ظاهرة جديدة تسللت إلى حياتنا وبيوتنا وأصبحت مرضا خطيرا بل وباء مزعجا ينتشر، الظاهرة الصراخ المستمر للزوجة "الأم" طوال اليوم حتى لا يكاد يخلو منه بيت أو تنجو منه أسرة لديها أطفال فى المراحل التعليمية المختلفة. ففى معظم بيوتنا الآن وبسبب الأعباء المتزايدة على الأمم بسبب العمل وصعوبة الحياة وسرعة إيقاعها ومشاكلها الاجتماعية والاقتصادية والضغوط النفسية المتزايدة، وربما أيضاً بسبب طموحات المرأة التى تصطدم غالبا بصخرة الواقع المر والمعاكس، بالإضافة إلى مسئولية الأم فى مساعدة أطفالها فى تحصيل وفهم واستيعاب دروسهم بعد أن فقدت المدرسة دورها، الأمر الذى جعل الأم فى موقف صعب لا تحسد عليه، فكيف لها بعد يوم عمل شاق وطويل ومعاناة فى العمل وفى الشارع فى رحلتى الذهاب والعودة، وربما بسبب القهر الذى تشعر به من الرجال تجاهها خارج المنزل، وأحيانا داخله، كيف لها بعد كل ذلك أن تقوم بدورها فى تربية وتنشئة أطفالها وتقويم سلوكياتهم وإصلاح "الخطأ" منها أمام طوفان من التأثيرات السلبية تحيط بهم من كل جانب فى زمن القنوات المفتوحة والستالايت والإنترنت والموبايل والإعلانات الاستفزازية؟؟ وكيف لها بعد أن تعود إلى بيتها مرهقة ومنهكة وغالبا محبطة أن تدرس الدروس والمعلومات والإرشادات والتوجيهات فى عقول أبنائها فى برشامة مركزة يصعب عليهم غالباً ابتلاعها! وهنا ظهر المرض ومعه الكثير من الأمراض المختلفة، وكثرت الضحايا وامتلأت عيادات الأطباء بأمهات معذبات تجمعهن غالباً ظروف متشابهة وهى انشغال الأب بعمله أو سفره للخارج، واعتقاده الخاطئ بأن دوره يقتصر على توفير الأموال لأسرته واعتماده الكامل على الزوجة فى التربية والتنشئة ومساعدة الأطفال فى تحصيل دروسهم.. الأمر الذى شكل عبئاً كبيراً على الزوجة وضغطا مستمرا على أعصابها. الخطورة هنا أنه مع تطور أعراض المرض والتى تبدأ كالعادة "ذاكر يا ولد.. ذاكرى يا بنت أسكت يا ولد حرام عليكم تعبتونى... إلخ. تقوم الأم ذلك بانفعال ثم بصوت عال ورويدا رويدا تبدأ فى الصراخ وتفقد أعصابها تماما وتتحول الحياة فى البيت إلى جحيم.. وهنا يبدأ الأطفال فى الاعتياد على الصراخ ويتعايشون معه فهم يصبحون عليه ويمسون عليه. وهنا يزداد صراخ الأم للسيطرة على الموقف.. أما الأب يفاجأ بالظاهرة بعد أن أصبحت مرضا مدمرا فيبدأ المناقشة مع زوجته: ماذا حدث؟ وما الذى جرى لكم؟ فتبكى الزوجة المسكينة وتنهار وتعترض: نعم أنا أصرخ طوال النهار أنا قربت أتجنن ولكنه الأسلوب الوحيد الذى أستطيع التعامل به مع أولادك". أقعد معانا يوم وجرب بنفسك وهنا ربما يحاول الزوج احتواء الموقف ودعوة زوجته المنهارة للهدوء وربما يطيب خاطرها بكلمة أو كلمتين، ولكن- وهذا هو الأغلب حدوثا للآسف- ربما ينحرف الحوار إلى الجهة الأخرى خاصة عندما يؤكد الزوج لزوجته أنه هو الآخر تعبان ومحبط. ساعدنى أنا محتاجة لك ويرد الزوج غالباً وأنا محتاج للهدوء حرام عليك, وكلمة وكلمتين يجد الزوج نفسه فى النهاية يصرخ هو الآخر، فلا أسلوب يمكن التعامل به مع هؤلاء سوى الصراخ وتفشل محاولات بعض العقلاء من الأزواج فى احتواء الموقف والتعامل مع الظاهرة "الصارخة" بالحكمة والمنطق والهدوء. ويستمر الجحيم الانهيار. فإلى متى ستظلين تصرخين يا سيدتى؟ وربما أردت أيضاً أن أضع هذه الظاهرة الخطيرة على مائدة البحث والدراسة، وإن استنفر الجميع لمحاولة البحث عن أسبابها وعلاجها ولعل من المناسب أن اطرح سؤالاً أخيراً: أين أمهات الزمن الجميل؟ هل كانت أمهاتنا يصرخن مهما زاد عدد أفراد الأسرة؟ وهل فشلن فى تربيتنا وتنشئتنا؟ ولماذا إذن الكثيرون منا رجالا ونساء فاشلون فى تربية أطفالهم ورعاية أسرهم؟ بل لماذا أصبح الصراخ هو اللغة الوحيدة للحوار، بل السمة المميزة والمسموعة لبيوتنا؟ مشاغبة طفلك.. وعناده!! بعد إجراء دراسة شملت 110 أسر أمريكية تضم أطفالاً تتفاوت أعمارهم ما بين ثلاثة وخمسة أعوام.. أعلن معهد العلوم النفسية فى أتلانتا أن هناك علاقة قطعية على وجود علاقة بين شخصية الطفل المشاغب، الكثير الحركة، وبين الأم العصبية التى تصرخ دائماً وتهدد بأعلى صوتها حين تغضب. وجاء فى الدراسة أيضاً أن المقصود بالطفل المشاغب هو الطفل الذى لا صبر عنده، والعنيد، والمتمرد والعدوانى نحو الآخرين.. حتى والديه، والذى لا يلبث أن يجلس حتى يستعد مرة أخرى للقيام واللعب أو العراك مع أحد أخوته. ويعلن الدكتور فرانك ترايبر من الكلية الطبية بجورجيا قائلاً: إن نتائج الدراسة أضافت إلى المعلومات المعروفة حالياً بأن هؤلاء الأطفال قد يدمرون أنفسهم إذا لم تقدم لهم المساعدات منذ صغرهم، وإن الطفل منهم لا يعرف كيف يوجه طاقته هذه للوصول إلى هدف مفيد. بل لوحظ أنه يستخدمها (أى طاقته) فى عراك أو لعب عدوانى مع أخوته وأصدقائه.. وربما والديه أيضاً. وتشير نتائج الدراسة أيضاً إلى أن الأم التى تعبر عن غضبها بالصراخ.. وباستخدام ألفاظ بذيئة، أو سيئة أمام طفلها، تدفع بهذا الطفل إلى التحول إلى طفل من هذا النوع المشاغب. وأكدت الدراسة كذلك أن تأثير غضب الأم أقوى من تأثير غضب الأب على تكوين شخصية الطفل. هل تأملت (عزيزتى الأم) فى نتائج هذه الدراسة الهامة، وهل وجدت كيف أن ما فيها يتلخص فى نصيحة فى غاية الأهمية، ويمكن أن نوجزها فى هاتيت الكلمتين (لا تغضبى) وهى نصيحة سبق بها نبى الرحمة دراسات الدارسين وأبحاث الباحثين.. حين أوصى بعدم الغضب. ولكنك قد تسألين: وكيف لا أغضب؟ كيف أملك نفسى حين يتكرر خطأ الطفل؟ كيف يمكننى أن أهدأ وطفلى يرتكب حماقات لا تحتمل؟ هذه بعض النصائح التى أرجو أن تساعدك عزيزتى الأم على عدم الغضب: 1- الاستعاذة من الشيطان الرجيم بصورة مستمرة وأنت تشاهدين من طفلك ما يثير فيك الغضب، سواء أقام بكسر الأشياء فى البيت، أم بضرب أخته أو أخيه الصغير، أم بالصراخ.. رددى الاستعاذة من الشيطان وأنت تتوجهين إليه لتمنعيه من فعله الخاطئ، أو لإصلاح ما أفسد، أو لغير ذلك. 2- انظرى إلى طفلك طويلاً حين يكون نائماً، وتأملى فى براءته وضعفه، وخاطبى نفسك: هل يستحق هذا المسكين أن أضربه أو أصرخ فى وجهه وأثور عليه؟! وحين يريد الغضب أن يثور فى نفسك على طفلك عندما يرتكب ما يثير فيك هذا الغضب.. تذكرى صورته وهو نائم ضعيف، لا حول له ولا قوة، وملامح البراءة مرسومة على وجهه.. وحاولى أن تثبتى هذه الصورة فى مخيلتك.. فإن هذا يساعدك كثيراً على كبح جماح غضبك. 3- ضعى نتائج الدراسة السابقة فى ذهنك، وتذكريها حينما تبدأ شعلة الغضب بالاشتعال فى نفسك، وفكرى: غضبى لن ينفع فى تأديبه. غضبى سيزيده شغباً وعناداً وتمرداً. اللهم أعنى على التحكم فى أعصابى. اللهم اشرح صدرى. 4- اشغلى نفسك بأى عمل آخر وأنت تعلنين لطفلك أنت ستحاسبينه على خطئه أو إهماله أو ذنبه.. فيما بعد.. وهذه بعض الأمثلة: * سأعرف شغلى معك بعد أن أنهى إعداد الطعام. * فكر كيف ستواجه أباك عندما يعلم بما فعلت. إن هذا التأجيل يساعد على إطفاء ثورة الغضب فى نفسك، وهو، فى الوقت نفسه، يشعر الطفل أن خطأه لن يمر دون حساب.