل هذا على سعي الدولة لسلب مخصصات الأزهر التي تجعله مستقلا عن الدولة والعمل على جعله تابعًا لها مؤيدا لقراراتها، في محاولة لتنحية الأزهر عن وظيفته الكبرى وهي الذود عن الإسلام ومجابهة الفساد في الدولة.
ورغم تأييد الشيخ جاد الحق علي جاد الحق لمعاهدة السلام مع إسرائيل، إلا أنه رفض التطبيع مع إسرائيل، مؤيدا الانتفاضة الفلسطينية والعمليات الاستشهادية، منددًا بموقف الولاياتالمتحدة المنحاز إلى إسرائيل، كما عارض – رحمه الله – فتاوى تحليل وإباحة عائدات البنوك وشهادات الاستثمار، ورفض توصيات المؤتمر الدولي للسكان، الذي استضافته القاهرة عام 1996.
وعندما تولى الشيخ محمد سيد طنطاوى بدا وكأنه حريص علي رضا الحكومة وبدأ دور الأزهر في التراجع والانزواء بعيدًا عن قضايا الأمة الكبرى.
إن مواقف هذا الأخير تشير إلى اضمحلال كبير في دور الأزهر على الساحة الإسلامية، الأمر الذي أدى إلى ظهور جماعات إسلامية تقوم بهذا الدور – حسب مصالحها السياسية – رغم اختلافها فيما بينها، مما يفقد الأمة الإسلامية مرجعيتها الكبرى المتمثلة في الأزهر الشريف.