لا تكاد مصر هذه الأيام تخرج من أزمة حتي تقع في أخري بقصد وبفعل فاعل أو مصادفة وبدون قصد. وتتابع الأزمات أرهق البلاد والعباد وزاد من حدة الانقسام والتشرذم. مصر الآن أصبح كل من فيها بعيداً عن الآخر إن لم يكن ضده.. مصر تتفتت وتنقسم علي نفسها رأسياً وأفقياً. أفقياً علي مستوي الجغرافيا حيث نري ضعف سيطرة الدولة علي أطرافها وحتي القلب بدرجة أقل ورأسياً بين تياراتها وأحزابها واتجاهاتها ومواطنيها.. الزملاء والأصدقاء وحتي علي مستوي الأسرة الواحدة. دسنا المنطق بالأحذية واحتقرنا العقل فهرب منا هروب السليم من الأجرب.. انقسمنا وتفتتنا وتشرذمنا حتي أننا لا نستطيع أن نتفاهم أو ندير حواراً.. انقسمنا انقساماً حدياً فإما مع أو ضد.. ليس هناك ألوان رمادية.. إما أبيض أو أسود.. وكل فريق يسير في الاتجاه المعاكس للفريق الآخر ومازالت المسافات تتباعد والفجوة تتسع وتتزايد. لا يتورع أحد الفريقين عن رمي الآخر بأبشع الاتهامات من قبيل الخيانة والعمالة وهلم جرا. الفريقان يستخدمان نفس الأسلوب ونفس سياسة ميكيا فيلي وقاعدته السياسية الشهيرة الغاية تبرر الوسيلة.. أو بالمعني البلدي اللي تغلب به ألعب به. الكذب والمناورة والدعاية الكاذبة من أبرز سمات المرحلة ولا تجد نقاشاً يدور بين اثنين يحترم العقل والمنطق ويحترم قواعد النقاش وأدابه. ولا تجد حواراً إلا وينتهي بقطيعة أو خناقة بين المتحاورين.. أنظر كم من صداقة انتهت بسبب حوار أو نقاش سياسي وكم من صديق يقول لقد اكتشفت صديقي الآخر علي حقيقته. وعندما تشهد أو تشارك في حوار أو نقاش بين اثنين أو أكثر تجد عجباً. يتكلم أحدهم في الزراعة فيرد عليه الآخر في التجارة ويتدخل ثالث في الطب.. ورابع في الفقه والعقيدة.. وينتهي الحوار أو بالأحري ينفجر الخلاف أكبر وأكبر مما كان وتزداد القطيعة بين الأطراف. الجميع يتمترس ويتخندق خلف أفكاره ومعتقداته ظناً منه أنه يمتلك وحده الحقيقة المطلقة. الحوار والنقاش له أصول وقواعد أبسطها التزام المتحاورين بفكرة محددة واضحة المعالم وينطلق من مرجعية واضحة ويهدف لتبادل الرأي للوصول لفهم مشترك أو التعرف علي نظرة الجانب الآخر لهذه الفكرة. لكن هوايتنا الآن هي تعويم الموضوعات وخلط المفاهيم والقفز من فكرة إلي أخري بلا رابط عقلاني أو منطقي. والحوار والنقاش في بلادنا مر بثلاث مراحل.. كان في الأولي صاخباً وثرياً.. اكتشف كل طرف فيه الطرف الآخر ثم دخل مرحلة الاشتباك العنيف والمناجزة وأصبح في المرحلة الثالثة كحوار الطرشان لا فائدة ترجي منه فأقلع عنه جزء كبير يائساً في امكانية الوصول لتوافق وتفاهم واستمر الأطول نفساً ليجد حواره ينتهي بسب وقذف وتجريح وفي طريقه للانعزال والانطواء انتظاراً لوصول المخلص بعد أن تعدي الحوار مرحلة ضرب الشلاليت.