قوله تعالي: »يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب علي الذين من قبلكم لعلكم تتقون«.. هذه الآية الكريمة، تبين ان الحق تبارك وتعالي شرع الصيام لترقية العباد إلي درجة التقوي ومقام المتقين، علما بأن بعض أهل الصيام، لا يرقي صيامهم إلي هذا المقام، وهذه الدرجة، ذلك ان الصيام ليس جوعا وعطشا، ولكنه مجاهدة روحية، وجهاد شاق في سبيل الله بما يرضيه وبما شرع، بمعني ان طاعات العبد تتوالي، وانعامات الله وأفضاله تتري وولايته تتنزل، ولذلك يقول الحق تبارك وتعالي: »ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. الذين آمنوا وكانوا يتقون«..! اذن فالشهر الذي شرع فيه الصوم، الذي يرقي بصاحبه إلي مصاف المتقين، إنما يرقي به إلي درجة الولاية، لان الولي هو التقي، والولي هو الحبيب والنصير والمعين والحليف والوكيل، وكل ذلك فضل من الله عز وجل ونعمة علي العبد اذ يسر له العبادة التي ترفعه إلي ان يكون وليا لله عز وجل..! وشهر رمضان شهر يعتبر موسما مباركا ومسابقة للتزود من الفضل والانعام، فمن صوم مفروض إلي صحبة للقرآن، إلي صلوات الفرض والنفل، إلي الصدقات وصلة الأرحام، إلي مجاهدة النفس وحفظ العهد والسر، وكل ذلك في ميزان الخير والبركات والحسنات، ولقد شبه الذي يحظي بولاية الله، والذي يحرم هذه الولاية، برجل له عبدان، أعطي لأحدهما درهما ليشتري به فاكهة، وأعطي الآخر درهما ليشتري به فاكهة، فذهب احد العبدين فاشتري فاكهة وغسلها ووضعها في طبق نظيف جميل وألقي عليها عطرا من عنده، وقدمها بلطف بين يدي سيده، مع تمنياته الطيبة، بينما ذهب الآخر واشتري الفاكهة في حجره ثم جاء فألقاها أمام سيده علي الأرض..! فكل واحد من الاثنين دون ريب أطاع سيده فيما أمره وأراده منه، لكن أحدهما زاد من طاعته اجتهادا، وذوقا ولباقة عن الثاني واشتري اعجابه وحبه، كذلك من لم يقنع بفرائض الله، واضاف نوافل وتطوعات ومجاهدات متوالية، لا شك انه سينال حب سيده وولايته، ولذلك نجد رب العزة سبحانه وتعالي يقول في الحديث القدسي: »من عادي لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتي أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه«.. وفي هذا القول القدسي يحذر الحق تبارك وتعالي من عداء وليه أو الاستهانة بشأنه أو التجاوز لقدره ومقامه عند ربه، ويبين انه نال ولايته وحبه بجهده واجتهاده وسعيه الدءوب علي تحصيل مرضاة الله، ولا ريب ان من يحبه الله يحبه الناس، وقد جاء في الحديث: »ان الله إذا أحب عبدا، نادي جبريل، فقال: اني أحب فلانا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء، ان الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض أحدا، نادي جبريل فقال: اني أبغض فلانا فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في السماء ان الله يبغض فلانا فأبغضوه، فيبغضه أهل السماوات، ثم توضع له البغضاء في الأرض«.. رزقنا الله عز وجل حبه وحب من أحبه، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.