مع كثرة أحداث القتل والحروب التي تشهدها عدة مناطق في العالم أصبحت حياة الإنسان غير ذات قيمة لعدد كبير من مطوري الاسلحة مما جعلهم في سباق دائم للتوصل لأحدث تقنية من أدوات الدمار الشامل فكلما كان السلاح أكثر فتكا تهافت عليه راغبو الهيمنة وكارهو الحياة. مؤخرا احتدم الجدال داخل أروقة الأممالمتحدة بسبب نوع جديد من الاسلحة قادر علي اتخاذ قرار القتل بمفرده بعيدا عن التدخل الإنساني وهو ما يعرف ب "الروبوتات المستقلة القاتلة"! فبخلاف الأسلحة المحظورة دوليا والطائرات بدون طيار المثيرة للجدل ظهرت تلك الاسلحة لتضع حياة البشر تحت تصرف آلة لا تفكر. عرفت الأممالمتحدة الروبوتات القاتلة بأنها منظومات سلاح قادرة علي ان تختار اهدافا معينة وتشتبك معها دون الحاجة إلي تدخل اضافي من العنصر البشري وهي آلات تكنولوجية مصنوعة وفق النموذج الادراكي القائم علي الشعور والتفكير والفعل وهي مزودة بأجهز استشعار تسمح لها بقدر من الادراك وبواسطة المعالجة أو الذكاء الاصطناعي تقرر الاستجابة لحافز معين والشروع في تنفيذ القرارات ورغم الجدل المثار حول استخدام الطائرات بدون طيار الا انها مازالت حتي الآن تسمح بابقاء العنصر البشري ضمن دائرة القرار ولو عن بعد أما الاسلحة الجديدة فإن العنصر البشري خارج تماما عن دائرة القرار. تطرق كريستوف هاينز المقرر الأممي الخاص المعني بحالات الاعدام خارج نطاق القضاء أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف لموضوع "الروبوتات المستقلة القاتلة" المعروفة اختصارا باسم "لارس" وطرح عدة تساؤلات لا وجود لأجوبة عليها حتي الآن من بينها: ما مدي مطابقة استخدام اسلحة من هذا القبيل للقانون الإنساني الدولي؟ ومن يتحمل المسئولية عنها أهو المصنع أم المبرمج لنظام التشغيل أو الدولة المستخدمة له؟ وهل سيشجع استخدام هذه الوسائل علي الدخول بسهولة في حروب مستقبلية دون التخوف من حجم الخسائر البشرية المتوقعة؟ أوضح هاينز انه لا توجد في الوقت الحالي أي دولة تستخدم هذه الأسلحة لكنه أورد في تقريره عددا من النماذج التي يتم تطويرها في سرية تامة من قبل بعض الدول أو المؤسسات العسكرية وكما هو متوقع كانت الولاياتالمتحدة من بين أول مطوري الروبوتات القاتلة ضمن نظام "فالانكس" الأمريكي القادر علي اطلاق الصواريخ من السفن لاستهداف الطائرات المعادية. وطبيعي أن تكون الدولة الثانية المطورة لأسلحة "لارس" هي إسرائيل ضمن أنظمة طائرات "هاري" التي تعمل وفق مبدأ "اطلق وانس" والمخصصة لكشف بواعث الرادار ومهاجمتها وتدميرها.. كما استخدمت بريطانيا هذه التقنية في طائرات "تارانيس" القتالية التي تعمل بدون طيار والقادرة علي البحث بشكل مستقل عن العدو والتعرف عليه وتحديد مكانه لكنها لا تستطيع الاشتباك معه إلا بإذن من القيادة وهي طائرة قادرة علي الدفاع عن نفسها ضد الطائرات المعادية. ولم يكن مستبعدا أن يتم نشر روبوتات المراقبة والحراسة التي صنعتها شركة "سامسونج تيكوين" في المنطقة المنزوعة السلاح بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية. هذه الروبوتات قادرة أيضا علي اكتشاف الاهداف عبر اجهزة استشعار تعمل بالأشعة تحت الحمراء ومع انها تعمل حاليا بتوجيه بشري إلا انها تملك خاصية التشغيل التلقائي. يري خبراء عسكريون ان تطوير أسلحة لارس أمر ايجابي حيث انه قد يعمل علي الحد من عدد القتلي في المعارك وانجاز مهام قتالية أكثر بعدد أقل من الجنود والقدرة علي توسيع ساحة القتال واختراق حدود العدو بسهولة مما يوفر الموارد المالية والبشرية. في المقابل يري المعارضون لتطوير الروبوتات المستقلة القاتلة بأن هذه الآلات إذا ما قورنت بالبشر فهي تفتقر للقدرة علي التقييم والحس السليم والنظر إلي الأمور من زاوية أوسع وهي مزايا يجب اللجوء إليها عندما يتعلق الأمر بقرارات لها علاقة بالحياة أو الموت. وكانت ردود افعال عدد من الدول حول هذا الأمر متباينة.. فألمانيا مثلا طالبت بالتزام الشفافية قدر الامكان في مجال تقييم أنواع الاسلحة الجديدة. في حين أقرت الولاياتالمتحدةالأمريكية بأن الروبوتات المستقلة القاتلة تطرح مشاكل قانوني وأخلاقية وسياسية ولكنها لا تعتبرها جديدة بالنظر إلي بعض الصواريخ المستخدمة بشكل مستقل منذ سنوات. ومن جانبها حذرت روسيا من مخاطر وضع النظام القانوني الدولي في موقف حرج بسبب استخدام الروبوتات المستقلة القاتلة مشددة علي ضرورة مراعاة القانون الإنساني الدولي بجدية في هذا الإطار. أما سويسرا فقد أعربت عن قلقها من استخدام أسلحة لارس مؤكدة انه من واجب أي دولة عدم التخلي عن المسئولية في استخدام القوة القاتلة واقترحت تشكيل فريق عمل رفيع المستوي يتولي مناقشة الموضوع وادارة النقاش بشكل يضمن احترام مباديء القانون الإنساني الدولي عند استخدام التكنولوجيا الجديدة.