"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم" لقد استدار الزمان.. وبعد أيام قليلة يأتي إلينا رمضان.. ونحن نناجيه.. أقبل هلال رمضان.. إن الأبصار إليك شاخصة.. تستشرف إلي رؤيتك.. وليكن مطلعك علي الإسلام بالعزة والنصر كما كنت من قبل.. حين أعز الله المسلمين في بدر.. ونصرهم في يوم الفتح.. وفي عين جالوت وفي العاشر من رمضان.. وليكن مقدمك علي المسلمين رجوعاً للمجد.. يوم أن أقاموا دنيا العدل.. وحرروا الضمير الإنساني ووقف قائدهم يناشد البحر.. أيها البحر لو علمت أن وراءك إناس من البشر لخضك بفرسي هذا غازياً في سبيل الله. أقبل هلال رمضان لتشاهد تلك الأمة الممزقة.. والتي تحارب بعضها البعض رغم أن الله أراد لها أن تكون أمة واحدة.. تؤمن برب واحد.. وتتبع رسولاً واحداً.. وتقرأ كتاباً واحداً.. وتتجه لقبلة واحدة.. ولتقارن يارمضان بين الواقع الذي نعيش فيه من الخلافات السياسية والبحث عن المصالح الشخصية والذاتية وبين قوله تعالي "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فأعبدون". أطل علينا يا رمضان.. وعلي أحوالنا التي يسودها الشحناء والغش والمكر والغلو والخديعة والغدر والعداوة والبغضاء.. قل لهم يا رمضان إن الحق تبارك وتعالي ضمن لنا الأرزاق فلن تموت نفس إلا حين تستكمل رزقها وأجلها. أقبل يا رمضان لتطهر قلوبنا من الغل والحقد والشحناء.. ولتملأ القلوب بالإيمان والنور والهدي.. ولتكن فرحة للمسلمين.. ينمو فيك الإيمان وتحببه إلينا وتزينه في قلوبنا.. وتثمر فيك شجرة الحق.. وتكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.. وليكن مقدمك علي مصرنا أمناً ورخاءً ونعمة.. وعلي العباد يمناً وإيماناً ومحبة.. وعلي الأرض نوراً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وظلاماً.. ولتمتلئ الأرض بروحانياتك وتجلياتك. أقبل هلال رمضان ومعك فريضة الصيام حتي يعلم الناس أن الإنسان ليس طيناً من الأرض وإنما جسده من طين وروحه من علياء السماء.. حتي يعلم من عاش علي الأرض يأكل ويشرب ويتمتع.. ويسير في ركب الشيطان.. ولا يعرف لماذا خلق.. أخلق للطعام والشراب.. وللمطامع الجسدية؟؟.. كلا ورب الكعبة.. فإن الحق تبارك وتعالي يقول في كتابه العزيز "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون.. ما أريد منهم من رزق وماأريد أن يطعمون". أقبل هلال رمضان.. حتي يعرف الإنسان مكانته.. وأنه مخلوق وسط.. فيه من الملائكة روحانيتها.. ومن الحيوانات بطشها وشهواتها.. ولكي يعلم الإنسان أنه حينما يفقد الروح فإنه يفقد القيم.. فلا يعرف للعدل طعماً.. ولا يقيم للحق وزناً.. وحينما تأتي يا رمضان تضع ميزان الحق مكان ميزان القوة.. وتضع قانون اللين والرفق والعطف والرحمة.. مكان البطش والقوة والقسوة. أقبل هلال رمضان لتمتلئ بيوت الله إيماناً وروحانية.. فلا تخلو المساجد معك من قائم أو راكع أو ساجد.. أو ذاكراً لله أو قارئ لكتابه. "في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه.. يسبح له بالغدو والآصال.. رجال لا تلهيهم تجارة عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار".