ندرك وربما جميعا أننا أصبحنا عصبيين بمعني منفعلين وغاضبين معظم الوقت.. ونكاد نصرخ طول الوقت وعندما تريد أن تبحث عن حوار تشاهده أو تشارك فيه فإنك غالبا لن تجده وسوف تجد الصراخ وليس الحوار هو الذي نمارسه .. وفرق كبير بين الصراخ والحوار سواء من حيث الأسلوب أو من حيث الهدف والغاية .. فالصراخ يعني رفع الصوت وعدم سماع الآخر ويعني مجرد فرض مايريد من يصرخ أن يقول به بغض النظر عن خطئه أو صوابه إنه نوع من إملاء الرأي إذا صح أن نسميه رأيا .. أو الوصول إلي نتيجة تم اتخاذها مسبقا .. ويكون هذا هدفه أما وسيلته فهي المقاطعة والتشويش علي الطرف الآخر وإيهام المستمع والمشاهد بأن من يصرخ هو علي حق .. ولكن عندما تتأمل الأمر تجده علي غير ذلك. وبالنسبة للحوار فإنه شيء آخر مختلف تماما سواء في هدفه أو وسائله وأهم مايميزه انه ينشد الحقيقة ويستهدف الوصول الي اتفاق من خلال النقاش الهادئ والموضوعي الذي تقوم فيه كل اطراف الحوار بالمشاركة علي قدم المساواة ومقارعة الحجة بالحجة ..انه شيء حضاري يعترف بوجود مختلف التوجهات وتعدد وجهات النظر بالنسبة لك أمر من الأمور التي تكون محل النقاش ومحور الاهتمام. لقد اشتقنا كثيرا لتلك الحوارات الراقية في أجهزة إعلامنا وفي مختلف المحافل والندوات واللقاءات .. لقد سعد جيلنا وتعلم كثيرا من حوارات كانت تزخر بها ايامنا واذا كان الحس الشعبي والامثال التي صاغتها حكمة الشعوب تقول بأن الخلاف في الرأي لايفسد للود قضية .. فان هذا ان دل علي شيء يدل علي سمو لغة الحوار ونبل هدفه الذي يسعي للحقيقة والحقيقة وحدها والتي لا يمكن لطرف ان يدعي أنه وحده الذي يملكها ويحتكرها وان الصواب وهو دائما عنده .. اما الآخرون فليس لهم من ذلك نصيب. وأجدني هنا أتكلم عن بديهيات ولكنها للأسف بديهيات غائبة عن الكثير منا في الكثير من الاحيان ولنا فيما نشاهد من مناقشات ولقاءات عبر الفضائيات بل والمحطات الارضية ايضا في التليفزيون خير شاهد ودليل علي ذلك. وقد استوقفني نقاش جري حول المراجعات التي قامت بها الجماعات الاسلامية والتي نشرتها جريدة "المصري اليوم" ووجدتني وأنا أتابع النقاش بالرغم من انه لم يجر بالصراخ إلا أنه امتلأ بنوع من الوقوف عند حدود تتسم بالتعصب للرأي حتي في ظل ما يمكن ان يكون مقبولا علي الناحيتين .. فوجدت مثلا ان احد المتحاورين تمسك بأن وثيقة المراجعة التي صدرت عن تلك الجماعات الاسلامية تحدثت عما يعرف بالفئة المعينة بمعني التي تم تعيينها وتحديدها واصبحت معروفة والطرف الآخر أو المحاور الآخر قال بأنها الفئة المعينة التي تعين وتساعد غيرها علي أمر معين او موقف معين .. ومضي كلا الطرفين يؤكد علي ان الصواب في جانبه رغم ان الامر قد يتسع لكليهما معا ولكن هي المشاحنات وليست الحوارات. ولا أريد أن يكون مصير تقييم تلك المراجعات هذا الانقسام الحاد الذي يري بعض أطرافه أن ما تم انما هو نوع من المداهنة والخداع بينما يري البعض الآخر عكس ذلك وأننا بصدد مراجعات حقيقية وجذرية في فكر تلك الجماعات وانه يمثل نقلة من الخطأ الي الصواب وليس ابدا مراوغات او شيء من ذلك. إننا ايها السادة نريد ان نمكن لحوار يصوغ حياتنا علي نحو يقودنا الي كلمة سواء والي التوافق رغم تعدد الرؤي وتنوع الآراء وهذا يحتاج الي امرين اساسيين:- الامر الاول: ان ندرك ونوافق ان الحوار فقط هو الذي يبني ويحقق النفع للجميع وان الصراخ يذهب العقل ويؤدي الي الشقاق. الأمر الثاني: - ان بلوغ ذلك يحتاج الي قدوة من المفكرين واصحاب الرأي والسياسيين وعلماء الدين ليعطوا المثل الذي يحتذي في هذا الشأن. وليتنا نلجأ الي تكوين مجموعة نطلق عليها مجموعة الحوار في مختلف تلك المجالات تمتلك القدرة علي ادارة الحواروالنقاش بالتي هي احسن وتكون خير معين علي نشر ثقافة الحوار والرفيع والمتحضر في مجتمعنا ولاشك ان اجهزة الاعلام لها النصيب الاوفر والنصيب الاكبر في هذا المجال. ان بعض المذيعين وبعض مقدمي البرامج لديهم قدر كبير من ثقافة ا لحوار ويذكروننا برواد مضوا في هذا الطريق من أمثال اماني ناشد وليلي رستم وسلوي حجازي واحمد فراج وغيرهم. اما البعض الاخر من المذيعين ومقدمي البرامج فهم في الاتجاه المعاكس لذلك تماما مما يسهم في تغييب الوعي وإثارة الأعصاب ونشوب المشاحنات .. ان المجتمع الذي يصرخ ولا يتحاور يضيع منه الطريق ونحن أحوج ما نكون في تلك المرحلة الي ثقافة الحوار التي تنير الطريق امامنا في قضايا جوهرية مطروحة علي الساحة في هذه الايام مثل قضية الدعم وهل نبقي عليه في شكل عيني رغم مايشوبه من عيوب تجعله لا يذهب جميعه الي مستحقيه ام نحوله الي دعم نقدي في ظل معضلة تتطلب تحديد المستحقين والقدر الذي يعطي لكل منهم. وقضية أخري لا تقل اهمية في التأثير علي حياة الناس ومستقبل هذا الوطن وهي قضية التعليم وكيف نمضي به ونتحول فيه من الكم فقط الي الكم والكيف معا سواء كان التعليم قبل الجامعي او التعليم جامعي. وقضية ثالثة يهتم بها المجتمع وهي قضية العدالة الاجتماعية او البعد الاجتماعي في عملية التنمية. تلك أمثلة بعض القضايا المهمة التي يزدحم بها برنامج العمل الوطني بالاضافة الي قضايا اخري مازالت محل النقاش مثل قضية التشغيل والبطالة والاجور ومستويات الاسعاروقضية الزيادة السكانية وكيف نتعامل معها ونحولها من مشكلة الي فرصة. ولاشك اننا نحتاج في تلك القضايا الي حوار مجتمعي يقود الي النور والضياء والي التوافق والاتفاق ويحترم كل الآراء والتوجهات ويستمع فيه الي كل الاراء المعارضة في اطار قاعدة ان الخلاف في الرأي مطلوب بل ومرغوب ولايفسد للود قضية .. نعم نحتاج هنا الي ثقافة الحوار ولانحتاج أبدا الي الصراخ الذي لا يورث إلا الندم والحسرة .. واهلا ومرحبا بكل رأي وكل اتراح في هذا السبيل نفتح لها العقول والقلوب ونسعد بالحوار معها.